يخوض نتنياهو حربه الخاصة إلى النهاية، لا على حساب الدولة فى صورتها العريضة فحسب، بل حتى على حساب الائتلاف، وربما حزب الليكود نفسه. وليس أدل على ذلك من أنه يُدير المعركة من منظور شخصى كامل، وعلى مستويات متعددة: بين الجيش والحكومة، وفى داخل كل منهما على حدة.
يستند العجوز إلى خبرة السنين الطويلة، وما يملكه من مهارات الحواة ولاعبى خفة اليد، ويضع الجميع فى مواجهات جزئية وموسعة، على أمل يُدمى الخصوم والحلفاء معا، ويخرج وحده من الحلبة بأقل قدر من الإصابات.
كان الأسبوع الماضى ساخنا للغاية على كل الأصعدة. الخارج يتحضر للانتقال بخطة السلام من مرحلتها الأولى للثانية، والداخل منقسم بين الرفض والقبول، وكلاهما ينطوى على تناقضات بينية عميقة، لا تخلو من الارتياب والمكايدة وتصفية الحسابات العالقة.
وأوضح الأمثلة تتجلى فى مناكفات وزير الدفاع مع رئيس الأركان، وفى تلويح زعيم المعارضة بإدخال الكنيست فى صلب الترتيبات السياسية والأمنية بشأن غزة.
كانت القاهرة قد احتضنت اجتماعا، الثلاثاء الماضى، لوسطاء اتفاق شرم الشيخ. التقى مدير المخابرات العامة اللواء حسن رشاد، نظيره التركى إبراهيم كالن، ورئيس الوزراء وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثانى. ودار النقاش فى جوهره عن التصدى للانتهاكات الإسرائيلية، وتذليل العقبات واحتوائها بغية تثبيت وقف إطلاق النار، وكذلك تكثيف الجهود مع الولايات المتحدة ومركز التنسيق المدنى العسكرى، وصولا إلى افتتاح المرحلة الثانية والدخول عمليا فى قلب الفترة الانتقالية.
بالتزامن، كانت أجواء تل أبيب ملبدة بالغيوم. أصدر الجنرال إيال زامير قرارات صارمة بحق قادة عسكريين مسؤولين عن الجبهة الجنوبية إبان هجمة السابع من أكتوبر، واعتمد ترقيات يراها مهنية وخاضعة لسلطة رئاسة الأركان؛ فما كان من الوزير يسرائيل كاتس إلا أنه ألغاها، وانتدب لجنة للتحقيق فى تحقيقات الجيش ومدى شفافيتها والتزامها بالمعايير. احتدم الأمر بينهما؛ فدعاهما نتنياهو إلى اجتماع ثلاثى، رفضه كاتس مصرًّا على قسمته إلى اجتماعين منفردين مع رئيس الحكومة.
رضخ زعيم الليكود على غير عادته. وغالب الظن أنه لم يُسلّم عن ضعف أو رغبة حقيقية فى رأب الصدع؛ إنما لاستثمار الخلاف بين المستويين السياسى والعسكرى، وإلقاء أعبائه على كواهل الآخرين.
وقد استبق النزاع أو واكبه بتسريب أنباء عن الاتجاه لإقالة الوزير، وإشاعة أن تعيين رئيس الأركان كان قرارا خاطئا، خصوصا أنه تعهد بإعادة تأهيل الجيش وتحويله إلى أداة أكثر هجومية، ثم نكص عن وعده وبدا منصرفا عن طموح توسعة الحرب ضد غزة، ثم نشط بعد الاتفاق فى إبراء ذمة المؤسسة، والبحث عن تحميل الحكومة مسؤوليتها عن أحداث الطوفان.
سال حبر كثير من الجانبين. فالوزراء لا يتوقفون عن تصريحاتهم الساخنة بحق الجنرالات، والأخيرون لديهم منصات وموالون يروجون السردية العسكرية، ويتخذ التحريض المتبادل شكلا أكثر خشونة على جبهة الضفة الغربية، بين طموحات سياسية عالية للضم أو توسيع الاستيطان، لا تُلاقيها الأجهزة الأمنية بالحماسة نفسها.
