في ظل واقع إقليمي شديد التعقيد وتزايد التهديدات التي تواجه الممرات البحرية الدولية، تتقدم القوات البحرية المصرية كإحدى أهم القوى البحرية في الشرق الأوسط، مدفوعة برؤية سياسية بدأت منذ عام 2014 لتحديث البنية القتالية، وتطوير التصنيع المحلي، وتوسيع نطاق الشراكات الدولية في التدريب والتأهيل.
هذا ما كشف عنه اللواء بحري أركان حرب محمود عادل فوزي، قائد القوات البحرية، خلال سلسلة من اللقاءات الإعلامية، أبرزها في برنامج مساء DMC، متحدثًا عن تفاصيل لم تظهر في أي تصريحات سابقة حول التعليم البحري، التكامل القتالي، منظومات التأمين، ومشروعات التطوير التي تجري داخل وحدات الأسطول.
أولًا: “مصر دولة بحرية بامتياز”
يؤكد قائد القوات البحرية أن مصر ليست مجرد دولة لها شواطئ، بل هي دولة بحرية بامتياز، مشيرًا إلى أن: “مصر تمتلك أهم ممر ملاحي في العالم… قناة السويس، وتمتد سواحلها من السلوم غربًا حتى رفح شرقًا، ومن السويس حتى خط عرض 22 جنوبًا، وهذه المساحات الضخمة تفرض علينا واجبات لا تتوقف.”
ويضيف أن هذه الجغرافيا البحرية الواسعة جعلت امتلاك قوة بحرية حديثة ضرورة لا رفاهية، موضحًا: “يومياً لدينا أكثر من 30 وحدة بحرية تعمل 24 ساعة لتأمين كل نقطة على امتداد الساحل.”
ثانيًا: قوة تتطور من الامتلاك إلى التصنيع
يشير فوزي إلى التحول الكبير الذي شهدته قواته منذ 2014، مؤكدًا: “شهدنا تطورًا نوعيًا… ليس شراء وحدات حديثة فقط، لكن دخول مجال التصنيع البحري، سواء في الوحدات المقاتلة أو القاطرات أو أنظمة الدعم.”
وأوضح أن ترسانة الإسكندرية أصبحت شريكًا أساسيًا في تصنيع القاطرات البحرية بقوة شد تصل إلى 85 طنًا، معتبرًا ذلك خطوة مهمة في بناء قوة ذات توازن قتالي.
ويضيف: “نمتلك اليوم فرقاطات وغواصات متقدمة منحتنا تميّزًا وريادة في الشرق الأوسط، ونعمل على تطوير كل وحدة بما يحقق الاتزان القتالي الكامل.”
ثالثًا: بيئة إقليمية مضطربة… ومهام مضاعفة
يرى قائد البحرية أن الظروف السياسية في محيط مصر فرضت على القوات مهامًا أصعب: “عدم الاستقرار في بعض دول المنطقة جعل مسئوليتنا مضاعفة… نحن نؤمن حدودًا بحرية في منطقة شديدة الحساسية، ونؤمّن ثروات وممرات تمر بها نسبة ضخمة من تجارة العالم.”
ويعيد التأكيد على أن الفارق الحقيقي ليس السلاح فقط: “القوات حول العالم قد تتقارب في التسليح… لكن العقيدة القتالية للمقاتل المصري تظل الفارق.”
رابعًا: الكلية البحرية… تطوير شامل ورؤية جديدة للضابط
يفتخر فوزي بالتطوير الذي شهدته الكلية البحرية، قائلاً: “طوّرنا المناهج بالكامل… تحوّلنا لنظام تعليم رقمي، وأضفنا الدراسات المدنية.”
وكشف عن نقلة نوعية في مسار تأهيل الطالب: “لأول مرة سيتخرج الطالب بشهادتين:
– بكالوريوس علوم بحرية وعسكرية
– بكالوريوس علوم سياسية
… لأن شخصية الضابط البحري هي الأقرب للتعامل السياسي والدبلوماسي.”
ويضيف: “من أول أيامه، الطالب يتعامل مع جنسيات متعددة… لدينا معسكرات تدريب داخلية وخارجية، وطلاب الفرقة الرابعة يشاركون بشكل فعلي في المناورات الدولية.”
خامسًا: المناورات المشتركة… منصة لتبادل الخبرات
يشدّد قائد القوات البحرية على أن مصر أصبحت نقطة جذب لتدريبات عالمية: “لدينا تدريبات مشتركة مع معظم الدول الصديقة… مثل الموج الأحمر مع السعودية، ميدوزا مع اليونان وقبرص وفرنسا، النجم الساطع بمشاركة 44 دولة، وكلوباترا مع فرنسا.”
ويشرح الفرق بين أنواع التدريب: “هناك تدريبات مشتركة… وهناك تدريبات عابرة تنفذ أسبوعيًا أو شهريًا مع أي وحدة تعبر قناة السويس أو المياه الإقليمية.”
وحول فائدتها يقول: “لا توجد دولة تطلب تدريبًا من دولة بلا خبرات. نقل الخبرات هو الأساس. تدريب المدفعية المشترك مثلًا يضم خمس سفن من دول مختلفة، وهذا لا ينجح إلا بنسق عالي وانسجام تكتيكي.”
سادسًا: اللغة… جزء من القوة
يؤكد فوزي أن اللغة عنصر رئيسي في بناء الضابط البحري: “لدينا 100 معمل لغات داخل الكلية… وندعم الطالب بخبراء من معهد اللغات واتفاقيات مع الجانب الفرنسي.”
ويضيف: “الضابط البحري يتعامل مع العالم كله… وهذا يتطلب قدرة على التواصل، التفاوض، والعمل ضمن قوات متعددة الجنسيات.”
بحديثه، يرسم قائد القوات البحرية صورة لقوة تتطور بطريقة متوازنة: معدات متقدمة، تصنيع محلي، تدريب دولي، ضابط مؤهّل معرفيًا ولغويًا، وانتشار عملياتي مستمر.
وهي—كما يبدو من تصريحاته—رؤية هدفها حماية ما تصفه القيادة السياسية بـ“مكتسبات الشعب المصري” في زمن تتغير فيه التحديات البحرية بشكل متسارع