تحولت إحدى مصانع شركة نيكسبيريا في جنوب الصين الصناعي إلى نقطة اختناق عالمية في سلسلة توريد السيارات، ما أدى إلى اضطراب صناعة اعتقدت قبل سنوات أنها أصبحت محصنة ضد أزمات الإمداد، فبينما سعت شركات السيارات إلى تقوية شبكات توريدها بعد أزمات كوفيد-19 وحريق مصنع ياباني لاحقًا، جاءت أزمة نيكسبيريا لتكشف ثغرة غير متوقعة: الشرائح منخفضة التقنية يمكن أن تتحول إلى أداة ضغط جيوسياسي.
تعد شريحة نيكسبيريا جزءًا أساسيًا في مكونات السيارات، مستخدمة في وحدات التحكم في المكابح، النوافذ الكهربائية، ووحدات الطاقة التي تدير الكهرباء في المركبات، رغم أن ثمن الشريحة لا يتجاوز جزءًا من سنت واحد، فإن نقصها أدى إلى تقليص الإنتاج في شركات كبرى مثل نيسان وهوندا، كما أجبر المورد الألماني بوش على تقليص ساعات العمل في المصانع.
الأزمة بدأت عندما استحوذت الحكومة الهولندية على مقر نيكسبيريا في هولندا خوفًا من أن تنتقل التكنولوجيا إلى المالك الصيني وينج تك، وهو ما دفع بكين لوقف تصدير الشرائح الجاهزة المصنعة في مصنع دلتا نهر اللؤلؤ، هذا التوقف كشف أن الاعتماد على الصين في إنتاج حتى الشرائح الأساسية منخفضة التقنية يمكن أن يُحدث تأثيرات عالمية كبيرة على إنتاج السيارات، وهو ما لم تتوقعه الصناعة.
من مصنعها في دونجقوان، تصدر نيكسبيريا ملايين الشرائح سنويًا للمصنعين حول العالم، تعتمد الصناعة على مبدأ المخزون اللحظي، حيث لا يحتفظ المصنعون بمخزون طويل المدى من الشرائح، ما يجعلهم عرضة لأية صدمات مفاجئة، كذلك أدى توقف شحنات نيكسبيريا إلى تعطيل الإنتاج، وإلى تساؤلات حول مدى استعداد شركات السيارات للتعامل مع التوترات الجيوسياسية في المستقبل.
قال لي شينج، أستاذ العلاقات الدولية بمعهد قوانجدونج للاستراتيجيات الدولية: "حتى في القطاعات المتوسطة والمنخفضة التقنية، تعتمد الصناعة على الصين بشكل كبير، إذا أرادت الصين ممارسة ضغط على شركات السيارات، فذلك ممكن بسهولة".
الأزمة كشفت أيضًا أن استبدال شريحة نيكسبيريا ليس بالأمر البسيط، إذ غالبًا ما تلحم الشرائح مباشرة في المكونات الحساسة، مثل وحدات الطاقة، مما يتطلب اختبارات دقيقة قبل اعتماد أي بديل، حتى الشركات التي بدأت البحث عن موردين بديلين، مثل Hella الألمانية، قد تحتاج إلى سنة كاملة لضمان مطابقة البدائل للمواصفات والمعايير المطلوبة.
وبالرغم من أن شريحة نيكسبيريا تبدو بسيطة ورخيصة، فإن الاعتماد العالمي عليها جعلها عاملًا حاسمًا في سلسلة التوريد، وأظهر كيف يمكن لمكونات تبدو تافهة أن تصبح سلاحًا استراتيجيًا في مواجهة الأزمات.
وقال ألفريدو مونتوفار-هيلو من Ankura Consulting في بكين: "الجميع سيبدأ الحديث عن بناء المرونة وتنويع سلاسل التوريد، ثم سيدركون كم هي مكلفة ومتعقدة هذه العملية".
توضح أزمة نيكسبيريا أن الاستعداد للأزمات المستقبلية لا يقتصر على الشرائح عالية التقنية فقط، بل يشمل أيضًا المكونات العادية التي تسيطر عليها دول معينة، مثل الصين، وهو درس صارخ لشركات السيارات العالمية: حتى القطع البسيطة يمكن أن تصنع أزمة عالمية إذا توقف إنتاجها فجأة.