يواجه الكتاب الورقي تحديات كبيرة في عصر انتشار المنصات الرقمية، ومع تدشين الكثير من تلك المنصات للكتب المقرؤة والمسموعة، لم يعد الصراع بين الورقي والرقمي مجرد خيار، بل أصبح النقاش حول التكامل بين الشكلين. فبينما يتيح الكتاب الورقي تجربة قراءة تقليدية وملموسة، ويحافظ على القيمة الحسية والمعرفية، يقدم الكتاب الرقمي مزايا مثل سهولة الوصول الفوري، والتحديث المستمر للمحتوى، والمرونة في الاستخدام والتنقل، وهو ما يفضله الجيل الحالي من القراء.
ويظل التساؤل قائمًا: هل سيستمر الكتاب الورقي في الحفاظ على مكانته كجزء لا يتجزأ من الثقافة والحسية، أم ستستمر الكتب الإلكترونية في النمو لتلبية متطلبات العصر الرقمي، وتحل محل الورقي مع تطور الوسائط الثقافية؟
من العقبات الرئيسية التي تواجه الكتاب الورقي ارتفاع تكلفة الورق وزيادة أسعار الكتب، ما يقلل من إمكانية النشر والإقبال على هذا النوع من الكتب. كما يواجه القراء صعوبة في حمل العديد من الكتب أثناء السفر، ونقص المساحات المناسبة في المنازل لتخزينها ضمن مكتبات شخصية.
على الجانب الآخر، تزداد شعبية الكتاب الإلكتروني بفضل سهولة الحصول عليه، وإمكانية البحث في مكتبات كاملة عبر الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، ورخص ثمنه، وسهولة التنقل به، مما يجعله خيارًا عمليًا للكثيرين.
مكتبات مصر العامة.. صورة على وضعية الكتاب الورقي
حققت مكتبات مصر العامة خلال العام المالي 2024 – 2025 أكثر من 12.2 مليون عملية إعارة للكتب والمواد المعرفية، بمعدل سنوي تجاوز 408 آلاف إعارة، وهو ما يعكس تفاعل القراء مع المحتوى الثقافي المتاح. واستقبلت المكتبة خلال الثلاثين عامًا الماضية أكثر من 10.3 مليون زائر، بمعدل سنوي قدره 311 ألف زائر، ما يدل على ثقة الجمهور في المكتبة كمركز للتعلم والتواصل الثقافي.
تضم المكتبة اليوم أكثر من 34 ألف مستفيد نشط يعتمدون عليها كمصدر للمعرفة والتطوير الذاتي، ويشاركون بانتظام في برامجها المتنوعة، مما يعكس استمرار رواج الكتاب الورقي. كما بلغت مقتنيات المكتبة هذا العام 153,169 مادة ثقافية متنوعة تشمل الكتب والمراجع والمطبوعات والوسائط المتعددة، وسجلت المكتبة الرئيسية بالدقي 323,124 عملية إعارة، محققة بذلك 92% من المستهدف السنوي، ما يدل على الإقبال الكبير على استعارته واستخدامه.
المنصات الرقمية
بالنظر إلى منصات مثل "أبجد"، أحد أكبر المنصات الرقمية العربية للكتاب، نجد أن عدد المشتركين تجاوز مليون ونصف المليون، مع مكتبة رقمية تضم أكثر من 25 ألف كتاب لنحو 15 ألف مؤلف. بينما تضم منصة "رفي" أكثر من ربع مليون مشترك، ومكتبة رقمية تشمل 200 ألف عنوان لـ 88 ألف كاتب. ويعود الفرق الكبير في عدد المشتركين غالبًا إلى سياسات التسويق والإعلان وطريقة عرض الكتب وتصنيفها، وليس بالضرورة إلى حجم المكتبة الرقمية نفسها.
وفقًا لدراسة بعنوان "القراءة التفاعلية على مواقع الويب كمظهر من مظاهر الإنسانية الرقمية" للباحث أحمد بن بلة بجامعة وهران الجزائرية، زار موقع "أبجد" أكثر من 700 ألف زائر خلال شهر إبريل 2024، بينما زار موقع "رفي" نحو 51 ألف زائر في نفس الفترة، بالرغم من أن رصيد "رفي" من الكتب أكبر من "أبجد". كما توزعت زيارات "أبجد" حسب الدول: مصر 03.85%، العراق 21.39%، السعودية 10.19%، فيما توزعت زيارات "رفي" أولًا من اليمن بنسبة 74.44% ثم مصر 5.51%.
بناءً على هذه الإحصاءات، يظهر أن التحول الذي طرأ على الأوساط الثقافية في العقدين الأخيرين منح الكتاب الإلكتروني مكانة متقدمة، بفعل ارتفاع أسعار الكتب الورقية وسهولة الوصول والإتاحة الكبيرة للكتب الرقمية، ما يجعل الأخير الخيار الأكثر عملية للجيل الحالي من القراء، دون أن يفقد الكتاب الورقي قيمته الثقافية والحسية، لكن في الوقت نفسه، اتجه آلاف من القراء إلى المكتبات العامة، التي أصبحت ملاذ للكثير منهم لاستعارة الكتاب الورقي الذي لا يخفت سحره أبدا.