وكذلك، تنشيط ميليشيات المستوطنين المتطرفين من "فتيان التلال" وغيرهم ضد الجنود والضباط، بقدر لا يقل عن ممارساتهم بحق الفلسطينيين، مع بروز أصوات رسمية تطالب باعتبارهم تنظيمات إرهابية واتخاذ إجراءات صارمة إزاءهم، مع العلم بأنهم تابعون بدرجة ما لوزير الأمن القومى المشرف على الشرطة إيتمار بن جفير، أو يتمتعون بدعم وحماية غير خفيين من وزير المالية والوزير الثانى فى وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش.
لم يكن الاصطدام بالجيش معتادا فى إسرائيل، بل إنها عاشت عقودها الماضية أقرب إلى فكرة القلب العسكرى الذى نشأت على هامشه دولة بمؤسسات مدنية. وفى أى تصور واقعى كان التحرش بالجنرالات عملا ترذله السياسة، ولا تُقدم عليه الحكومات مهما تمتعت بالشعبية أو توافرت لها أغلبية برلمانية.
وإذ يُرَدّ جانب عظيم من الاشتباك الراهن إلى حصيلة السنتين الأخيرتين؛ فالواقع أنه سابق على هذا بكثير. وتحديدا منذ عودة نتنياهو للسلطة فى 2009، بعد فاصل عشر سنوات عن حكومته الأولى. وقد سعى من وقتها إلى بناء أسطورته الخاصة، والتحول إلى امبراطور يهودى، يلزمه أن يكون البلد امبراطورية، ما يعنى خصخصة الفعاليات العمومية والإمساك بخيوطها جميعا، وتسييس الأمن وصبغ أبنيته النظامية بألوانه المفضلة.
اشتغل العجوز الماكر بدأب لاختراق الحصون المنيعة، والقبض على رأس القرار الأمنى بالإخضاع ترهيبا وترغيبا، أو بالمغازلة وشراء الولاءات وتسريب الموالين إلى مواقع القيادة.
أثمرت اللعبة نجاحات حينا، وتباطأت أحيانا، وكان انفجارها الأكبر مع عودته بعد حكومة لابيد-بينيت، عندما طرح مشروعه للإصلاح القضائى، فأثار غضبة القضاة والشارع، ورأى فيه العسكريون مقدمة لوضعهم على لائحة الطعام لاحقا.
احتج الوزير يوآف جالانت علنا، وأضرب الطيارون والاحتياط، وكاد الائتلاف يتداعى تحت ثِقَل الاعتراضات الداخلية، قبل أن ينقذه يحيى السنوار وحماس بهجمتهم غير المحسوبة فى غلاف غزة.
لا تتحرك التوازنات الهشة فى البيئة العبرية إلا بعد الهزائم الكبرى، أو فى أوقات الخمول والاسترخاء الأمنى؛ والمثال فى الحرب مع مصر أكتوبر 1973، أو الاطمئنان مع الفلسطينيين بعد أوسلو 1993.
والهزيمة التكتيكية قبل سنتين تحولت إلى انتصارات على سبع جبهات؛ لهذا يعتصم نتنياهو بشدّ أعصاب الداخل واختراع جبهة ثامنة، تُبقى الجميع على "حد السكين" ولا تفتح الباب للمراجعة الهادئة.
ما يعنى أنه يدير خلاف كاتس وزامير بروحية المعركة بين الحروب، ولأجل أن يبقى الهاجس الأمنى والوجودى عاليا فى وعى الشارع، بما يسمح له بتبديل البيادق على رقعة الشطرنج، وإرباك مناوئيه من تيارات المعارضة الفاقدة للإجماع أو قابلية العمل المشترك، وبعدها يكون لكل حادث حديث، عندما يتخفف من حمولاته الزائدة، ويُفاجئ الشركاء والخصوم بأنه ما يزال الثابت الوحيد فى المعادلة.
النقطة السابقة تكشفها مفارقة لافتة فى استطلاعات الرأى. إذ تكاد تُجمع على انقضاء حظوظ الائتلاف الحاكم فى تأمين أية أغلبية وازنة لو أُجريت الانتخابات اليوم. بعضها يهبط بحصيلته إلى نحو 51 مقعدا؛ لكن نتنياهو بشخصه يظل متقدمًا فيها كلها على جميع منافسيه، وبفارق يبدأ من عدة نقاط مع لابيد، ويصل إلى ثلاث عشرة نقطة مع آخرين.
يخسر الائتلاف تعبيرا عن رؤية سلبية لمجموع مكوناته، ويربح رئيسه منفردا كدليل على هشاشة الخصوم أو غياب البديل. ووقتها قد ينجح فى النفاذ من شقوق التناقضات السياسية، ضامنا البقاء مع حلفاء جدد.
عمل الرجل مع أغلب معارضته الحالية، فيما لم يعمل أكثرهم مع بعضهم، واشتملت محاولاتهم القليلة على فشل عارم كما فى تحالف نفتالى بينيت مع يائير لابيد.
وأغلب المعارضة من اليمين والوسط يُجمعون على استبعاد الأحزاب العربية من أية توافقات ائتلافية مقبلة، ومن دون حصتهم التى تصل إلى عشرة مقاعد غالبا، سيكون عليهم التنازل للتوراتيين وأحزاب المستوطنين التى يرفضونها أيضا، أو التضحية بالفرصة قبل المفاجأة بمهارة نتنياهو فى اختراقهم، وشق صفوفهم، واجتذاب جانتس أو آيزنكوت وغيرهما.
ولا ننسى أن ترامب نفسه دعا زعيم المعارضة من داخل الكنيست إلى العمل مع صديقه بيبى.
بدأ الليكود انتخاباته الداخلية قبل أسابيع. لا أحد ينافس الزعيم؛ لكن البقاء رغم إرادته، أو فوقها، نوع آخر من المنافسة التى لا يقبلها. تجربة جدعون ساعر ماثلة للعيان، عندما نازعه على الرئاسة ثم اضطر للمغادرة، قبل أن يعود للائتلاف حاملا حقيبة الخارجية، ومن موقع التابع لا الشريك.
يسرائيل كاتس يستنسخ فى الجيش تجربة بن جفير مع الشرطة، طمعا فى تقوية حظوظه داخل الحزب. أما الحديث عن تنحيته فليس تسريبا عابرا، ولا تخليقا من العدم. الفكرة لها جذور منذ الانتخابات الماضية؛ لكن التطبيق قد يكشف عن تصور الرجل الأول للمرحلة المقبلة، وخريطة العابرين معه، حسبما يتصور، بعد التضحية ببعض الرقاب، أو تقديم القرابين الواجبة لتجديد الصورة وإعادة بناء هالته المطفيّة.
حل كاتس فى 2022 وزيرا للطاقة، وكان الاتفاق على سنتين متقطعتين بالتبادل مع إيلى كوهين فى الخارجية. قضى الأولى فعلا وانتقل، ويحين موعد المبادلة الثانية الآن. لكنه يحمل حاليا حقيبة الدفاع.
وإذا كانت الصفقة على حقائب فالأولى أن تكون الرقصة مع ساعر، أما لو كانت على أفراد فيُفترض أن ينتقل كوهين إلى الدفاع، والعكس. لكن المتردد أن نتنياهو يتجه لتوسيع المسرح لتكون رقصة ثلاثية: ساعر من الخارجية إلى الدفاع، وكاتس من الدفاع للطاقة، وأخيرا كوهين يعود للخارجية التى شغلها قبل عامين.
وهو ما لا يخل بالمُتفق عليه ظاهرا؛ لكنه يُعبر عن تبدل الأوزان لصالح جدعون ساعر، وربما عن ضيق من سلوكيات كاتس وتصرفه فى بعض الأمور بمعزل عنه، وقد خرجت من مكتبه رسائل واضحة عن الامتعاض من تهجمه على الجيش، أو اصطناعه معارك لا مبرر لها ولا طائل من ورائها مع الجنرالات.
