حازم حسين

لحن واحد على اسم السلام.. عن احتفالية المتحف المصرى الكبير فى الشكل والمضمون

الإثنين، 03 نوفمبر 2025 02:00 م


الاحتفالية أكبر وأضخم من أن تحدّها ساعتان، أو يُحيط إطار واحد فى كل ثانية منها بالتفاصيل العديدة، المركبة والمتداخلة، وعبر مساحة مزج عريضة بين مفردات شديدة الكثافة والثراء فى الصورة وشريط الصوت.


عمل ضخم من دون شك، بقدر الحدث الذى يُمثله. وإذا كان المتحف لا تكفيه زيارة أو عشر زيارات، فإعلان تدشينه رسميا كان من القماشة نفسها، بمعنى أن كل زائر سيجد فيه ما يهمه ويقع فى نطاق تفضيلاته، وقد يلمس شيئا منه أو أكثر، وبحكم اتساع الفضاء وتعدد الدلالات ستغيب عنه أشياء.


عبء الحضارات الكبرى يعود فى جانبه الأكبر إلى المرجعية. تلك الفكرة التى لا تسمح لك أبدا بالبداية من نقطة الصفر، وأن تفتتح عملا لا يُقاس على غيره أو يُحال إلى عهدة المقارنة، وغالبا ما تكون منحازة للقديم وظالمة للجديد.


ولعل المتحف المصرى الكبير قد نجا من وضعه على مازورة العجيبة الماثلة فى خلفيته: أهرامات الجيزة الثلاثة؛ لكن احتفاليته لم تفلت لدى البعض من مصيدة الإحالة ووطأة القياس.


كثيرون كانوا يترقبون نسخة ثانية من موكب المومياوات البازخ؛ رغم اختلاف الحدث والسياق والفلسفة أيضا. والمقارنة ذاتها كانت عبئا على حفل طريق الكباش فى مثل هذا الشهر قبل أربع سنوات.


والحال؛ أن الثلاثة توافرت فيها جميعا عوامل الجودة والإتقان، وأغلب فريق العمل المكلف بالمهام الثقيلة فى الكواليس، إنما لم تتطابق الرؤية القارّة وراء الصنعة فى كل حدث منها، فيما كان المشاهدون يستعيدون حلاوة الأصل الأول وأثره العاطفى الملىء بالدهشة والشجن؛ فينظرون للجديد من منظور غير ما صيغ به، أو أُريد له أن يكون.


وعلى سبيل التفسير السريع؛ فإن رحلة المومياوات من التحرير إلى المتحف المصرى للحضارة كانت موكبا جنائزيا؛ فغلبت عليها المهابة والوقار، مع حامل صوتى أقرب إلى بكائيات الوداع. فيما كان حفل الكباش احتفاء بالحياة بين الفيضان والحصاد، بكل ما فيها من طقوسية بهيجة واحتفالية.


والمصريون ميّالون بالفطرة إلى ما يلمس القلب من نقطة الضعف والأسى، ويُعمّق انزراعهم فى التربة المصرية بنزوعها العميق إلى قدسية الموت وأفضلية الموتى؛ ما يجعل عالمية الاحتفال بالمتحف الكبير بعيدة نسبيا عن افتراضاتهم المسبقة، ولا تُغازل فتنتهم العظيمة بالمحلية على بهائها وعظمة إرثها؛ إنما لم تكن الرسالة المقصودة فى حضرة الحفل المهيب قبل يومين.


فكرة المتحف أن تتجمّع أعظم حضارات الدنيا فى مكان واحد؛ فتكون المرجعية ومركز الدائرة. وفلسفة الحفل أيضا أن يكون نقطة تلاقٍ عالمية؛ لا من زاوية أن مصر تتكرّم فى ضيافتها بإسماع الآخرين ما يحبون سماعه؛ ولكن من منطلق أنها تهدى الإنسانية ركيزة ثقافية وحضارية، تمكن العودة إليها والانطلاق منها، ولا يتنافر الجديد فيها مع القديم.


إذ المعمار والمحتوى مصريان طبعا؛ لكنه متحف الدنيا، ومتحف المتاحف كلها، والقاعدة التى تُجدد التذكير برسائل السلام والتعايش، وأن فاعلية الوجود البشرى تنبنى على الإبداع والإنجاز، وليس على التمايز والاحتراب.


وربما لهذا يتجاور التراث اليونانى الرومانى مع المصرى القديم؛ رغم أننا قادرون على ملء المكان عن آخره بما يستبق نشأة آثينا وروما نفسيهما، بحيث نكون وحدنا هنا من دون شريك أو نظير؛ وهو ما لا يُراهن عليه المكان وسرديته من الأساس.


نقول للعالم باختصار إننا الجذر الحضارى الذى تفرّعت منه شواشى المدنية الحديثة. وإذا كان قلبه النابض حاليا يستند إلى المرجعية الرومانية وظهيرها الإغريقى؛ فإنهما تعلّمتا من المصريين، واكتمل نضجهما فى مصر، ونتصالح معهما حتى أننا لا نفوّت فرصة للمؤاخاة بين منجزينا، وعلى الجميع أن يعودوا بإخلاص وسعة صدر إلى الأصول والمنابع الصافية.


للجمال صور وطرائق شتّى؛ ليس منها أن يتجمّد أو يثبت على حال ولو أعجبتنا. الحياة مد وجزر، وأحلى ما فيها أن تكون ديناميكية وقادرة على الرقص فى كل الحالات والإيقاعات.


والذين يعرفون هذا ويستبطنونه فى وعيهم العميق، ربما يكونون الأكثر استمتاعا بحفل المتحف الكبير؛ رغم أية ملاحظات على المعادل المرئى المنقول تليفزيونيًّا، أمّا المُقيمون فى حضرة المومياوات الملكية منذ 2020 إلى اليوم؛ فقد فوّتوا فرصة الانسجام مع اللحظة الراهنة، بل وفلسفة المتحف نفسه كابتعاث للأثر الباقى ضمن مروية معاصرة، وليس الرجوع بالجوارح كلها إليه فى أبديته الحزينة، أو البكاء على أطلاله الباقية والدارسة.


ولوَجه الإنصاف أيضا؛ فإن المقارنة على ما يبدو كانت عبئا ملازما لصناع النسخة الاحتفالية الجديدة. فأرادوا الانقطاع عن السابق بكل الصور؛ ولو من جهة إحياء التراتيل المصرية القديمة فى غنائية رمزية وتعبيرية جديدة، وفى أدبياتنا الموروثة ما يصلح لإنشاده تحت عنوان السلام، وأن يتكامل ويتعشّق بعضوية صلبة ومتناسقة مع الأشكال الأوبرالية المعاصرة.


أى أنّ ما ينتقده البعض فى الرؤية الفنية بابتعادها المطلق عن النموذج السابق، كان هو نفسه الباعث لدى صناع التجربة على إعلان أنهم لا يستنسخون محطّاتهم الناجحة، ولا يستعيدون روائح ماضيهم؛ مهما بدت نفّاذة ومُحبّبة للنفس. بينما الحدث بكامله إعادة إنتاج للتاريخ أصلاً، وإلباسه ثوبًا يُناسِبُ الحاضر، ولا ينقطع عن لغة الوصل مع الحضور.


واستكمالا للموضوعية والإنصاف وتشريح السياقات؛ فالمومياوات كانت حدثا محكوما فى فضائه وتيمته ومضامينه أيضا: نقطة انطلاق فمحطة وصول، وبينهما مسار عبارة عن لحظة واحدة متكررة، بمعنى أن أية لقطة على طول طريق الموكب تتشابه مع سابقتها وتاليتها، ولا فارق بين القطع عليه فى جاردن سيتى أو المنيل، وكذلك كان الممر الطويل فى طريق الكباش.


ما يُؤطِّر الصورة بمحددات زمنية ومكانية واضحة، ويتيح لمخرج البث التليفزيونى هامشا لاستعراض الفعاليات الجانبية المسجلة من بعض المواقع الأثرية.


أمَّا فى المتحف الكبير؛ فقد كانت المنصة الرئيسية مزدحمة بالتفاصيل طوال الوقت، وتنتج مئات التكوينات البصرية الصالحة للتسجيل فى كل لحظة على طول المساحة المخصصة للفقرات والمجاميع والإضاءة وعروض الجو والألعاب النارية. ما يعنى أن كل تكوين جميل ينفذ للعرض؛ سيكون على حساب تكوين آخر لا يقل جمالا عنه، أو ربما يفوقه من وجهة نظر البعض.


وهنا لا أتقصّد التماس الأعذار، ولا إعفاء مخرج الهواء وفريقه من النقد. إنما أُشير إلى أنها كانت تجربة أوسع من المكان الذى يعمل فيه، ومن الزمان المخصص له. ولو أعدت إنتاجها بألف فريق لتوصّلت لنسخة مختلفة من كل واحد منهم.


ورهان الحالة هنا يصح النظر إليه من زاوية أن المعروض كان التقاط اللحظة من قوائم عديدة مزدحمة بالاحتمالات، ويقبل إعادة التحرير من المواد المسجلة على هيئات أخرى، أو اختصاص أجزاء بعينها للعرض لاحقا فى وحدتها العضوية الكاملة، ومن دون أن يُجار عليها بالتنوع، أو تجور على سواها بالجودة وثِقَل المقارنة.


ولكى تكون الصورة قريبة للأذهان؛ فإن الحفل كان أقرب لعدة حفلات متزامنة فى وقت واحد: الجزء الحى على مسرح الواجهة الرئيسية للمتحف، وتفاصيل السماء والخلفية المديدة إلى الأهرامات بعمق أربعة كيلو مترات، ومخزون كثيف من المواد المصورة فى أماكن داخل مصر وخارجها.


وذلك؛ فضلا على أنَّ المسرح نفسه يتركب من مستويات متعددة: نقطة الصفر للمشاهد التمثيلية والحكائية وبروز المغنين والراقصين، يعلوها موقع الأوركسترا والكورال، ثم ما فوق خط النظر لبعض الفقرات كالترانيم والإنشاد وراقصى التنورة، وفوق كل هذا جدران المتحف كمساحة لعب واسعة بالألوان والظلال والتشكيلات البصرية المتنوعة، وأعلاها سطح البناء الضخم بوحدات إضاءة متحركة وخطة الألعاب النارية.


وعمليا، كان فريق الإخراج يُدير الصورة النهائية وينتقى من عشرات الكاميرات الحية، فضلا على المواد المصورة. ربما كان الأمر يتطلب ضبطا أكثر حزما السيناريو الاستباقى، أو ما يشبه الديكوباج السينمائى المحدد بدقة شديدة فى اللقطات وأحجامها وانتقالاتها؛ لكن زحام المدخلات عموما يكفى لإرباك أى شخص مهما استعد بخطة جاهزة.


وهذا ما يُفسِّر سرعة القطعات وحدّتها فى كثير من الأحيان؛ عن وفرةٍ لا عن عوارٍ أو هروبٍ إلى البدائل، وانطلاقًا من رغبة عارمة فى الإمساك بكل اللحظات، وألا تفوت على الموكلين بالانتقاء لحظة واحدة. وهنا تتدخل الذائقة الشخصية، ويصعب إرضاء الجميع قطعا.


يصعب الوقوف على كل التفاصيل وإيفاؤها حقها، بالتحليل والاستقراء أو بالنقد والتقويم. أراد الحفل أن يقول كل شىء، وبطبيعة الحال ترك لجمهوره راضيا أن يحكم على مدى التوفيق فى القصد والرسالة.
وإن كانت التيمة الأساسية واضحة تماما: حدث محلىٌّ بصبغةٍ كونية، وكما مُنِحَ الضيوفُ مُجسّمات للمتحف، وتُرِكَ لكلِّ واحد منهم أن يضع قطعة منه، حتى استكمل السيسى البناء بقطعة مصر، فقد أرادت المحاكاة الفنية أن تلضم المصرى بالعالمى، وأن تتوصَّل إلى خلطةٍ مُتنوِّعة تلمس الجميع بدرجات، ويجد فيها كلُّ فردٍ ما يُحبُّ ويرضى. والعنوان العريض أنه «لحن واحد من أجل السلام».


كانت الفقرة الأكثر بهاء فى ذاك اللحن بالتحديد؛ إذ توزَّع على 5 أوركسترات تتشارك فى إنتاجه النهائى: أربع منها مُسجّلة بين معابد طوكيو، وساحة برج إيفل فى باريس، وحضرة المسيح فى ريو دى جانيرو، وتمثال الحرية فى نيويورك، والدلالات واضحة ولا تحتاج للشرح.


فيما الخامسة كانت حيّةً من ساحة المتحف وفضاء الأهرامات؛ فكأن الرسالة الضمنية أن مصر تضبط إيقاع العالم، وتُوزّع اللحن على العازفين، وتظل القطعة الحية والمتجددة فيه من نصيبها، تُعزَف فى أعرق آثار الدنيا بنكهة الحاضر، مثلما كانت طوال قرون من أعماق التاريخ، وما الجديد الطازج إلا صدى للقديم العريق.


فُتِنتُ بالتضفير البديع بصريًّا بين كنيسة مارجرجس ومسجد القلعة، وصوتيًّا بين الشماس مينا فهيم والمنشد إيهاب يونس. ولست مع القائلين إنه من خارج نسيج الحكاية ووحدة الموضوع؛ لأن القصة كلها عن مصر، والمتحف الكبير يستضيف جانبا منها، لكنه لا يحتكر كامل أبعادها منفردًا.


وإن كانت الفكرة الجميلة ستزداد جمالا؛ لو اتّسعت لأشكال أخرى من الموروث، بين الفولكلور من فنون الحقب الزمنية والبيئات الجغرافية، من رقص وتحطيب وغناء شعبى وفلَّاحى، أو طقوسية المَوالِد العابرة جيلاً عن جيل من الأجداد إلى اليوم، وبهجة الحنّة والأفراح الشعبية وغيرها.


اختار هشام نزيه أن ينتخب من القصة ثلاث محطات بارزة: النشأة والتأصيل، فالحاضر بزَهوه الاحتفالى، وما يُشيرُ بطَرف عَينٍ إلى المستقبل المأمول، وحقَّق مُعادلاً موسيقيًّا تُرجِمَ بالصورة والغناء فى تَتبُّع الرحلة النيلية من وفادة النهر على النوبة تُراثًا، إلى وصوله للقلب فى هيئة معاصرة، وهو الفارق الذى تجلَّى بين المطرب أحمد إسماعيل شكلاً وصوتًا، وشريكته فى الصورة حنين الشاطر.


حقَّق المزيج الصوتى بين الموسيقى البحتة، والمفردات اللحنية المُلحقة بها، ما كان يتقصّده الموسيقار الموهوب من التعبير عن التنوُّع والثراء، دون الانخلاع من العصر أو تغريب الضيوف عن الإطار العام للحكاية، والمُرتكز النغمىِّ الذى تذهب منه وتعود إليه.


وكان اختيار مقطوعة «أنا المصرى» لسيد درويش تيمةً عامة تُقدِّمُ الحدثَ وتُواكبه خيارًا ذكيًّا؛ ولو بَدَت بالتوزيع الجديد بعيدةً نسبيًّا عن أذان الجمهور، ومُفارِقةً للأصل الذى يعرفونه؛ لكنها دخلت فى نسيج الحالة كلها، ولم تكن نافرةً منها أو مُتضادّة معها، وحملت رسائل الفخر والاعتزاز بما فيها من أصالة، ضمن غلافٍ موسيقىٍّ مُنتَمٍ للعصر وثقافته الرفيعة؛ فكأننا قادرون على أن نعبر بين الضفتين بثوابتنا وإرثنا كامِلَين، ولسنا فى حاجةٍ لاستعارة الآخر أو ارتداء ملابسه على اللحم، بل مُجرّد التحديث وتجديد النظرة إلى ما نملكه بالفعل.


كان الحفل مليئًا بالإشارات والرسائل. بدءًا من افتتاحه بوزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى؛ كنايةً عن أن الذاكرة مُمتدّة ولا تُلوّثها حسابات السياسة. وعناق الإنشاد والترانيم، والفتيات اللواتى يرقصن بطابعٍ طقوسىٍّ فى مجرى النيل، والبنيان المُكَوّن من أحجارٍ عالمية تُتَمّمُها مصر، ولحنُها الواحد المُوزَّع على عواصم الدنيا.


الفخر ممزوجًا بالانفتاح، والإنجاز الشخصى مُهدَىً لكلِّ الدنيا، وتصويب سردية اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، بإعادة الاعتبار للطفل حسين عبد الرسول، على حساب اللص هوارد كارتر.
والمادة الفيلمية الثرية فى أشكالها ومضامينها، والانتقالات السريعة بين حقب حضارية ومعمارية متعددة فى تاريخ مصر: من سقارة والأقصر وأسوان إلى شارع المعز وقَصرَى عابدين والجزيرة والعاصمة الإدارية.


