أكرم القصاص

فاروق حسنى ومجدى يعقوب.. ثمار الخيال والحكمة فى «المتحف الكبير»

الخميس، 06 نوفمبر 2025 10:00 ص


لا أبالغ إذا قلت إن أهم مشهد فى افتتاح المتحف المصرى الكبير كان ظهور الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، والعلامة الدكتور مجدى يعقوب، فقد أطلت صورة وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، لتفرض نفسها على الحدث، بكلماته البسيطة الصادقة فى الافتتاح هى أعلى نقطة معبرة عن الحدث، ومعها صورة العلامة الدكتور مجدى يعقوب، الذى بدا بوجهه الملائكى تعبيرا حقيقيا عن حضارة مصر القديمة، يعقوب أشبه بكاهن يرتدى ملابس عصرية، ويتحدث بحكمة الأطباء والكهنة، وفى كلمته قال العلامة مجدى يعقوب إن الطب فى مصر القديمة لم يكن مجرد مهنة، بل رسالة تجسد إيمانا عميقا بالعلاقة بين الجسد والروح، وأن المصريين القدماء اخترعوا أدوات طبية مبتكرة وأجروا عمليات دقيقة فى المخ والقلب، وأطرافا صناعية تعكس تقدما علميا وإنسانيا فى زمن لم يكن العالم فيه قد اكتشف أسرار الجسد البشرى كما فعلوا، وقال «أنا هنا أستطيع رؤية الصلة الممتدة من جراح مصرى قديم كان يعمل على ضوء المشاعل، إلى جراح مصرى فى العصر الحديث يعالج القلوب بأدوات متطورة.. إنها الروح ذاتها، الإيمان ذاته، والسعى نفسه - العناية بالإنسان، أى إنسان، دون النظر إلى جنسيته أو ديانته أو عقيدته، كانت هذه وما زالت أعظم الهدايا التى قدمتها حضارتنا للعالم».


مجدى يعقوب نموذج إنسانى وحضارى عظيم وتجسيد لحكمة وتقدم مصر القديمة، لكنه يضيف إليهم أنه لا يحتفظ بأسراره كما كان يفعل الكهنة، لكنه يقدمها للإنسانية ويحرص على تخريج مئات من التلاميذ يحملون رسالته، وعلى مدى سنوات يقدم كل يوم درسا مهما لكثيرين، كان يمكن للدكتور يعقوب أن يعيش فردا فى الخارج وسط حفاوة، أو يبقى عند حافة الغضب، يلعن الواقع والأحوال والتخلف فى بلاده، لكنه اختار الأصعب وبكل تواضع، لم يتقاعد، قرر تقديم واحدة من أهم التجارب العلمية والإنسانية، تمثل درسا كبيرا لكثيرين فى كل مكان.


أما فاروق حسنى فقد كانت إطلالته فى عمره هذا وبهيئته وشعره الأبيض وصوته الحامل للحكمة والأمل، نموذجا للخيال الذى انتصر على الكثير من العراقيل، ويتكلم ببساطة وعمق، ليقدم نموذجا مبهرا وإنسانيا، ويفرض وجوده وتجربته على العالم وليس فى بلده، وقال فى كلمته: «أنظر حولى لأجدنى أعيش فى حضرة الحلم وقد أصبح حقيقة، ولا أخفى عليكم أننى كنت أعيش من أجل هذه اللحظة التى انتظرتها يوما بعد يوم، حتى أراها كما أراها ماثلة أمامى بهذا الجلال والبهاء.. المتحف يمثل لقاء الإبداع بالإبداع، حيث يمتد الماضى العظيم ليصافح الحاضر المبدع، فى مشهد يعبر عن استمرارية الروح المصرية التى لا تنطفئ.. وهو ليس مجرد مشروع معمارى أو سياحى، بل مرآة للتاريخ وملحمة وطنية تهديها مصر للعالم، تجسيدا لذاكرة أمة ورسالة حضارة خالدة تلهم الحاضر وتضىء المستقبل».


فاروق حسنى تولى وزارة الثقافة فى مرحلة من أصعب مراحلها، وكان هناك من يعتبر نموذج وزير الثقافة الأسبق الدكتور ثروت عكاشة، هو النقطة الأعلى لإنجاز وزير الثقافة، لكن الحقيقة عمليا تفوق فاروق حسنى على هذه النقطة، لأنه جاء فى ظروف أصعب وواجه تحديات وحملات من زملائه فى الحكومة الذين تحالفوا أحيانا مع المتطرفين لينالوا من عمل الرجل، وواجه فاروق حسنى أيضا هجمات وانتقادات واتهامات من المثقفين أنه يريد أن يحتويهم ويدخلهم «الحظيرة»، بينما كان الرجل يدعم الجميع، ويساند حتى هؤلاء الذين هاجموه وانتقدوه، وهناك تفاصيل عن «تفرغ» حصل عليه كثيرون ممن كانوا يهاجمون الرجل ليل نهار.


وهنا لا نتحدث عن نموذج فاروق حسنى من فراغ، لكن للتأكيد على أن امتلاك الخيال أمر مهم فى المسؤول والمستشار والنخب المقربة، فاروق حسنى صاحب إنجازات مهمة فى إنقاذ وترميم وتجديد وحماية الآثار، والقدرة على التعامل بخليط من الثقافة المدعمة، والاستثمار بعوائد تنفق على الثقافة، والآثار الفاطمية والإسلامية والمملوكية والمصرية القديمة، بجانب تطوير قصور الثقافة ومبادرات للمسرح والمتاحف، والقراءة للجميع التى كونت مكتبة لدى شباب وكبار، بدعم من السيدة سوزان مبارك، التى تبنت الفكرة، والقراءة للجميع فتحت أبواب تمويل مهمة لدور نشر خاصة وليست عامة فقط، كل هذا يشير إلى أن خيال الرجل تفوق على البيروقراطية ونظرية «أعمل إيه» التى نراها فى كثير من وجوه المسؤولين والوزراء.


ويواصل فاروق حسنى عطاءه ويعلن تبرعه بمتحف يساوى مئات الملايين لمصر اعترافا بالفضل واستمرارا للعطاء الثقافى والإنسانى الذى تفوق به على كل من سبقه، ليكون مع مجدى يعقوب، نماذج للخيال والإنسانية والإنجاز الذى يستحق التقدير والقرب من دوائر الحضارة.


 

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب