بمناسبة افتتاح المتحف الكبير.. كيف ألهمت البيئة القدماء لابتكار أدوات الصيد؟.. أول سكين فى التاريخ صنعها المصرى القديم.. أسرار رمزية لرسم الحيوانات بلا رؤوس داخل الكهوف.. وحكايات عن الصيد مروية على صخرة

الخميس، 06 نوفمبر 2025 02:36 م

الحضارة المصرية القديمة

كتبت بسنت جميل

بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير، الحدث الأثري والثقافي الأهم في القرن الحادي والعشرين، والذي أصبح محطة عالمية جديدة تضاف إلى سجل الحضارة المصرية الخالدة، نسلط الضوء على عددٍ من أبرز القطع الأثرية التي يضمها المتحف، ومن بينها أدوات الصيد التي استخدمها المصري القديم، والتي تكشف جانبا مدهشا من ذكاء الإنسان المصري وقدرته على التكيف مع بيئته، وخلال السطور المقبلة يستعرض باحث المصريات بسام الشماع كل المعلومات المتعلقة بالصيد فى حياة المصرى القديم.

الخوف من الجوع والعطش سبب الابتكار

عرف عن الإنسان البدائي في مصر القديمة، أنه كان يتعامل مع الطبيعة بحواسه الفطرية، فالجوع والعطش والخوف كانت الدوافع الأولى التي حركت عقله نحو الإبداع، ومن هنا بدأ يفكر في ابتكار أدوات تساعده على الصيد والحماية، بعدما لاحظ الكائنات من حوله وكيف تستخدم قوتها وسرعتها للبقاء.

كيف ابتكر المصرى القديم أدوات الصيد؟

بسبب عوامل البيئة المحيطة به، وجد المصري القديم أحجار الصوان والفلنت، وهي أحجار صلبة بيضاوية الشكل، فبدأ بتشكيلها بذكاء وصبر، مستخدما الضرب والنحت لإنتاج أطراف حادة تستخدم في القطع والطعن.

المصرى القديم صنع أول سكين بالتاريخ

صنع الإنسان أول سكين وسلاح وأداة صيد ودفاع في التاريخ، هذه المرحلة مثلت البذرة الأولى للحضارة، حيث تعلم الإنسان من أخطائه وطور أدواته تباعا، فكان في كل محاولة يكتسب خبرة جديدة تجعله أكثر فهما للطبيعة وأكثر قدرة على التعامل معها، تلك التطورات سبقت ظهور الزراعة، إذ لم يكن الإنسان قد توصل بعد إلى فكرة البذور والزراعة المنتظمة، لكنه امتلك عقلا لا يتوقف عن التفكير والتجريب، فحول الخوف إلى ابتكار ووعيٍ حضاري مبكر، فالعبقرية لا تولد فجأة، بل هي نتاج رحلة طويلة من المحاولة والخطأ، ومن العمل والصبر.

دلالات رسم الحيوانات بلا رؤوس داخل الكهوف

وألقى بسام الشماع الضوء، على العديد من الرسوم الكهوف، ملاحظاً ظهور بعض الحيوانات مرسومة دون إظهار الرأس بوضوح، ويمكن أن تفسر هذه الظاهرة بأحد شقين أو بأكثر منهما معا الشق الأول أن الرسام أراد تصوير الحيوان من جهة تجعل الرأس ملتفا إلى الخلف، بحيث تختفي الرأس خلف جسم الحيوان فلا تبرز في اللوحة، وهنا يكون القصد تصوير حركة أو توجهاكما لو أن الثور أو الحيوان ينظر إلى الوراء، ولذلك تبدو الرأس غير ظاهرة.

أما الشق الثاني فهو ذو دلالة رمزية أو تكتيكية بمعنى أن محو الرأس أو عدم إبرازها في المشهد قد يكون وسيلة لنزع القوة المنسوبة إليها، فالرأس عند الحيوان لا تحمل فقط عضو التفكير والقرار بل تحمل أيضا أدوات القوة؛ العينان يرى بهما، والأنف يشم، والقرون تمتلك القدرة على الجلد والإيذاء، فإذا شلت الرأس أو أحجم عن إظهارها، فهذا قد يرمز إلى نزعِ البصيرة أو نزعِ المقدرة القتالية، وبالتالي تشويه أو تحجيم قوة الكائن المرسوم.

هذا التفسير يتوافق مع ملمحٍ طويل البقاء في التراث المصري القديم، حيث تظهر أحيانًا أشكال كائنات كالحيّة ذات القرنين التي تمثِل حرفًا في الهيروغليفية مرسومة إما كاملة أو مقطوعة الرأس، وفي هذه الرمزية قد يكون قصد الفنان أو المصور هو تحييد القدرة الاستشعارية والحسية للحيوان إبطال النظر عبر إخفاء العينين، وإبطال الشم عبر إخفاء الأنف، وإبطال قرون قد تكون سبب موت أحباء الإنسان أو تهديدًا له، فإذا أمكن للرسام أن يحزف من المشهد رأس الكائن، فهو بذلك يتوقع أو يأمل في إمكانية التفوق على ذلك الحيوان أو تحييده أو إبادته.

حكايات الصيد مروية على صخرة.. مراوغة المصرى للقديم للنعامة

ذكر بسام الشماع، في منطقة سلوى بحري في أدفو يوجد نقش على صخرة تروي قصة صياد مصري قديم وصيده للنعامة، الصياد هنا لم يكن عشوائياً، بل خطط لكل حركة بعناية، وضع النعامة في وضع معين بحيث يضربها السهم في الرأس، ليتمكن من قتلها بسرعة وأمان.

الرسام الذي نقش هذا المشهد أظهر حركة الصياد والنعامة بدقة، الرجل مفتوح رجليه والسهم منطلق من القوس، والنعامة في حالة استنفار وكأنها على وشك الركض، المشهد يوحي أن المصري القديم كان يفكر في التوثيق والتخطيط قبل آلاف السنين، بطريقة تشبه تصوير اللقطة بالكاميرا الحديثة.

النقش لم يكن مجرد رسم، بل كان وسيلة لدراسة حركة النعامة ومعرفة سلوكها أثناء الصيد، وتوثيق تجربة الصيد للقبيلة، وإظهار مهارة الصياد وقوته وذكاءه.

في هذا المشهد نرى كيف جمع المصري القديم بين التجربة والفن والمعرفة البيئية، وكيف استغل ذكاءه وفهمه للطبيعة ليبتكر أدواته ويصطاد بذكاء، مع توثيق ذلك بطريقة فنية على الصخرة.