غير أن الأزمة الداخلية ليست آخر المطاف؛ فالبقاء مع المستجدات يتطلب تغيير ملامح الحكومة، وأهم عناصر التغير المطلوب أن يتخلص من حلفائه التوراتيين. الاستطلاعات لا تعبر بهم عتبة الكنيست؛ لكن المفاجآت غير مضمونة، والحاجة ماسة لاستكشاف البدائل الممكنة.
فكأن طاقته اليوم موزعة على مهام ثلاثة: ترتيب البيت الليكودى، والنظر بعقلية جراحية إلى اعتلالات الائتلاف، وبدء العمل على استقطاب القابلين الشراكة من أطياف المعارضة، وكل ذلك مشبوك بتعقيدات الجبهات المفتوحة داخليا وخارجيا، وبالوصاية الأمريكية المباشرة عليه فى ملف غزة.
ترددت أنباء عن مساعى واشنطن لبدء نشر قوة الاستقرار الدولية اعتبارا من منتصف يناير المقبل، على أن يكون آخر أبريل موعدا نهائيا لنزع سلاح الفصائل أو تجميده تحت رقابة وإشراف يُتّفق عليهما. صحافة إسرائيل تتحدث عن الاستعداد لإنشاء مجمعات سكنية مؤقتة وراء الخط الأصفر، بالتفاهم مع البيت الأبيض ومبعوثى ترامب.
لكن العملية قد تستغرق شهورا طويلة، وهى مرفوضة من بقية الوسطاء بلا استثناء. والأهم أن الانتقال للمرحلة الثانية دونه جثة إسرائيلية واحدة، وأخرى لمواطن تايلاندى غالبا، ولعل نتنياهو لا يتمنى شيئا أكثر من ألا تعثر عليهما فرق البحث.
إنما مع ذلك؛ ستظل العقدة قائمة أيضا، لأن بدء انتشار القوات الدولية يستلزم منه التراجع إلى الخط الأحمر، ما يوسع مساحة الغزيين ويقلص الجزء الواقع تحت سيطرته بنسبة غير قليلة.
فضلا على أنه لا سبيل لإقناع المانحين بتجزئة إعادة الإعمار، وإطلاق فاتحتها تحت ولاية الاحتلال فى المنطقة الخضراء، أو غزة القديمة بحسب القسمة الإسرائيلية فى مقابل غزة القديمة، التى يسعون لإبقائها خربة وطاردة للسكان.
وذلك، مع الملاحظات المسجلة على المجمعات السكنية الجديدة المشار إليها، وأنه سيُسمح للمدنيين بالدخول دون المغادرة، ما يفرض قيودا على الحركة تتضاد مع بنود الخطة الأمريكية، واتفاق شرم الشيخ، ومع القانون الدولى والقرار الأممى رقم 2803.
وإلى ذلك؛ فلا يخلو السياق من مفاجأة قرر يائير لابيد أن يفجرها فى وجهه من وراء الحدود. إذ أعلن يوم الثلاثاء الماضى، بالتزامن مع اجتماع الوسطاء بالقاهرة ومناكفات كاتس وزامير فى تل أبيب، استعداده لطرح خطة ترامب ذات البنود العشرين للتصويت فى الكنيست.
وبعيدا عن فاعلية الخطوة، وهل تُرتب قيدا على الحكومة أم تظل من أعمال السيادة؛ فغاية المعارضة ليست إسناد الورقة المشمولة أصلا بإملاء أمريكى واضح، خصوصا أن لابيد وغيره من المعارضين ينتقدون نتنياهو لتفريطه فى السيادة، وتسببه فى خلق فراغ تقدمت واشنطن وملأته رغما عن إسرائيل وسيادتها وما تعدّه من قبيل مصالحها الحيوية، ولكن السعى هنا إلى الإحراج لا أكثر.
كثيرون داخل الائتلاف ومن الليكود نفسه لا يقبلون الخطة، ومعهم الأغلبية الكافية للتصويت عليها بالرفض؛ فإما يسقطونها أو يغيبون فتتمكن المعارضة من تمريرها، وكلاهما له نفس الوقع فى نفس ترامب.
والخيار الأشد مرارة أن يضطروا للاحتشاد جميعا لتمريرها؛ فيكون الاعتراف الضمنى المركب بكل الموبقات: التفريط فى السيادة والاستقلال، وفشل رهانات الحرب الطويلة دون أفق سياسى، والتنازل عن مكتسبات العمليات العسكرية للجيش بأثر الرخاوة فى تطويرها إلى رؤية عملية قابلة للإنفاذ، انحيازا إلى منح الحرب طابعا حزبيا وشخصيا غايته البقاء، والمقامرة بالجميع لمصلحة الفرد أو الأيديولوجيا.
قدّم لابيد أطروحته بإظهار الامتنان لمواقف الرئيس الأمريكى، والإقبال على دعم خطته بمراحلها الكاملة. هذا أقل ما يقبل به ترامب، ويُترجم حسب رؤيته استجابة زعيم المعارضة لمطالبته إياه بالعمل مع نتنياهو، ويجب ألا يكون رئيس الحكومة أقل إيجابية من ذلك، ولا أن ينفض يده من التحالف الوثيق مع الرجل صاحب الأفضال الكبيرة عليه شخصيا، وقد تقدم للأخذ بزمام المبادرة، وإنقاذه من نفسه، وانتشال إسرائيل قبل أن تنزلق أكثر على منحدر الانحطاط وتهاوى المكانة عالميا.
وإزاء المسار المقترح فى الكنيست؛ إن اكتمل وفق التصور المرسوم له؛ فقد تبدو ألاعيب نتنياهو داخل الائتلاف والليكود محاولة للخلاص من مناوئيه، وربما يفهمها بعض الحلفاء على أنها تفعيل من جانبه للمناشدة الأمريكية نفسها بالعمل مع المعارضة. وكلها ضربات صغيرة لا يُرَى أثرها فى التو واللحظة، لكنها قد تنعكس عليه لاحقا فى إدارة الطريق إلى الانتخابات، وفى الصورة الذهنية عنه هو وتياره لدى الناخبين عندما يقفون أمام صناديق الاقتراع.
ما يزال نتنياهو الأكثر ذكاء من كل تابعيه وناقديه؛ لكنه يواجه مأزقا شديد التعقيد. ظل يتفاخر بالجبهات السبع، ولا يُمكن إعفاؤه من مسؤولية تسعير الجبهة الثامنة بين وزرائه وجنرالاته. كما لا يُعفَى من إخفاق الطوفان؛ ولو أنكر وسعى إلى إلقائه على عاتق الجيش. اختار زامير بملء إرادته، وله سابقة عمل وثيقة معه؛ ما يعنى أن الاختلاف اليوم ينُم عن خطأ القائد لا نكران التابع وخيانته.
الدعاية الساخنة ضد المؤسسة العسكرية نابعة من مكتبه، وتسريب الرواتب والامتيازات لا يمكن أن يحدث دون إيعاز منه؛ وإن كان فإنه دليل على رخاوته وانفكاك قبضته عن الدولاب التتفيذى. وتجدد الحديث عن الإصلاح القضائى، بالتوازى مع إثارة الشبهات بشأن تستر العسكريين وإخفائهم الحقائق وانعدام جاهزيتهم وتهاونهم فى تأهيل الضباط، كلها تُؤشر إلى حرب تُشَن على الدولة تحت لافتة السياسة والانفلات اليمينى.
فكأن الرجل الذى كان الأقوى لما يقارب ثلاثة عقود، حتى وهو فى الظل بالمناسبة، يفقد بريقه اليوم شعاعا بعد آخر، ولا يجد وسيلة للتقوى إلا بإضعاف الآخرين.
وحتى لو كان الشارع لا يرى بديلا له إلى الآن؛ فالمعادلة قابلة للتبدل مع الوقت، وتنحيته لا تقل سوءا عن إجباره على التودد لكارهيه، أو إغرائهم بالتنازلات ليقبلوا مجرد النظر فى العمل معه مستقبلا.
إنها النهاية تلوح من بعيد؛ وما الألاعيب والمناورات إلا بقايا حلاوة الروح فى شرايين السياسى المذبوح. وبقدر من التفاؤل البسيط؛ يمكن القول إن حقبة الملك اليهودى بيبى نتنياهو قد دخلت طَور الأُفول.