"جوستين".. رواية تطاردها أوامر المنع من زمن نابليون حتى القرن العشرين

الإثنين، 24 نوفمبر 2025 06:00 ص
"جوستين".. رواية تطاردها أوامر المنع من زمن نابليون حتى القرن العشرين رواية جوستين

أحمد إبراهيم الشريف

تبقى رواية  (جوستين، أو مصائب الفضيلة)  للكاتب الفرنسي الماركيز دي ساد واحدة من أكثر الكتب إلحاحًا في سجلات الرقابة على الأدب العالمي، نص ظل محاطًا بالشك والريبة، تتعقبه قرارات المصادرة والمنع منذ أوائل القرن التاسع عشر، قبل أن يعود في منتصف القرن العشرين بوصفه "كلاسيكًا مزعجًا" لا يمكن تجاوزه في تاريخ الأدب الأوروبي.


كتب دي ساد النسخة الأولى من العمل وهو في سجن الباستيل عام 1787 تحت عنوان "مصائب الفضيلة، ثم أعاد توسيعها ونشرها سنة 1791 في صورتها الأشهر "جوستين، أو مصائب الفضيلة".
تدور الرواية حول فتاة شابة تحاول الدفاع عن نقائها في عالم يزدحم بالظلم والرياء، فتُبتلى بمحن متتابعة على يد أصحاب سلطة ونفوذ، وتُستخدم حكايتها كمرآة نقدية لمجتمع يتزين بالكلمات الكبيرة، بينما تُسحق فيه القيم الحقيقية تحت أقدام المصالح.

هذا التوتر بين "الفضيلة" كشعار، و"الاستغلال" كواقع، جعل الرواية نصًا صادمًا لعصرها؛ فهي لا تكتفي بسرد الحكاية، بل تضع تحت المجهر سلوك البعض.

من قاعة المحكمة إلى أوامر الإتلاف

لم تمر "جوستين" بهدوء في زمن نابليون. فبعد صدورها، اعتُبرت إحدى أخطر الكتب على "الأخلاق العامة"، وارتبط اسم دي ساد في الذاكرة الرسمية بصورة الكاتب المزعج الذي لا يعترف بالحدود المألوفة في التعبير.
تشير الوثائق إلى أن السلطات الفرنسية لاحقت الرواية قضائيًا، حتى أصدرت محكمة "كور روايال دو باري" عام 1815 قرارًا بإتلاف نسخ "جوستين"، في خطوة تعبّر عن رغبة صريحة في محو النص من التداول وإقصائه خارج المجال العام.


لم يكن المنع مدنيًا فقط؛ فقد وُضعت "جوستين" مع عدد من أعمال دي ساد على "فهرس الكتب المحرّمة" الكاثوليكي، وهي القائمة الرسمية التي اعتمدتها الكنيسة لقرون طويلة لحظر قراءة الكتب التي تُعدّ مقلقة لعقيدة المؤمنين أو مهدِّدة للمنظومة الأخلاقية السائدة.

وبين قرار المحكمة المدنية ووجود الرواية على هذا الفهرس، عاشت "جوستين" زمنًا طويلاً في منطقة الظل: نسخة هنا تُخفى في خزانة خاصة، ونسخ أخرى تطبع في دوائر ضيقة لهواة "الكتب النادرة"، فيما تظل النسخة العلنية منها شبه غائبة عن رفوف المكتبات.

قرن وأكثر من الحجب… ثم عودة متأخرة

تجمع دراسات متعددة في تاريخ الأدب الفرنسي على أن أعمال دي ساد، ومن بينها "جوستين"، بقيت بعيدة عن النشر الحر في فرنسا طوال القرن التاسع عشر وأجزاء واسعة من القرن العشرين، وأن الاقتراب منها كان يحتاج إلى شجاعة قانونية وثقافية في آن واحد.

ومع تغيّر المناخ الفكري في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور موجات أوسع دفاعًا عن حرية التعبير، بدأت صورة دي ساد تعاد قراءتها: لم يعد مجرد صاحب نصوص صادمة، بل كاتبًا يختبر عبر السرد علاقة الإنسان بالسلطة والجسد والقانون.
في ستينيات القرن العشرين تقريبًا تحررت الرواية من أغلب قيودها القانونية، لتصدر في طبعات نقدية مرفقة بدراسات وشروح، وتنتقل من خانة "الكتاب المحجوب" إلى خانة "النص الإشكالي" الذي يُدرَّس في الجامعات ويُناقش في سياق تاريخ الأفكار وحدود الحرية.

 
جوستين
جوستين


 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة