محمد سلماوى فى أول حوار له عقب تكريمه شخصية العام لمعرض الشارقة: التكريم تأكيد على الهوية العربية الجامعة.. المثقف أداة التنوير.. المسرح لا ينافسه أى شكل درامى آخر.. ومصر والإمارات بينهما مصير مشترك وهوية واحدة

الأربعاء، 05 نوفمبر 2025 07:30 م
محمد سلماوى فى أول حوار له عقب تكريمه شخصية العام لمعرض الشارقة: التكريم تأكيد على الهوية العربية الجامعة.. المثقف أداة التنوير.. المسرح لا ينافسه أى شكل درامى آخر.. ومصر والإمارات بينهما مصير مشترك وهوية واحدة الأديب محمد سلماوى وأحمد منصور رئيس قسم الثقافة باليوم السابع

حاوره من الشارقة أحمد منصور

اختيار الكاتب والأديب الكبير محمد سلماوي شخصية العام الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته الـ44، يمثل تقديرًا لمسيرة فكرية وأدبية حافلة، ومسار طويل من الإبداع والوعي الثقافي الذي يعكس التزامه بالهوية العربية والتنوير الأدبي.

الأديب الكبير محمد سلماوي ليس مجرد كاتب، بل رمز للمثقف العربي الذي يربط بين الثقافة والفكر والمجتمع، ويضع الكلمة في قلب كل نقاش حضاري، ومن خلال هذا الحوار، يكشف سلماوي عن رؤيته للهوية الثقافية العربية، تجربته في المسرح والأدب، المذكرات، الكتابة، ودور المثقف العربي، إضافة إلى علاقته الثقافية العميقة بمصر والإمارات.. إلى نص الحوار..

ـ بداية.. كيف استقبلت خبر اختيارك "شخصية العام" في معرض الشارقة الدولي للكتاب؟

اختياري لشخصية العام الثقافية لمعرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته الـ 44، كان مفاجئًا بالنسبة لي، لأن ليس لدي فكرة على الإطلاق، ولكن فوجئت بمكالمة كريمة من الشيخ الدكتور سلطان القاسمي الذي أخبرني بنفسه بهذا الاختيار، وتلك المكالمة كانت مصدر سعادة كبيرة بالنسبة لي بشكل خاص، ولأن الشارقة أصبحت خلال السنوات الأخيرة من أهم العواصم الثقافية بالوطن العربي، بفضل حاكم الشارقة الحاكم العروبي المثقف، وأن يأتي التكريم من الشارقة في حد ذاته أمر مهم ومدعاة كبيرة للسرور والاعتزاز.

والنقطة الثانية أن إمارة الشارقة اتخذت لنفسها تحت قيادة الشيخ سلطان موقفًا عروبيًا أصيلًا، أصبحنا في حاجة له في هذه الأيام حيث التخبط في الهوية الثقافية العربية، وحين تهتم عاصمة عروبية أصيلة بتكريمي بهذا الشكل فهو أمر عظيم بالنسبة لي، والنقطة الثالثة أن معرض الشارقة محفل أدبي مرموق ومهم على الساحة العربية، وحين يتم تكريكي وسط أقراني من الكتاب والأدباء والمفكرين والمثقفين العرب، فهذا أيضًا سبب اعتزازي بهذا الاختيار.

ـ كيف تنظر إلى المعاني الرمزية لهذا اللقب في ظل ما يعيشه العالم العربي من تحولات ثقافية؟

الوطن العربي بتاريخه العريق والممتد والضارب في الزمان من قبل العصور الجاهلية وحتى الآن يواجه معضلة غريبة وأتصورها عبثية، تتعلق بهويته الثقافية، اليوم نجد أن بعض الناس يقولون: "أحنا لسنا عرب، احنا فراعنة أو فينيقيين أو بربر أو غير ذلك"، وبالطبع هذا نقوص في عصور كان العالم العربي يبحث فيها عن هويته التي تصورنا أنه وجدها منذ فترة طويلة، وكان عليه أن يتمسك بها.

ما يحدث الآن في العالم العربي من تفكك وانقسام وترهل، كل ذلك سببه غياب الهوية العربية الجامعة لجميع الشعوب العربية، فحين تقوم عاصمة ثقافية عربية بتكريم أديب أو مثقف عربي، خاصة من مصر بلد الثقافة والحضارة العريقة، فهذا تأكيد لهذه الهوية التي علينا أن نتمسك بها، لأن بها الحل الحقيقي لما نواجه من تحديات في الوطن العربي، فالهوية العربية هي الخلاص من هذا التفكك الذي نعاني منه الآن.

ـ كيف ترى المكانة التي أصبح يحتلها معرض الشارقة الدولي للكتاب على الساحة العربية والدولية؟

معرض الشارقة الدولي للكتاب وصل لمرحلة متقدمة جدًا خلال ما يزيد قليلاً عن 4 عقود، وأصبح اليوم أحد أهم معارض الكتب العربية، بل فهو على خريطة معارض الكتب الدولية، ثم أنه أصبح مركز إشعاع ثقافي مهم، فمن خلاله تتم أنشطة كثيرة جدًا ثقافية وفنية وأدبية بحيث أصبحنا ننتظره من عام إلى آخر.

ـ أعمالك الكاملة ستصدر قريبًا في معرض القاهرة الدولي للكتاب.. كيف تنظر إلى هذه الخطوة في حياتك الأدبية؟

هذا تقليد محمود جدًا، لأن أعمال الأدباء لا تكون دائمًا حاضرة أو متاحة في الأسواق، أذكر أنه منذ عشر سنوات تقريبًا، وقبل أن تصدر الأعمال الكاملة للأديب الكبير توفيق الحكيم، كنت أبحث عن إحدى مسرحياته لعمل بحث ولم أجدها في المكتبات، وكانت نفدت طبعتها ولم تعاد، فتجميع أعمال الأديب وإصدارها يعتبر خطوة هامة جدًا لحفظ تراثنا الأدبي والفكري والثقافي، وهو دور مهم يجب أن تطلع به هيئة الكتاب باعتبارها دار النشر القومية الرسمية التي تستطيع أن تنفذ هذا المشروع والتي أحييها عليها، لأنها تبنت هذا المشروع وأصدرت على مدار السنوات الأخيرة عددًا كبيرًا من الأعمال الكاملة لكبار الأدباء، وأتصور أنها في السنوات القادمة قد تفعل هذا أيضًا مع الكتاب العرب، ويهمنا نحن العرب أن يكون لدينا الأعمال الكاملة لغسان كنفاني هذا الشاعر الفلسطيني الكبير والكاتب المسرحي السوري عبد الله ونوس. كل التحية لكل من يقوم على هذا المشروع.

ـ أي المراحل الإبداعية تعتبرها الأهم في مسيرتك؟ مرحلة القصة القصيرة أم المسرح أم المقال الصحفي؟

ليست لدي مراحل أدبية خاصة في مختلف المجالات التي كتبتها، ولكن أكتب بالتوازي، فاكتب المسرحية، ثم الرواية، ثم أعود مرة أخرى لأكتب المسرح، وطوال الوقت أكتب القصص القصيرة، وكل ذلك بالتزامن، لأن ما يحكم هذه العملية هو الإلهام الذي يأتي للكاتب، فالكاتب لا يختار نوع الأدب الذي يمارسه، فعندما تسيطر عليه الرواية على سبيل المثال يكتب الرواية، ثم تأتي له فكرة مسرحية فيكتبها، وهكذا، فهو غير مخير عندما تأتيه الفكرة بقالبها الخاص فتسيطر عليه، والحقيقة أن أقدم على حسب ما يأتي من الإلهام، ولهذا لا أعرف العمل المقبل ماذا سيكون، لأن الكاتب هنا مسيَّر وليس مخيَّر.

ـ ما الذي تغير في نظرتك للكتابة مع مرور الزمن وتبدل المشهد الثقافي؟

التردي الثقافي الذي أصبحت تتسم به جميع الأقطار العربية يجعلني أكثر تمسكًا بالكتابة الأدبية والثقافية والتنويرية، لأننا أصبحنا اليوم في أمس الحاجة لهذه الكتابات التي أصبحت تنقذنا من الوضع الذي أصبحنا فيه فكريًا وثقافيًا وغير ذلك، وإذا رجعنا لكل فترات النهضة في جميع تاريخ شعوب العالم، نجد أن الدافع الأساسي لهذه النهضة كان الكتابات المستنيرة، فكتابات روسو ومونتسكيو كان لها عامل كبير في قيام الثورة الفرنسية، والتي ما زالت تؤثر على الفكر الإنساني حتى يومنا هذا  وما يحدث في الوطن العربي الآن يدعوني أن أناشد جميع الأدباء بالاستمساك بمهمتهم النبيلة، وليس الإعراض عنها بدافع اليأس أو القنوط، والتصور أنه لا جدوى من الكلمة في الوضع الحالي، بل العكس هو الصحيح ففي الليلة الظلماء نحتاج القمر قبل أي وقت آخر.

ـ المسرح يشكل أحد الأعمدة الرئيسية في تجربتك الإبداعية.. ما الذي جذبك إليه في البداية؟

بالفعل، المسرح يشكل جزءًا كبيرًا من إنتاجي الأدبي وقد بدأت أمارس القصة القصيرة لفترة، ثم بدأت أكتب المسرح وتصورت في فترة من حياتي أنني سأكون كاتبًا مسرحيًا فقط، ولكن كما ذكرت سابقًا، فجأة تأتي فكرة الرواية وتسيطر عليك فتدفعك لكتابتها، وما يجذبني في المسرح هو حيويته، فهو يتشكل ويتخلق أمام المتفرج بشكل حي، ثم يجذبني عامل التركيز الشديد في الكتابة المسرحية، فالمسرحية يجب أن تقول كل ما تريد خلال فترة لا تتعدى ساعة ونصف أو ساعتين على الأكثر، بينما في الرواية يمكن أن تسترسل لمئات الصفحات، أما في المسرح، فيتطلب قدرًا كبيرًا من القدرة على التركيز للالتزام بالفترة الزمنية المطلوبة، كما جذبني أيضًا الصيغة الحوارية للمسرح، فهو يعتمد على الحوار فقط وليس على الوصف، والحوار يستلزم مواجهة الأفكار بعضها ببعض، وهو أمر نحتاجه في حياتنا العامة والسياسية والاجتماعية، المسرح يجسد هذه القدرة الحوارية التي تتصارع فيها الأفكار من خلال الحوار ومقارعة الحجة بالحجة.

ـ إذن.. كيف تنظر إلى دور المسرح في تشكيل الوعي العربي اليوم؟

المسرح مؤثر جدًا في صياغة الوعي العربي، لأنه بجانب كونه عملًا فنيًا، فهو أيضًا منصة اجتماعية، هناك منبر أمامه تتصارع من خلاله الأفكار والرؤى، وهذه الصيغة نحتاجها بشكل كبير في الوطن العربي، وكل هذا موجود بالمسرح بحكم تصارع الأفكار على خشبة المسرح، وأرتياد المسرح يعلمنا أن لكل فكرة فكرة مضادة، ويصلنا للحقيقة وليس إلى فرض الأفكار بالقوة.

ـ قدمت مسرحيات كثيرة أثارت نقاشات فكرية.. أيها الأقرب إلى قلبك ولماذا؟

صعب جدًا تحديد ذلك لأن لكل مسرحية ظروفها الخاصة وملاءمتها للظروف تجعلني أعتز بها وبأثرها وقت عرضها، مسرحية "الجنزير" عالجت ظاهرة الإرهاب باسم الدين وحذرت من تنامي هذا الاتجاه، والذي كان سيأخذ مصر كلها رهينة، كما قام بطل المسرحية الذي ينتمي لإحدى الجامعات الإسلامية بأخذ عائلة مصرية رهينة، وكانت تلك العائلة رمزًا لمصر كلها.

أيضًا مسرحية "سالومي ورقصة سالومي" الأخيرة تناولت قضية الصراع العربي الإسرائيلي وحتمية انتصار الشعب الفلسطيني في النهاية في مواجهة الاحتلال الصهيوني، والتي عرضت وقت الانتفاضة، وبالتالي كان هناك تماس بينها وبين الواقع. كل هذه الأشياء تجعلني أعتز بما قامت به كلا المسرحيتين في وقتها.

ـ كيف ترى مستقبل الكتابة المسرحية في ظل هيمنة الدراما التليفزيونية والمنصات الرقمية؟

الدراما التليفزيونية والأفلام السينمائية وكل وسائل التعبير الأخرى لا تنتقص من قيمة المسرح ولا تقضي عليه، لأن المسرح فن متميز ويختلف عن تلك الأشكال في حيويته وتلقائيته، المسرح أحداثه تتشكل أمام المتفرج في لحظتها، وهذه قيمة وإحساس خاص جدًا لا يمكن الحصول عليه من مشاهدة أي شيء على الشاشة الصماء أو الإلكترونية، سواء مسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي، المسرح وحيويته يختلف تمامًا، ولا يستطيع أي شكل درامي آخر منافسته.

ـ مذكراتك الأخيرة حققت انتشارًا واسعًا.. كيف عشت تجربة كتابة الذات؟

هي تجربة أخذت مني وقتًا طويلًا لأنها صدرت في جزءين وتغطي أحداثها منذ سنة 1945 وحتى صدور الدستور المصري 2014، وكتابتها أخذت مني وقت وجهد كبير في إعدادها وصياغتها، قبل ذلك، قمت بتجميعها والبحث عن وثائقها والتحقق من تواريخها، وخصيصًا أنني قمت بهذا العمل بمفردي دون باحث يرافقني للبحث في التاريخ والتوثيق.

لم أستخدم كاتبًا لصياغة المادة النهائية كما يحدث لمن يكتبون مذكراتهم من غير الأدباء، وهذا استغرق مني أكثر من عامين، ولم أكتب من خلاله أي عمل إبداعي آخر لأنني ركزت على هذا الموضوع بشكل خاص، وقد  التزمت بالصدق والتوثيق، فلا يكفي أن أقول "حدث هذا أو ذاك"، بل أقدم الدليل على ذلك بوثيقة مكتوبة أو قصاصة من الصحف أو بصورة فوتوغرافية، كما حدث في كثير من المذكرات، التزامي بالصدق جاء أيضًا مع قدر من التواضع، لأن كثير من المذكرات تهدف فقط لإظهار الإنجازات، بينما الإنسان بطبيعته لديه نواقص ويواجه تحديات، وقيمة أي مذكرات تكمن في معالجة هذه الجوانب، وليس فقط في سرد الإنجازات.

ـ هل تفكر في إصدار جزء جديد من المذكرات؟

لا أفكر في إصدار جزء ثالث من مذكراتي حتى أتمكن من تكريس الوقت للعمل الإبداعي فقط،  بعد انتهاء المذكرات، أصدرت عدة روايات وقصص قصيرة، آخرها "زهرة النار"، وقبلها "أوديب في القاهرة" ومجموعة قصصية "ما وراء القمر" وغيرهم، أعتقد أنني وضعت الجزء الأكبر من حياتي في الجزئين الأول والثاني من مذكراتي، وأريد أن أكرس ما تبقى لي من عمر للإبداع الأدبي.

ـ إلى أي مدى يمكن أن تكون السيرة الذاتية عملًا أدبيًا قائمًا بذاته وليس مجرد توثيق؟

بالطبع، حين تكون المذكرات مكتوبة بقلم أديب، فإنها تتعدى مجرد تسجيل الوقائع، فهي في الحقيقة تصبح رواية أدبية لأنها تسرد وقائع حياة كاتبها، ولأنه أديب تصدر في شكل قريب جدًا من الشكل الروائي،  الكثير من كتاب المذكرات يقومون بصياغتها بالشكل الروائي، وما لا يعرفه البعض أن السير مثلًا مذكرات ونستون تشرشل حصلت على جائزة نوبل في الأدب لأنها صيغت بطريقة أدبية عالية.

ـ ما الدور الذي يجب أن يلعبه المثقف العربي في ظل المتغيرات العالمية؟

المثقف عليه دور كبير جدًا في هذه المرحلة، لأنه أداة التنوير، هو المعبر عن الضمير والمجسد للهوية والباعث على الثقافة والجمال، دوره الآن لا يمكن الاستغناء عنه، لأننا في مرحلة نبحث فيها عن التنوير ونريد تأكيد الهوية، ونتطلع للثقافة والفنون والآداب، لأن هذا هو الذي يجمع الشتات العربي الذي نراه الآن، كل هذا الشتات ينتظم في منظومة واحدة بفعل المثقف الواعي الذي يقود هذه المسيرة.

ـ هل ترى أن الجوائز والمعارض الثقافية العربية تنجح فعلًا في إبراز الإبداع الحقيقي؟

لا شك أن المحافل الثقافية العربية تؤكد وتنشط الحياة الثقافية في الوطن العربي، وهي التي تبقي جذوة الإبداع والتقدم الفكري، والجوائز تأتي ضمن هذا الإطار، فهي تسلط الضوء على فرد مميز أو كاتب معين، ليكون مثالًا وأسطورة لأجيال قادمة، لا أنسى كيف كان يحدثني الروائي العالمي نجيب محفوظ عن تأثير الجوائز في حياته، وكيف أن أول جائزة حصل عليها كانت من السيدة قوت القلوب الدمرداشية للشباب المتميزين، وأثرت فيه كثيرًا وحثته على الاستمرار في طريق الكتابة والإبداع.

ـ وأخيرًا.. كيف ترى مستقبل العلاقة الثقافية بين مصر والإمارات؟

العلاقة بين مصر والإمارات علاقة دم ومصير مشترك وتاريخ واحد، ما يجمع الشعوب العربية كلها هو الانتماء العربي الواحد، وهذا واضح في جميع الأقطار العربية، وخصوصًا في الإمارات، حيث تحتضن الشارقة هذه الهوية العربية وتدفع بها من خلال نشاطاتها واهتمامها الثقافي، مما حولها إلى أحد عواصم الثقافة العربية، والعلاقة بين مصر والإمارات هي علاقة بين شعبين واحدين، ذو هوية واحدة وثقافة مشتركة، وبالتالى مستقبل واحد ومصير واحد.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة