كتبنا كثيرا عن عقيدة الجيش المصرى، والقائمة على الدفاع عن الأرض والمقدرات، وعدم الاعتداء على الغير، ودعم الأمن والاستقرار، وحفظ السلام، وإرساء مبادئ الحق والعدل، ويؤمن أن حماية هذه المبادئ العظيمة تحتاج إلى قوة، انطلاقا من حقيقة أن السلام لا يُصنع بالنوايا الحسنة والأمنيات الجامحة، ولا يُحفظ بالكلام المعسول، وتوزيع الابتسامات، ولا يمكن حماية الحدود بالرومانسية الحالمة!
انطلاقا من هذه الحقائق فإن المصرى القديم ومنذ فجر التاريخ، سكن فؤاده يقينا بأن السلام يمثل قيمة عليا لا تستقيم إلا فى ظل قوة عسكرية جرارة، تحميه، وسجل المصرى القديم مقولته الخالدة نقشا على جدران المعابد والشواهد الأثرية المختلفة، «من لا يحمى حقه يُسلب» لذلك فإن مصر - وفى كل عصورها التاريخية - استثمرت فى تأهيل وتسليح جيشها، وجعلت منه جيشا قويا قادرا على حماية الأرض، وإرساء العدل، وكفالة السلام القائم على التوازن والإرادة المتبادلة والندية، لا على الابتزاز والخضوع والخنوع وقبول التهديد والوعيد!
تبلورت عقيدة الجيش المصرى، بوضوح أكثر عند التحرك فى 23 يوليو 1952، فكان الجيش هو الفاعل الرئيسى فى تأسيس الجمهورية الأولى، معلنا أن السيادة للشعب، وأن مهمة المؤسسة العسكرية هى حماية تلك السيادة بكل أشكالها وصورها.
ثم جاءت حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 لتكون البرهان الساطع على أن من يمتلك القوة يمتلك مفاتيح السلام، وأن عبور القناة، وتحطيم أقوى حاجز ترابى، خط بارليف، واستعادة الكرامة الوطنية، جميعها شكلت رسائل للعالم، مفادها، أن السلام لا يُمنح، بل يُنتزع بالقوة العادلة، ومن ثم فإن النصر العسكرى فى السادس من أكتوبر 1973 فتح باب التفاوض لمعاهدة سلام، من باب النصر الواسع، لا من موقع الانكسار ومرارة الهزيمة!
ومن ثم فإن الضجيج المزعج الذى يحدثه بعض عناصر حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، عن قدرات الجيش المصرى، وقوته، أمر مثير للتعجب، فما يضير تل أبيب من تنامى قدرات الجيش المصرى إذا كانت النوايا نقية من شوائب الريبة والمخططات المعادية؟! الشاهد من قلق الكيان المحتل من قوة الجيش المصرى، يكشف عن النوايا السيئة، بعيدا عن التحليل الاستراتيجى العميق، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن عقيدة الجيش المصرى، عدم الاعتداء على الغير، واحترام معاهداته الموقعة، ويؤمن بأن جوهر هذه المعاهدات ومن بينها معاهدة السلام مع إسرائيل، قدرة الجيش المصرى على حماية ما دونته الأوراق.
وإذا كان الجيش المصرى قد شهد مرحلة تحديث واسعة شملت تطوير منظومات التسليح والتدريب والاتصال والمعلومات، وتوسيع القدرات البحرية والجوية، وبناء صناعات حربية وطنية، وصار رقما قويا فى معادلة القوة، ليس فى المنطقة فحسب، بل مصنفا من أقوى الجيوش فى العالم، وفق تقارير معاهد استراتيجية مثل SIPRI وThe Military Balance فإن هذه القوة تهدف إلى الدفاع عن حدود البلاد فى منطقة قلقة، كما أنه يخوض معارك عنيفة لمكافحة الإرهاب فى شمال سيناء، وفى حماية الممرات البحرية فى البحر الأحمر وقناة السويس، وهى مهام تصب فى خدمة الأمن الإقليمى والدولى معا، فالقوة هنا ليست للهيمنة أو الاعتداء على الغير، وإنما لضمان الاستقرار، سواء داخل الحدود أو فى المحيط العربى والإقليمى.
هنا تتجلى جوهر عقيدة الجيش المصرى، وأن قوته ليست مسخرة للحروب، فقط، بل فى معارك البناء، فهو الذى حفر قناة السويس الجديدة، وبنى الجسور والكبارى والأنفاق والمدن الجديدة، ودشن المئات من المشروعات الكبرى، بجانب ما يمثله للشعب المصرى كذراع حامية لأمن واستقرار الدولة.
وإذا تحدثنا بشىء من العمق الاستراتيجى، فإننا نؤكد أن قوة الجيش المصرى - عدة وعتادا - لا تتناقض مع السلام العادل، وعندما تكون الدولة قوية، فإنها لا تضطر للحرب، لأن الجميع يخشاها ويعرف قدراتها وأنها تمتلك أذرع قوية باطشة قادرة على الرد والردع بقوة مفرطة، لكل من يحاول الاقتراب من حدودها ومقدراتها، فالسلام يحتاج إلى قوة تحميه، وتفرض احترامه.