وسط امتداد الصحراء الشرقية الواسع، حيث تسكن السكينة وتغيب معالم الحياة الحضرية، يخوض رعاة الإبل والأغنام يوميًا رحلة شاقة بحثًا عن الكلأ والماء، متنقلين بين الأودية والجبال، حاملين هم معيشتهم ومتاعهم البسيط، وكذلك الباحثين عن خام الذهب تخت مظلات قانونية، ورغم قسوة الظروف وتحديات الطبيعة، لا يغفل هؤلاء الرعاة وغيرهم عن أداء عباداتهم، حيث يقيمون صلاتهم فيما يعرف بـ”مساجد الصحراء” وهي بيوتًا للصلاة في قلب الخلاء اقامها رعاة وباحثين فى الصحراء قبلهم من اهل البادية.
تعتبر تلك المساجد أحد أبرز المظاهر الروحية في حياة الرعاة، وهي أماكن بسيطة للغاية، لا جدران لها ولا أسقف، تتكون فقط من مساحة محددة تطوق بأحجار صغيرة تحدد أطرافها، وتشيد هذه المساجد المؤقتة في الأماكن التي يستقر فيها الرعاة خلال تنقلاتهم، ويتركونها بعد رحيلهم لتظل مفتوحة أمام العابرين والمارة من أبناء الصحراء أو " العاملين فى التنقيب عن الذهب " أو حتى الرحالة، فتتحول إلى علامات إرشادية للأودية والمناطق الجبلية النائية.
ويقول عبد الرحمن سر الختم، أحد أبناء منطقة أبو رماد التابعة لمدينة حلايب الواقعة جنوب البحر الأحمر، إن كان قديما الراعي حين يصل إلى مكان جديد للاستقرار فيه لعدة أيام، يكون أول ما يفعله هو تحديد موضع لأداء الصلاة، بعد أن يتحرى اتجاه القبلة، من خلال النجوم حيث يحدد اتحاه البحر ومن ثم يمكن اتحاه القبلة بسهولة، أو من خلال مراقبة حركة الشمس نهارًا والنجوم ليلًا، وهي مهارات متوارثة عبر الأجيال في بيئة لا تتوفر فيها أدوات حديثة.
واضاف عبد الرحمن سر الختم ابن قبيلة البشارية أن مع مرور الوقت أصبحت تلك المساجد علامات معروفة داخل الاودية الجبلية، ولكل مسجد من هذه المساجد قدسية واحترام، حيث يحرص المصلون على خلع نعالهم قبل الدخول، كما يترك في بعضها قليل من الماء لاستخدامه في الوضوء، وإن تعذر وجود الماء يتم التيمم.
وتابع : كان قديما يقل استخدام هذه المساجد في فصل الصيف بسبب الحرارة الشديدة، فيما يكثر استخدامها في فصل الشتاء، حيث يزدهر العشب وتجذب المناطق الرطبة الرعاة للإقامة المؤقتة، بينما مع انتشار المنقبين عن الذهب بدات تستخدم طوال ايام السنه، حيث انما مرو نحوا المساجد اقاموا الصلاة فيها .
وكشف أن تبنى أغلب هذه المساجد في أماكن يسهل الوصول إليها، عادة بالقرب من الآبار أو موارد المياه، ويعتمد بناؤها على خبرات سكان الصحراء في تحديد الاتجاهات وتخطيط المكان، ومن أشهر الأودية التي تنتشر فيها مساجد الصحراء: وادي هيبا، ووادي إدالديت، ووادي الدئيب، وغيرها من المناطق الواقعة غرب الشلاتين.
وتبقى “مساجد الصحراء” شاهدًا على تمسك الرعاة بقيمهم الدينية، وعلى حضور الروح وسط الجفاف، حيث تتحول الرمال إلى سجادة، والسماء إلى سقف، والدعاء إلى زاد روحي في طريق شاق طويل.

يصلى فيها أصحاب مهنة الرعى

يتم تحديدها بالاحجار لبيانها

مساجد الصحراء فى الأودية الجبلية

احد الخطب فى مساجد الصحراء