أسامة الأزهرى: وزارة الأوقاف ستظل داعمة ومساندة لدَور دار الإفتاء في الحفاظ على التراث العلمي
احتفلت دار الإفتاء المصرية بمناسبة مرور 130 عامًا على تأسيسها، وذلك بقاعة الاحتفالات بمقر الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، بحضور نخبة من كبار الشخصيات الدينية والتنفيذية، وفي مقدمتهم المفتون السابقون وأُسر المُفتين الراحلين الذين أسهموا في مسيرة الدار عبر أكثر من قرن من العطاء.
الذكرى التاريخية لتأسيس دار الإفتاء
وجاء بَدْءُ الاحتفالية في الذكرى التاريخية لتأسيس دار الإفتاء المصرية التي توافق 23 نوفمبر 1895؛ حيث تستعيد الدار خلال الفعاليات مسيرتها التي امتدت لثلاثة عشر عقدًا من العمل المؤسسي الرصين، باعتبارها أول دار إفتاء منظمة رسميًّا في العالم الإسلامي، ومرجعًا علميًّا معتبرًا يسهم في تعزيز الوعي وترسيخ الاستقرار المجتمعي.
وشهدت الاحتفالية حضورًا واسعًا من قيادات المؤسسات الدينية والعلمية والشخصيات العامة، حيث تتضمن الفعاليات استعراضًا لمراحل التطور التاريخي للدار وإسهامات المفتين المتعاقبين، إضافة إلى إبراز الدور العلمي والبحثي الذي قامت به الدار عبر مؤسساتها المختلفة.
وتتضمن فعاليات الحفل عرض فيلم وثائقي يرصد التاريخ العريق لدار الإفتاء المصرية، ويستعرض محطاتها البارزة وإسهاماتها في تجديد الخطاب الديني وترسيخ منهج الوسطية. كما شهدت الاحتفالية إلقاء كلمات لعدد من المفتين السابقين، الذين يتناولون خلالها الدور الوطني والعلمي الذي اضطلعت به الدار في دعم استقرار المجتمع وخدمة قضايا الوطن، وتوثيق مسيرتها الثرية عبر مختلف العصور.
واختتم الحفل بتكريم المفتين السابقين تقديرًا لعطائهم العلمي والإفتائي وإسهاماتهم في تطور العمل الإفتائي والمؤسسي داخل الدار.
وأكَّد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن دار الإفتاء المصرية عبر تاريخها الممتد كانت -وما زالت- ركيزة أساسية في نشر الفكر الوسطي المعتدل، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتعزيز الوعي الديني والمجتمعي، ومواجهة الفكر المتطرف، مستمدةً منهجها من وسطية الأزهر الشريف وقيمه الراسخة.
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية لاحتفالية دار الإفتاء المصرية بمناسبة مرور 130 عامًا على تأسيسها، بحضور عدد من الوزراء وقيادات الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، ورجال الفكر والثقافة والإعلام والمجتمع المدني.
تراث دار الإفتاء كنز فقهي ومعرفي ينهل منه الباحثون في الشرق والغرب
وخلال كلمته، استعرض المفتي بداية من تولى منصب الإفتاء، مشيرًا إلى أن النبي الكريم «صلى الله عليه وسلم»، كان أول من تولى هذه المكانة، وكان صلى الله عليه وسلم يفتي بوحي الله عز وجل، وكانت فتاواه «جوامع الأحكام» المشتملة على فصل الخطاب، ثم تولى الفتوى بعده الصحابة وآل البيت الكرام رضي الله عنهم، الذين امتازوا بعمق العلم وصدق الإيمان وحسن البيان، ثم انتقلت هذه الأمانة من بعدهم إلى التابعين كسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح، وغيرهما ممن أجاز لهم أكابر الصحابة القيام بأمر الإفتاء.
وأوضح مفتي الجمهورية، أن المذاهب الفقهية الثمانية قد استقرت في الأمة الإسلامية بعد ذلك، ومنها المذاهب السنية الأربعة (الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي)، والمذاهب الشيعية (الإمامي، والزيدي)، والمذهب الإباضي، والظاهري، وقد تبلورت في مدارس فقهية لها أصول وقواعد، وتولى أئمتها وكبار علمائها الإفتاء عبر العصور، مؤكدًا أن العصر الحديث شهد تحول الفتوى إلى مؤسسة رسمية لها نظامها وهيكلها الإداري والعلمي، وكانت "دار الإفتاء المصرية" رائدة المؤسسات الإفتائية في هذا المجال.
وأكد المفتي أن الاحتفال بمرور 130 عامًا على تأسيس دار الإفتاء هو مناسبة لاستحضار تراثها العظيم الذي أصبح كنزًا فقهيًّا ومعرفيًّا ينهل منه الباحثون والدارسون، لما يتسم به من منهجية أصيلة توازن بين النصوص الشرعية ومتطلبات الواقع، محققًا بذلك مقاصد الشريعة ومكارمها، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء عبر تاريخها قد احتضنت شيوخًا ومفتين كبارًا كانوا نخبة مختارة وصفوة مجتباة من الله تعالى، حملوا أمانة الفتوى، وعملوا على ترسيخ الاستقرار المجتمعي ونشر قيم التسامح والتعايش، فضلًا عن دورهم الوطني في مواجهة الفكر المتطرف وكشف انحرافاته، وصد محاولات العبث بالهُوية المصرية التي تجمع بين الانتماء الديني والقومي.
الامتداد الطويل لا يحضر بوصفه تاريخًا محفوظًا، بل شاهدًا على تجربة
وأضاف مفتي الجمهورية أنه عندما تبلغ دار الإفتاء عامها المائة والثلاثين، فإن هذا الامتداد الطويل لا يحضر بوصفه تاريخًا محفوظًا، بل شاهدًا على تجربة استطاعت أن تجمع بين أصول لا تتبدل ووقائع لا تستقر، بمنهج قويم لا يبحث عن التجديد في صورته بل في تحقيق مقتضاه العلمي والمقاصدي، مبينًا أن دار الإفتاء منذ نشأتها حرصت على أن تكون امتدادًا للمنهج الإسلامي الصحيح، والفكر المتزن، وسعت إلى مواجهة الفكر المتطرف بشقيه الديني واللاديني، كما بقيت كيانًا وطنيًّا يشارك الدولة المصرية آمالها وآلامها، ويسهم في نهضتها الحضارية من خلال تسليط الضوء على الفتوى الوسطية كأداة لبناء المجتمعات وتنميتها".
وأشار المفتي إلى أن دار الإفتاء المصرية أصبحت -بفضل الله- "كيانًا دوليًّا وعالميًّا" يسعى لنشر الفكر الوسطي والمنهجية السليمة لصناعة الفتوى من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، التي أنشئت عام 2015، والتي أصبحت قاطرة في مواجهة الفتاوى الضالة والمنحرفة.
وفي رؤيته لمستقبل دار الإفتاء، أكد فضيلة المفتي أننا نستشرف مرحلة جديدة تتزايد فيها تحديات العولمة والذكاء الاصطناعي، مشيدًا بجهود جميع قطاعات دار الإفتاء والعاملين بها، ومؤكدًا دعمه لهم في طريق مستقبل إفتائي رشيد، مختتمًا كلمته بالتأكيد على أن الاحتفال بالذكرى الـ130 ليس مجرد مناسبة تاريخية، بل هي "لحظة يراجع فيها الإفتاء موقعه بين الناس"، مؤكدًا أن "الثبات لا يعني الجمود، والتغيير لا يعني الانفلات"، وأن الفتوى لا تستقيم إلا بعلم راسخ وبصيرة نافذة وتأنٍّ يميز بين المصلحة الدائمة والحاجة العارضة.
نصر فريد: واصل جهودنا في الإفتاء هدفت لحماية المجتمع من الفتن والتوترات نتيجة الفتاوى غير الرسمية
من جانبه قال الدكتور نصر فريد واصل، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بـ الأزهر الشريف، إنه يتشرف بأن يكون عضوًا بهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتيًا للديار المصرية في فترة من الفترات، موضحًا أنه كان يعمل دائمًا وفق منهج الشريعة الإسلامية دون إفراط أو تفريط.
وتطرق مفتي الجمهورية السابق إلى أبرز المحطات في حياته الإفتائية، من بينها المبادرة التي قدمها لتوحيد بداية الشهور القمرية، استنادًا إلى أدلة بحثية وشرعية، وذلك خلال اجتماع عُقد في مكة المكرمة بحضور 18 دولة ممثلة بمفتيها وعلماء الفلك المختصين، نظرًا للاختلاف الواسع بين الدول العربية والإسلامية في تحديد بداية رمضان والعيدين، مؤكدًا أن المجتمعين أقروا اعتماد بداية الشهور العربية، وهو ما تتبناه معظم الدول حتى الآن.
كما استعرض قضية فتوى التدخين، مشيرًا إلى أن الدراسات الحديثة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية أثبتت أضرار التدخين على صحة الإنسان وعلاقاته الأسرية، وهو ما دفع دار الإفتاء إلى إصدار فتوى بتحريمه شرعًا، معتمدة على الأدلة الشرعية والعلمية ونشرتها على نطاق عالمي.
وأكد الدكتور نصر فريد واصل أنه كان حريصًا عند توليه منصب الإفتاء على أن تكون الفتوى محافظة على استقرار المجتمع وأمنه، وأن تواجه الفتن والجدل الذي كانت تثيره بعض الجماعات الإسلامية وجماعات الإسلام السياسي من خلال فتاوى غير رسمية تؤدي إلى توترات في المجتمع، مشددًا على دَور دار الإفتاء في نشر الفهم الصحيح للشريعة والحفاظ على وحدة المجتمع.
واختتم كلمته بتوجيه الشكر للحضور على مشاركتهم في هذه الاحتفالية، معربًا عن تقديره لدعوة دار الإفتاء المصرية لهذا الحدث المهم، الذي يجمع بين تكريم الماضي واستعراض الإنجازات ودعم المسيرة الإفتائية في خدمة المجتمع.
وأكد الدكتور أسامة السيد الأزهري، وزير الأوقاف، أن دار الإفتاء المصرية تستند إلى إرث علمي عميق يمتد منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن استمرار الأجيال العلمية هو سر استمرارية رسالة الإفتاء في مصر.
دار الإفتاء المصرية تستند إلى إرث علمي عميق يمتد منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وأضاف أن مفتي مصر يمثل مرجعًا عالميًّا يعود إليه العلماء من جميع الأقطار، مشيدًا بالجهود العلمية الكبيرة لدار الإفتاء المصرية على مدار تاريخها، مشيرًا إلى أن مؤسسة دار الإفتاء المصرية تستند إلى تاريخ عريق، حيث يمثل المفتون الذين تولوا أمانة الإفتاء امتدادًا للصحابة الكرام الذين تولوا مهامَّ الإفتاء والقضاء والتعليم والتدريس في عصرهم.
ولفت الوزير الانتباه إلى أن بعض الصحابة تقلَّدوا الإفتاءَ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم دلالةً على الرضا والاعتراف بمكانتهم العلمية -ومنهم معاذ بن جبل- وقد كانوا نوَّابًا عن النبي في تقديم الإرشاد والعون الإفتائي للمحتاجين، موضحًا أن الإفتاء في مصر تأسس على يد الصحابي عقبة بن عامر، الذي كان أول من تصدى للإفتاء في مصر، ثم توارثت المهمة كوكبة من العلماء البارزين، مضيفًا أن كل جيل من المفتين ترك إرثًا علميًّا مهمًّا، مؤكدًا أن مفتي مصر يعد مرجعًا عالميًّا يرجع إليه كثير من العلماء في شتى الأقطار؛ ما يعكس شرف مصر ومكانتها العلمية.
وتوجَّه وزيرُ الأوقاف إلى الله بالدعاء للدكتور نظير محمد عياد -مفتي الجمهورية- قائلًا: "على يدكم يديم الله الخيرَ العميم على البلاد والعباد، سائلًا الله أن يمدكم بالتوفيق، وأن يرسخ نور العلم في أفق الأمة، وأن وزارة الأوقاف ستظل داعمة ومساندة لدَور دار الإفتاء، مشيدًا بالجهود التي تبذلها المؤسسة في الحفاظ على التراث العلمي وتوثيق التواصل بين الأجيال.
حضر الحفل الدكتور أسامة السيد الأزهري، وزير الأوقاف، والدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، والمهندس، محمد شيمي، وزير قطاع الأعمال، والدكتور، ابراهيم صابر، محافظ القاهرة، والمهندس، عادل النجار، محافظ الجيزة، والمهندس، حاتم نبيل، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، و، السيد محمود الشريف، نقيب الأشراف، والدكتور محمد عبدالدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، مفتي الجمهورية الأسبق، والدكتور نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء، مفتي الجمهورية الأسبق، والدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية السابق، والدكتور سلامه داوود، رئيس جامعة الأزهر، والقس الدكتور، أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية، وعدد من السفراء، وجمع من علماء الأزهر والأوقاف، ورجال الفكر والثقافة والإعلام والمجتمع المدني.




.jpg)

.jpg)
.jpg)

.jpg)
.jpg)
.jpg)

.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)

.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)

.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)
