أكرم القصاص

الديمقراطية تفصيل.. هوامش على المال والأحزاب والحضانات والانتخابات

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2025 10:00 ص


لسنا بحاجة للتأكيد أن كل دولة وشعب لهما تجاربهما السياسية، وأيضا القدرة على التعامل مع ما يواجهانه من أزمات أو تحديات بطرق تتناسب مع تركيبتهما، وأن كل دولة وشعب لهما تجاربهما الخاصة التى تتفاعل مع إمكاناتهما وقدراتهما وتركيبتهما الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأن السياسة لا تنفصل عن المجتمع بل هى ترجمة لكل مفرداته. وذكرنا دائما أن الديمقراطية هى تجارب يتم تفصيلها بالمحاولة والخطأ والصواب، ولا توجد نماذج جاهزة، أو شتلات يمكن زرعها فتطرح ديمقراطية، ثم إن الديمقراطية وسيلة وليست غاية فى حد ذاتها وسيلة لإسعاد البشر واختيار الأصلح، وممارسة الرقابة والتشريع بما يتناسب مع مصالح المجتمع والمواطنين، وليست غاية كما يزعم بعض قصار النظر أو الخارجين من الحضانات.


وعلى مدى الأسابيع الماضية سجلت ملاحظات على الممارسات السياسية، وكيف أن تجربة الانتخابات الحالية، والتى تجرى مرحلتها الثانية الآن، كاشفة عن تفاصيل يجب أن نضعها فى الاعتبار، وأزمات لا ترتبط كلها بالدولة، ولكن بالحكومة أو بالأحزاب والمؤسسات التى تدير وتشرف، وكيف كان تدخل الرئيس وتنبيه الهيئة الوطنية للانتخابات كاشفا عن مخالفات تم تسجيلها وإبطال الانتخابات فى دوائر ثبتت فيها التلاعبات، والمفارقة أن الطرف الأكثر اعتدالا فى العملية الانتخابية هو الأمن فى تأمين اللجان والناخبين، وأيضا متابعة وضبط المخالفات، التى منها شراء الأصوات أو التدخل بالقوة لتسويد بطاقات الاقتراع، أو اختلال عمليات الفرز، وهو ما تم على أساسه إبطال الدوائر فى المقاعد الفردية، وما زال الجدل قائما على القوائم ومدى انطباق الإبطال عليها.


ويعرف كل من يتابع الانتخابات طوال خمسة عقود أن استخدام المال أو النفوذ كان قائما بدرجات مختلفة، حتى قبل 1952، وهو ما أشار إليه توفيق الحكيم فى يوميات نائب فى الأرياف عن تزييف الإرادة، ثم فى عهد الاتحاد الاشتراكى، والأحزاب سواء حزب مصر أو الحزب الوطنى أو ما بعدهما فى انتخابات 2012، باستثناءات بسيطة، ومرات معدودة، بشكل يكشف عن استمرار عمليات تزييف الإرادة قبل أو بعد الترشيح، ومؤخرا ظهرت نفس الأعراض، وكان هناك تنبيه من الرئيس وتدخل من الهيئة الوطنية للانتخابات، ومنذ أمس تم ضبط حالات لشراء الأصوات فى بعض المحافظات بناء على بلاغات من المرشحين المنافسين أو مراقبين أو حتى لقطات على مواقع التواصل.


وليس من مصلحة أحد أن يصل إلى البرلمان من يشترون الإرادة، ولا من يتم إنتاجهم فى حضانات، لأن إنتاج حياة سياسية لا يتم بالحضانات والكيانات المدعمة، ولكن بالمنافسة والسباقات والمناورات المشروعة، وليس من خلال الشراء أو التدخل بالقوة، والهدف اختيار الأصلح، وليس الأغنى أو الأكثر نفوذا، وأى جهة تتدخل لا يمكن أن يكون تدخلها للصالح العام، بل لمصالح شخصية وفساد لأطرافها.


ومن تحصيل الحاصل القول إن السياسة ممارسة وتفاعل ومناورات ووجهات نظر، ولا يوجد شخص أو فصيل يمكنه أن يحكم أو يدير وحده، والانتخابات فى بلد مثل مصر تعانى من كل الأمراض السياسية والتشريعية، وهى تفاصيل لا يمكن حلها فورا، وتحتاج لمزيد من المناقشة والأخذ والرد، بل إن التجارب كثيرا ما تكشف عن عيوب فى النظام الانتخابى، وهو ما يحيلنا إلى توصيات الحوار الوطنى المركونة، والتى كانت نتاج عامين من العمل المتنوع والمناقشات لمئات من الخبراء والحزبيين والحقوقيين، حيث انقسم السياسيون خاصة فى الأحزاب بين الدعوة للانتخابات بالقائمة بديلا عن النظام الفردى، الذى يفتح الباب للمال السياسى، وشراء الأصوات، والتدخل فى الإرادة. وهى تفاصيل تثبتها التجربة الحالية، لكن القائمة تكشف أيضا عن عيوب، خاصة القائمة الواحدة أو القوائم، عموما تتطلب ضبطا بجانب استمرار الفردى مع القائمة يمثل خلطا يتطلب ضبطا، ثم إن من طالبوا بالقوائم تجاهلوا أن المال أيضا يمكن أن يلعب دورا مع القوائم مثلما مع الفردى، يضاف إلى ذلك أن التجربة الحزبية بالرغم من وجود نحو 100 حزب فإن أحدا لا يعرف منها عشرة وهى أحزاب فردية وشخصية وبعضها داخل حضانات تجعل من الصعب اختبار قوتها، وهى من تنفيذيين سابقين أو تم إنتاجها على عجل وبشكل تعسفى.


وأغلب الأحزاب لم تبذل جهدا للخروج من المكاتب أو من العاصمة أو البحث عن ظهير سياسى بين المواطنين، ولم نر حزبا سعى لبناء وعى سياسى، بينما الأحزاب الكلاسيكية مثل الوفد والتجمع والناصرى تبدو كأنها تراجعت مع الحزب الوطنى، الذى يعود بأشكال ودرجات من دون أن يمثل تجربة يمكن التعلم منها أو استنساخها، وأغلب الأحزاب لم تجرب نفسها.


كل هذه العناصر بحاجة إلى المناقشة والطرح، بوضوح، ونذكر بالحوار الوطنى كمقياس قريب يستحق الالتفات إليه، لأن السياسة تفصيل وليست جاهزة، والمجتمع بحاجة إلى النقاش والحوار كطريق صحى لإنتاج المستقبل، حتى لا يظل الفراغ قابلا للملء من أى عابر أو مغامر، ونعود لنؤكد أن الشعب المصرى واع، ويحتاج إلى أن يفصل تجربته السياسية الديمقراطية بعيدا عن التدخلات والحضانات والأموال.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب