البابا أوربان الثانى.. نداء أشعل الحروب الصليبية على الشرق

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2025 08:00 م
البابا أوربان الثانى.. نداء أشعل الحروب الصليبية على الشرق الحملات الصليبية

أحمد إبراهيم الشريف

فى أواخر القرن الحادى عشر، وتحديدًا فى نوفمبر 1095، وقف البابا أوربان الثانى فى ساحة مدينة كليرمون بفرنسا، ليلقى الخطاب الذى سيغير وجه العلاقات بين الشرق والغرب لقرون طويلة، خطاب واحد تحوّل إلى "نداء عام" دعا فيه مسيحيى أوروبا إلى حمل السلاح والتوجه شرقًا، لنجدة بيزنطة واستعادة القدس، فكانت الشرارة الأولى لما عرف لاحقًا بالحملات الصليبية.

جاءت دعوة البابا أوربان الثانى خلال مجمع كنسى عقد فى مدينة كليرمون جنوب فرنسا، حضره عدد كبير من رجال الدين والإقطاعيين والنبلاء، فى خطابه الشهير، كما تنقل المصادر اللاتينية الوسيطة، ركز أوربان على ثلاثة محاور رئيسية:

تصوير المسيحيين فى الشرق، خاصة فى الإمبراطورية البيزنطية، بوصفهم "إخوة فى الإيمان" يتعرضون لاعتداءات.

وصف المسلمين فى الشرق، وبالذات السلاجقة، باعتبارهم قوة تهدد "الأماكن المقدسة" وعلى رأسها القدس.

منح "الحج المسلح" إلى الأرض المقدسة صبغة روحية، إذ وعد المشاركين فى الحملة بـ"مغفرة الخطايا" لكل من يخرج مقاتلًا فى سبيل هذا الهدف.

ووفقًا للروايات التاريخية الأوروبية، تفاعل الحضور بقوة مع الخطاب، وتعالت الهتافات المنسوبة إليهم: "الله يريد ذلك"، لتتحول العبارة إلى شعار تعبوى رافق الحملة الأولى وما تلاها من حملات.

 

لم يكن نداء أوربان الثانى مجرد انفعال ديني، بل جاء فى سياق تراكمى معقد

الإمبراطورية البيزنطية كانت قد تكبدت هزائم عسكرية أمام السلاجقة فى الأناضول، وكان الإمبراطور ألكسيوس كومنينوس قد طلب دعمًا عسكريًا من الغرب.

الصراع على النفوذ بين روما (الكنيسة الكاثوليكية) والقسطنطينية (الكنيسة الأرثوذكسية) لم يكن قد هدأ بعد الانقسام الكبير عام 1054، فجاءت الاستجابة لنجدة بيزنطة فرصة سياسية لتعزيز دور البابوية.

أوروبا اللاتينية كانت تشهد كثافة سكانية وأزمات اقتصادية واجتماعية، مع وجود طبقات من الفرسان والنبلاء الباحثين عن "أفق جديد" للثروة والمجد، ما جعل الدعوة للحملة تجد أرضًا نفسية واجتماعية مهيأة.

هكذا التقت الحسابات السياسية للبابوية وبيزنطة مع مشاعر دينية صاعدة ورغبة لدى طبقات من المجتمع الأوروبى فى الخروج إلى "حرب مقدسة"، فتمت صياغة كل ذلك فى إطار دينى تعبوى تحت راية الصليب.

ما بين 1096 و1099 تحولت الكلمات التى قيلت فى كليرمون إلى جيوش تتحرك عبر أوروبا نحو الشرق، بقيادة مجموعة من الأمراء والفرسان، عبرت الحملة الصليبية الأولى الأناضول، ووصلت إلى الشام بعد سلسلة من المعارك والحصارات، وانتهت عام 1099 باقتحام القدس وسقوطها تحت السيطرة الصليبية، فى واحدة من أكثر الوقائع دموية فى تاريخ المدينة.

منذ تلك اللحظة، لم تعد الدعوة التى أطلقها البابا أوربان حدثًا عابرًا، بل صارت نقطة بداية لسلسلة من الحملات الصليبية المتعاقبة على المشرق العربى والإسلامي، امتدت قرابة قرنين، وخلّفت أثرًا عميقًا فى الذاكرة التاريخية لكلا الجانبين.

فى الدراسات الحديثة ينظر إلى خطاب أوربان الثانى بوصفه لحظة تأسيس لنموذج جديد من العلاقة بين الدين والسياسة والحرب فى أوروبا الوسيطة، لحظة جرى فيها "تديين" مشروع عسكري، سياسى واسع، وتحويله إلى واجب روحى تُمنح بسببه الامتيازات الأخروية.

وفى المقابل تشكل هذه الدعوة فى الذاكرة العربية والإسلامية بداية طور طويل من الصدام مع الغرب اللاتيني، لم يكن عسكريًا فقط، بل حمل معه تماسًا ثقافيًا ومعرفيًا مع عالم مختلف، سرعان ما سيتحوّل – فى مراحل لاحقة – إلى ساحة للتبادل والتثاقف، كما كان ساحة للصراع والدماء.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب