الأمم الفتية قادرة على تجديد شبابها، ومراجعة قدراتها وطريقها، كما أنها قادرة على التفاعل والتكيف مع التحولات الكبرى والتحديات، بصلابة أحيانا ومرونة فى أحيان أخرى، نقول هذا بمناسبة ما كشفته الانتخابات الحالية من ثغرات تحتاج إلى معالجة، ومشكلات لدى الأحزاب والتيارات السياسية، بجانب الطبقة السياسية بشكل عام فى الحكومة أو المؤسسات التشريعية، وبعضها نتاج تفاعلات السنوات الماضية، وعدم نضوج بعض التجارب السياسية وحاجتها إلى عملية مراجعة تمكنها من إعادة التواجد بشكل مختلف لأكثر إقناعا.
قد تكون هناك مبررات لهذا الواقع لأسباب موضوعية، حيث قضت الدولة 6 سنوات فى مواجهة الإرهاب وتثبيت أركان الأمن والاستقرار، كما قضت سنوات تالية فى مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية، وهو ما سمح بإجراءات وأوضاع لا يمكن التأقلم معها فى الأحوال الطبيعية، أما وقد استقرت الأحوال بشكل أفضل ووصلنا إلى حالة طبيعية، يفترض أن تكون هناك مطالب تتناسب مع الوضع الجديد، وما كان يجرى التسامح معه من قبل لا يمكن تقبله الآن.
لقد كشفت الانتخابات والتفاعلات الأخيرة وواقع الحكومة والأحزاب عن ضعف وفراغ وثغرات كبيرة، بشكل يفرض نفسه على السياسة والشارع، وهو ما استدعى تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة وإرسال رسائل عن أهمية تطوير الإعلام والأحزاب والسياسات وضبط عملية الانتخابات وإيقاف المخالفات والتلاعب والتدخلات، تدخل الرئيس وأتاح فرصة للمراجعة بشكل أعاد النظر فى هذا الواقع السياسى.
الواقع يؤكد أن مصر الآن بحاجة إلى نخبة سياسية ومشاركة أوسع، ومجال عام يقبل الاختلاف والتنوع، وأحزاب يمكن التمييز بين يسارها ويمينها، أحزاب تعبر بصدق عن مصالح واتجاهات، وليست مجرد تجمعات مصالح ليس بينها رابط ولا اختلاف.
وهذه المطالب ضرورية، فى ظل استقرار سياسى واقتصادى يشير إلى تحسن المؤشرات، وبعد إنهاء تحديات الإرهاب أو التحديات الإقليمية والعالمية ونجاح الدولة فى ملفات خارجية، فإن الحديث عن جمهورية جديدة يفترض أن يلازمه حديث عن العدالة وتكافؤ الفرص وضمان المشاركة السياسية التى تضمن التنوع والتعدد، والرأى والرأى الآخر، وهى مطالب طبيعية، تفرضها تحولات وأيضا شعب واع متنوع أغلبيته من الشباب لديه مطالب واحتياجات ترتب خطوات تتجاوز اللجان والسير فى المكان إلى إعادة رسم خرائط السياسة والبرلمان والترتيبات السياسية والاجتماعية.
الجمهورية الجديدة تعنى استغلال الفرص والاستقرار والإمكانات، وأن تكون الحكومة مستعدة لطريقة محاسبة تختلف عن السنوات السابقة، وأن يكون البرلمان جاهزا للقيام بدوره، فى التشريع والرقابة، بعيدا عن التوازنات السابقة التى كان لها ما يبررها فى مرحلة بناء الدولة، أما الآن فيفترض أن تكون هناك اختيارات حقيقية وكوادر تعمل بابتكار ولا تعتمد على الحماية.
ونفس الأمر مع الأحزاب، التى يجب أن تخرج من الحضانات وتقدم نفسها حتى يراها المواطن ويتعامل معها ويقتنع بها، ولا يمكن تقبل واقع «أحزاب الأنابيب» التى تحتاج طوال الوقت إلى الدعم والمساندة، تختبئ وراء السلطة، بينما يفترض أن تكون هى الداعم للدولة والقادرة على الطرح والمناقشة والحوار، ولهذا نكرر الإشارة للحوار الوطنى وتوصياته التى أدخلتها الحكومة فى دهاليز اللجان، بينما يفترض أنها توصيات جاهزة وخلاصة مناقشات استغرقت عامين وتضمنت الكثير من المناقشات، ويفترض أن تستفيد منها، حيث لا يمكن الاستمرار بهذا الواقع الذى يلغى المشاركة ويغيب الشعب، فى عالم منفتح على بعضه ويشهد تحولات تكنولوجية وفى مواقع التواصل تجعل من الصعب إخفاء ما يجرى، وأسقط أى حواجز أو أسرار فى هذا العالم.
قلنا إن الحوار الوطنى استغرق وقتا وجهدا بمشاركة عشرات من الخبراء والسياسيين والحقوقيين والحزبيين، تحدثوا وتناقشوا فى محاور السياسة والاقتصاد والمجتمع وقدموا توصيات مهمة، يفترض لمن يريد أن يستفيد منها بدلا من اختراع لجان أو مسارات تعيد وتكرر ما سبق قوله عشرات المرات.
نحن أمام واقع جديد والحديث عن الجمهورية الجديدة لا يعنى المبانى فقط، لكن يعنى شكلا ومضمونا جديدا وحكومات تخضع للمحاسبة، وبرلمانا يحاسب ويراقب، لصالح شعب واع يعرف ويمكنه الفرز، ولا يمكن ترك ملفات مهمة مثل الصحة والإسكان فى أيدى السماسرة والأموال مجهولة المصدر، ويفترض أن تكون هناك سياسات واضحة وأجندة عمل، تسهم فى توسيع الحياة السياسية والتنوع والمشاركة.
