كلُّ ما يجرى الآن فى الانتخابات والأحزاب والإعلام، يَطرح علينا تساؤلات ويفرض البحث عن منافذ وأدوات لبناء حياة سياسية وإعلامية تعكس التنوع والواقع والتعامل مع تحولات سياسية وفى مواقع التواصل الاجتماعى، تتناسب مع طموحاتنا ومع الجمهورية الجديدة التى تحدث عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى باعتبارها تحمل كل ملامح وميزات الدولة الديموقراطية المدنية الحديثة، وخلال كلمته أمام شباب أكاديمية الشرطة، جدد الرئيس التأكيد على أن لدينا 60 مليون شاب، بما يعنى أن المستقبل كله يفترض أن يكون مناسبا لهؤلاء، ومن الصعب على أى أحد معاملة هذه الأجيال على أنها قابلة للخداع، بل تجب معاملتهم باعتبارهم ناضجين، حيث إنه من الصعب إقناعهم بأى شىء.
ولهذا يبدو تدخل الرئيس دائما فى أوقات مهمة، فى ما يتعلق بالانتخابات أو دعوته للهيئة الوطنية للانتخابات أن تفرض رقابة وتتعامل مع الطعون والدوائر، وتم بالفعل إلغاء الانتخابات فى 19 دائرة، من بين 70 دائرة وترك القائمة، وهو ما يفتح باب طعن يطالب بتطبيق الإلغاء على القائمة إذا كانت الطعون تم قبولها فى الفردى، وهناك عشرات الطعون أمام «الإدارية» بعضها يتعلق بالإنفاق وعدم تطبيق الشمول المالى، وهى أمر مهم يتعلق بضبط الإنفاق ويوقف التلاعب المالى أو توظيف المال.
كل هذه العناصر وما رافقها من اختلالات داخل الأحزاب، واستقالات فى أحزاب حديثة، أو حتى قديمة نسبيا، وباقى الأحزاب تكشف عن فراغ كبير فى الحياة السياسية والحزبية يتطلب بالفعل الانتباه إلى أهمية وجود حياة سياسية تتناسب مع واقع وتحولات داخلية وخارجية وإعلامية وفى مواقع التواصل، وتغييرات فى شكل ومضامين التأثير والسلطة، لما يفرض واقعا مختلفا وتعاملا يناسب هذا الواقع بشكل يملأ الفراغ، ويمنع أى مفاجآت أو عمليات تسرق الإرادة او تتلاعب فيها.
ويفترض أن تكون الحكومة والجهات التنفيذية ومجلس النواب والشيوخ أكثر قدرة على تفهم هذه التحولات وتجاوز الجمود والسعى للتفاعل مع عالم يتغير كل لحظة ويتطلب عقولا قادرة على التقاط وفهم ما يجرى بكل تعقيداته، وضربنا أمثلة بما جرى فى الانتخابات وما تكشفه التفاصيل عن غياب التوازن فى ترتيب الأوراق أو ما يمكن تسميته المطبخ السياسى، كما انعكس فى شكل ومضمون الانتخابات، واضطر الرئيس للتدخل ولفت النظر إلى هذا الخلل، وسبق ونبه الرئيس إلى هذا الأمر، وكرر التأكيد على أهمية وضرورة اختيار الأصلح بين المرشحين، وترافق حديث الرئيس مع إشارات إلى الشباب والاختيارات للوظائف ونقص الكفاءات، وأشرنا إلى أهمية توفير تكافؤ الفرص والمساواة ومنح الأهمية الأكفأ والأكثر علما وتدريبا، وفى الانتخابات تلافى عيوب القوائم والأموال والتداخلات غير المرغوبة والتى لا يمكن أن تنتج نوابا قادرين على تفهم مهام التشريع أو حتى العمل السياسى.
وفى ما يتعلق بالحكومة عليها أن تستوعب أهمية إعادة النظر فى سياساتها بملفات الإسكان والصحة بشكل يتناسب مع الواقع والتطورات والتحولات العالمية والمحلية ومدى إدراك المواطنين، وأن يكونوا على نفس موجة الرئيس وأكثر استيعابا وتفهما لمطالب أغلبية من الطبقة الوسطى لا تناسبها سياسات تبتعد عن العرض والطلب، بينما نحتاج إلى نهاية لسياسة وتفكير «الكومباوند» إلى تفكير يناسب أغلبية الشعب بتنوعات ودرجاته.
ولا تعتقد الحكومة أنها بعيدة عن السياسة والبرلمان بغرفتيه، مع التأكيد على الفصل بين السلطات، لكن يفترض أن يكون هناك ما تسمى «كيمياء» تتفاعل فيها كل العناصر باتجاه خدمة فكرة «الجمهورية الجديدة»، وحيث لا يمكن بناء حياة سياسية من دون فرز ومنافسة، ومواجهات وتفاعلات أشبه بالتفاعلات الكيميائية، وتنوع وتوسيع هامش المنافسة والمجال العام، بالرأى والرأى الآخر. وهذا للبرلمان والحكومة وتفاصيل الرقابة والتفاعل بين المؤسسات، فالبرلمان مهمته التشريع والرقابة، والحكومة مهمتها التنفيذ والموازنة والتعامل مع الملفات بتوازن وعمل جماعى .
وبناء عليه ان تكون الحكومة مستعدة لطريقة محاسبة تختلف عن السنوات السابقة، وأن يكون البرلمان جاهزا للقيام بدوره، ونفس الأمر مع الأحزاب، التى يجب أن تخرج من الحضانات إلى الواقع والشارع وتستوعب دورها فى ظل تحولات وتغييرات وتفاعلات مستمرة، فرضت على الأحزاب فى العالم تغييرا كبيرا.
ومن ميزات الأمم الفتية قدرتها على تفهم التحولات والتفاعل معها وتجديد قدرتها على التكيف والتعامل بقدرات ومرونة، وربما تكون التفاعلات السياسية الجارية الآن تظهر بهذا الشكل نظرا لأنها المرة الأولى التى نواجه فيها ترتيبات سياسية، بعد إنهاء تحديات الإرهاب أو التحديات الإقليمية والعالمية مع الحاجة لبناء جمهورية جديدة تضمن العدالة وتكافؤ الفرص لكل مواطنيها، وهى مطالب تتطلب عقولا مختلفة عما هو قائم الآن، وتعامل مع جمهور ناضج وواع، وقادر على التفرقة بين الوهم والحقيقية.

مقال أكرم القصاص