في عالم تزداد فيه الحاجة إلى حلول فعالة لمرضى الأوعية الدموية الطرفية، يظهر علاج جيني جديد كإشارة واعدة لتغيير مستقبل الرعاية الطبية لهؤلاء المرضى الذين يعانون من القرح الإقفارية المزمنة وصعوبة التئام الجروح.
وفقًا لتقرير نشره موقع Medscape، كشفت تجربة سريرية من المرحلة الثانية عن نتائج غير مسبوقة لعقار جيني تجريبي ، طُوِّر خصيصًا لتحفيز تجدد الأنسجة الدموية داخل الأطراف التي تعاني من نقص التروية.
خلفية طبية
يُعد مرض الشرايين الطرفية أحد أكثر الاضطرابات المزمنة إيلامًا وإعاقًة، إذ يؤدي تضيق الشرايين إلى ضعف تدفق الدم للأطراف السفلية، ما يسبب قرحًا مزمنة يصعب التئامها. وغالبًا ما يجد الأطباء أنفسهم أمام خيارات محدودة: التدخل الجراحي أو البتر في المراحل المتقدمة. غير أن العديد من المرضى لا يمكن إخضاعهم لأي من الخيارين بسبب تدهور حالتهم أو ضعف الدورة الدموية الدقيقة.
من هنا، جاء الاهتمام بالعلاج الجيني كوسيلة بديلة تستهدف الخلايا نفسها لتفعيل قدرتها على إصلاح الأنسجة، بدلًا من الاعتماد فقط على تحسين تدفق الدم عبر الأوعية الكبيرة.
تصميم الدراسة ونتائجها
في تجربة جادة شملت الدراسة 75 مريضًا يعانون من قرح عصبية إقفارية مزمنة. تلقى المرضى حقنًا عضلية من العلاج الجديد بجرعتين مختلفتين، بينما خضع آخرون لعلاج وهمي.
أظهرت النتائج أن المرضى الذين تلقوا العلاج الجيني أظهروا تحسنًا أسرع وأكثر اكتمالًا في شفاء الجروح، إذ انخفض متوسط مدة الشفاء إلى نحو 84 يومًا مقابل 280 يومًا لدى المجموعة الضابطة. كما ارتفعت نسبة الشفاء التام إلى 63% بعد ستة أشهر، وتجاوزت 77% بعد عام كامل، دون تسجيل اختلافات جوهرية في معدلات الأعراض الجانبية أو المضاعفات.
الدكتور ديفيد أرمسترونغ، أستاذ الجراحة في كلية كيك للطب بجامعة جنوب كاليفورنيا والمشارك في الدراسة، أوضح أن هذا التحسن لا يُعد مجرد تقدم رقمي، بل تحول نوعي في طريقة التعامل مع القرح الإقفارية، مؤكدًا أن “الدواء يفعّل آلية بيولوجية حقيقية داخل الخلايا لتحفيز الالتئام بدلًا من الاكتفاء بعلاج الأعراض”.
كيف يعمل العلاج الجيني؟
يرتكز العقار على تقنية إدخال بلازميد يحتوي على جين عامل نمو الخلايا الكبدية (HGF) داخل العضلات المحيطة بالقرحة. هذا العامل يحفّز تكوين أوعية دموية جديدة ويعزز تجدد الأنسجة، مما يُعيد التغذية الدموية الموضعية ويُسرّع التئام الجرح.
ويُعتقد أن هذه الآلية قد تمثل أساسًا لدمج العلاج الجيني مع الطب التجديدي مستقبلاً، لتكوين نموذج علاجي متكامل يربط بين إعادة بناء الأوعية وإصلاح الأنسجة.
أهمية الدراسة وموقعها من الأبحاث الجارية
يُعدّ هذا البحث أول تجربة عشوائية محكمة تُظهر أثرًا مباشرًا للعلاج الجيني في تسريع التئام القرح لدى المصابين بمرض الشرايين الطرفية.
ويرى الباحثون أن النتائج قد تمهد الطريق لإطلاق تجارب أوسع في المرحلة الثالثة لتأكيد الفعالية على نطاق أكبر من المرضى.
كما أشار الدكتور أرمسترونغ إلى أن هذه النتائج “تُعيد تعريف مفهوم العلاج في نقص التروية المزمن”، مضيفًا أن الأمل لم يعد محصورًا في الجراحة، بل في تحفيز الجسم نفسه على إعادة بناء أوعيته الدقيقة.
آراء الخبراء والملاحظات الإكلينيكية
من جانبه، علّق الدكتور مايكل ماير، أخصائي علاج الجروح في “عيادة كليفلاند”، بأن الدراسة “تمثل نقلة في التفكير الإكلينيكي، إذ تُبرز أهمية إصلاح الأنسجة من الداخل، وليس فقط تحسين تدفق الدم عبر الشرايين الكبرى”.
وأضاف أن المرضى الذين يعانون من اعتلال الشرايين المحيطية — وخاصة مرضى السكري — يحتاجون إلى علاجات من هذا النوع لأن حالاتهم غالبًا ما تتعقد بسبب ضعف التروية واعتلال الأعصاب معًا.
ورغم الحماس العلمي، يؤكد الخبراء ضرورة الحذر، إذ ما زالت البيانات محدودة الحجم والديموغرافيا، وتحتاج إلى دراسات لاحقة لتحديد الجرعة المثلى وفترات المتابعة المناسبة.
أبعاد مستقبلية
إن نجاح هذه التجربة، إن تأكد في مراحل لاحقة، قد يفتح الباب أمام جيل جديد من العلاجات الجينية في أمراض الأوعية، وربما يمتد إلى استخدامات أوسع في التئام الجروح المزمنة الناتجة عن السكري أو الحروق المعقدة.ويرى الباحثون أن هذا التحول يمكن أن يغيّر مفاهيم العلاج الجراحي التقليدي، عبر الدمج بين التدخل الدقيق وتحفيز التجدد البيولوجي.