لقد كان استعراضا بليغًا للقوّة الناعمة، وعنفوان الثقافة المصرية وتعدُّد مشاربها، وجذورها القارّة فى أعماق التاريخ، عند كل طبقاته ومراحله من دون استثناء.


لم يَكُن جُملةً وحيدة من مُرسِلٍ لمُتلَقٍّ؛ بل حشد من الجُمل والدلالات المُكثّفة، ولا يُطلَبُ من كلِّ فردٍ أن يُحيط بها عِلمًا؛ إنما من أية زاوية ينظر سيُحصّل قبسًا منها.


قد يراه البعض مَزيّة، ويعُدّه البعض عيبًا؛ إذ لا يمكن أن تقول كل شىء مهما اتّسع المقام. ستظل مسألة خلافية، ومُعرّضة للذائقة وانتقائيتها وتفضيلاتها، وفى الأخير فإنهارهان فنى لا يُشتَرَط أن يُصيب فى كل جوانبه، كما لا يمكن القول إنه أخطأ فيها جميعًا.

تصعُب السيطرة على فضاء بعُمق 4 كيلو مترات كما أسلفت، وساحة بعشرات آلاف الأمتار المربعة، كانت المنصّة مركزها ونقطة ثِقَلها؛ لكن نواحيها لم تخلُ من أشغال وموتيفات وتشبيك موّار مع البؤرة والأطراف أيضًا، فى السماء والأرض وإلى داخل البهو العظيم والدَّرَج والقاعات.


الشاشة الكُبرى كانت مُنافسًا قويًّا للكاميرات الحيّة، وكل جالس هُناك لعب دور المُخرج كيفما يحلو له.. لذا؛ أعتقد أن حضور الفعالية استمتعوا أكثر مِمّن شاهدوها على الشاشات. لم يكن الإخراج من الدرجة نفسها فعلاً؛ أو لنقل إنه كان يُمكن أن يكون أفضل كثيرًا، وتلك نقطة ستُعرَض على البحث والتقييم من دون شَكّ، وسيُستفاد من دروسها فى بقية التجارب والامتحانات.


الجماليات كثيرة ولم تتوقف عن التدفق بإيقاع لاهث، والقدرة على مُواكبتها محدودة بضغطة زِرّ تنتقى لقطة وتُفوّت عشرات غيرها.

كثرة الاستعراض قد تُضيّع بهاء اللحظة، أو ترخى إيقاع الحكاية كلها. ولا أعرف حقيقة وصفةً للموازنة بين الوقوع على تيمة وحراستها من البداية للنهاية، أو الانسياق وراء حشد الميدان والتيه فى معروضه الكثيف وشديد الإغراء.


تجاور الأنساق صنع زحامًا جميلاً؛ لكن الانتقال به إلى وسيط آخر كان يتطلّب الترشيد وجرأة الاستغناء، وسرعة البديهة والقرار، ومعرفة أن الساعتين لا يُمكن أن تصيرا عشرَ ساعات أبدًا.


الحفلُ بهىٌّ بكلِّ المقاييس، غنىٌّ بالقيمة والفن والإبداع، ويُعبّر عن بلدٍ يحتار فى الانتقاء، وليس كغيره مِمّن يضطرون إلى ما لا بديل عنه. الوفرة العظيمة، والطاقات المُتفجّرة جمالاً فى كل حركة ولفتة، والقدرة على تنظيم أحداث بهذا الحجم والإبهار، بالضبط كما يُمثّل المتحف المصرى الكبير إنجازًا لا يُطاوله غيرنا.


إنه الإرث والمكانة، والمحصول الإنسانى المُتراكم بإمكاناته الكامنة، فأنّى ولَّيت وجهك ستجد ما يدهشك، ولن تكون غضبةُ الغاضبين إلَّا لأنهم لم يندهشوا أكثر، وليس لأنه خُيِّب ظنُّهم فى الطرح والعرض.
حتى النقد هُنا يُعبّر عن عُلوّ القدر، وعن الاختلاف فى الجيد والأجود، المُكتمل والأكمل، البديع والأبدع، وليس مُجرّد العبور على حرفٍ من الكفاية والوفاء بالكاد.. يحقُّ لنا أن نبتهج بالمتحف وحفله، وباللحن الذى عزفته مصر للعالم كله على اسم السلام.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب