أكرم القصاص

الحوار الوطنى «الراحل» وغياب المنافسة.. تشخيص ألغاز السياسة والأحزاب والانتخابات

السبت، 22 نوفمبر 2025 10:00 ص


ما زلنا نتحدث عن واقع يفرض نفسه، علينا وعلى الحياة السياسية والانتخابات والمستقبل القريب، بمناسبة ما يجرى فى العملية الانتخابية، وأيضا ما انعكس من تفاعلات على الأحزاب السياسية، كاشفا عن ضعف وفراغ وثغرات كبيرة، وربما لأول مرة منذ «30 يونيو» تتكشف كل هذه الأمور، بشكل يفرض نفسه على السياسة والشارع، والواقع يقول إن تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الوقت المناسب، هو الذى فتح النقاش بهذا الشكل، حيث استعاد بعض من كانوا يدافعون عن الباطل شجاعتهم، وعادوا لينضموا إلى نقاد الوضع، وخلال 24 ساعة فقط وجدنا من بين المسؤولين من انقلب من مدافع عن «نزاهة» إلى منحاز لوجود «تلاعب» فى العملية الانتخابية.


من جانبى، كتبت - قبل أسابيع وكررت - أن ما جرى من إهدار توصيات ونتائج الحوار الوطنى، كان إهدارا لوقت وجهد عشرات من الخبراء والسياسيين والحقوقيين، تحدثوا وتناقشوا فى محاور السياسة والاقتصاد والمجتمع وقدموا توصيات كان يمكن - حال تنفيذها - أن تمثل إشارات، وأجندة عمل، تسهم فى توسيع الحياة السياسية والتنوع والمشاركة، وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد وجه الحكومة والبرلمان بدراسة التوصيات التى تعالج تقريبا الكثير من النقاط والثغرات، وتقدم حلولا مهمة، لكن الحكومة أدخلت التوصيات فى نفق اللجان والمنبثقات، والبرلمان اكتفى بما تم من جلسات، وعليه تعاملت بعض الأطراف مع الشعب على أنه غائب ويمكن تطبيخ الأمور بما تمرر المجالس من دون أى قواعد ولا مراعاة لوجود شعب واع، أغلبه خاص سنوات وتحديات صعبة وعَرَكته الحياة.


الرئيس السيسى كان الطرف الذى استجاب للحوار الوطنى، فى الكثير من النقاط، فى ما يتعلق بلجنة العفو الرئاسى، أو الإشراف القضائى على الانتخابات، أو إحالته توصيات مفوضية منع التمييز أو المجلس الأعلى للتعليم، أو قانون نشر وتداول المعلومات، وغيرها، بينما تعاملت الحكومة والأطراف البرلمانية مع الحوار باعتباره يدور فى عالم آخر وبلاد ثانية، بل وفوجئ متابعو السياسة باختراع كيانات حزبية بلا جذور، تضاف إلى أحزاب لا يمكن التعامل معها باعتبارها قوى سياسية، لكنها مجرد «فاترينات» لا تتضمن أى رائحة للسياسة، والغريب أن الكيان الجديد ازدحم باللجان واللجان والتركيبات والأمانات، لنسمع ضجيجا ولا نرى الطحين، ونكتشف أن أغلب قياداته ممن ليست لأى منهم أى خبرات ولا سوابق سياسية، لنعود ونكرر تجارب ثبت عدم نجاحها.


ربما كان على القائمين بالعملية أن يعترفوا أن الحياة السياسية والحزبية لم تصل بعد للنضج الذى يناسب نضوج الدولة باتجاه «الجمهورية الجديدة»، حيث لا حياة سياسية من دون فرز ومنافسة، ومواجهات وتفاعلات أشبه بالتفاعلات الكيميائية، وتنوع وتوسيع هامش المنافسة والمجال العام، بالرأى والرأى الآخر، كما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكان بالفعل يدفع نحو تنفيذ توصيات الحوار الوطنى، لكن الأمر فى كل الأحوال دخل فى «دهاليز» اللجان والمنبثقة، لنصل إلى طريق ليس هو الأنسب لواقع الجمهورية الجديدة.


من هنا فإن ما يجرى فى الواقع السياسى، هو نتيجة وليس سببا، لغياب الخيال وتكلس المسؤولين، وتصور الأحزاب الصغيرة أنها يمكن أن تكبر بالأمر الواقع، وليس بالمنافسة والمسابقة والتفاعل، وأى دارس للعلوم السياسية ببساطة، يعرف أن هذه الأحزاب والكيانات السياسية التى نشأت داخل حضّانات، لا يمكن أن تصمد أو تتعامل مع تحديات سياسية، وأن ترتيب اختيارات النواب وقبلهم الشيوخ، لا تناسب التحديات المفروضة، فالدول بحاجة إلى من يساندها ويفهم تحدياتها، وليس لمن تسنده أو يستفيد من قوتها.


الشاهد أن مصر تستحق ما هو أفضل من هذه الكيانات الورقية، أو المسؤولين العاجزين الذين ينتظرون من يسندهم، وعند أول اختبار تنهار هذه الكيانات بسهولة، بجانب أزمة تبدو أوضح من أن يظهرها أحد، بينما مصر تستحق ما هو أفضل.


مقال أكرم القصاص

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة