تستعد مصر لمواجهة موسم الأمطار والسيول، الذي يتزامن مع تصاعد وتيرة وشدة الظواهر الجوية المتطرفة نتيجة التغير المناخي العالمي، حيث رفعت وزارة الموارد المائية والري حالة الطوارئ القصوى ضمن استراتيجية لا تقتصر على درء أخطار السيول التدميرية وحماية الأرواح والممتلكات فحسب، بل تمتد لتحويل هذه الأمطار الغزيرة إلى مورد حيوي يدعم الأمن المائي ويضمن الاستقرار والتنمية للمجتمعات الصحراوية والبدوية وشحن الخزان الجوفى.
منظومة هندسية متكاملة للحماية وحصاد المياه
كشف الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، عن إنجاز قياسي في البنية التحتية للحماية من السيول، يهدف إلى تحقيق أهداف مزدوجة، الحماية من السيول وحصاد مياهها للاستفادة منها، حيث تكتسب هذه المشروعات أهمية قصوى كونها جزءًا أصيلًا من استراتيجية الدولة للتكيف مع التغيرات المناخية.
وتعتمد المنظومة على إقامة منشآت هندسية متقدمة في المحافظات الأكثر عرضة للخطر.
1600 منشأة للحماية من السيول
و في طفرة غير مسبوقة، تجاوز عدد المنشآت المنفذة لحماية البلاد حاجز 1648 منشأ في مختلف المحافظات المعرضة للسيول، وهذه الأرقام تعكس حجم العمل الميداني والاستثمار الموجه لدرء المخاطر عن البنية التحتية الحيوية، مثل الطرق وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز، وتأمين المدن والقرى. وتُعد هذه المنشآت بمثابة خط دفاع أول أمام السيول التي تندفع بسرعة قد تصل إلى 100 كيلومتر في الساعة.
قدرة تخزينية ضخمة 160 مليون متر مكعب
يظهر التركيز الجغرافي لأعمال الحماية وحصاد المياه استهدافًا دقيقًا للمحافظات ذات الطبيعة الصحراوية والجبلية، وتأتي في مقدمتها البحر الأحمر، وشمال وجنوب سيناء، ومطروح، وفي هذه المحافظات الأربع وحدها، بلغ عدد الأعمال الصناعية المنجزة 1363 منشأ، بطاقة استيعابية إجمالية تصل إلى 160 مليون متر مكعب من المياه.
وتكشف البيانات التفصيلية عن تباين في التوزيع الوظيفي والتخزيني فمحافظة جنوب سيناء حظيت بالنصيب الأكبر من السعة التخزينية، حيث بلغت 88 مليون متر مكعب عبر 510 أعمال، والبحر الأحمر جاءت في المرتبة التالية بسعة 54 مليون متر مكعب، و مرسى مطروح تميزت بكونها الأعلى من حيث عدد المنشآت المنفذة بـ 729 عملاً، بسعة تخزينية بلغت 5 ملايين متر مكعب.
و تتنوع هذه المنظومة الهندسية بين 81 سدًا، و67 بحيرة صناعية، و242 بحيرة جبلية، بالإضافة إلى 659 خزانًا أرضيًا و111 بئر نشو، وتهدف هذه المنشآت المتكاملة إلى تمكين المجتمعات البدوية من استخدام المياه المخزنة مباشرة، فضلاً عن تغذية الآبار الجوفية، مما يضمن استدامة مصدر المياه والاستقرار لهذه التجمعات.
خطط للتوسع والتأهيل وإدارة استباقية للمخاطر
لا تتوقف خطة وزارة الرى عند الإنجازات السابقة، بل تواصل العمل على توسعة القدرة الدفاعية للبلاد، فإلى جانب المنشآت المنجزة، يجري حاليًا إنشاء 53 عملاً صناعيًا جديدًا، تشمل 8 سدود، و 22 بحيرة صناعية، و 21 حاجزاً، بسعة تخزينية إجمالية تُقدر بـ 25 مليون متر مكعب. كما يتم تأهيل ورفع كفاءة 5 أعمال صناعية قائمة بسعة إجمالية تصل إلى 17 مليون متر مكعب، لضمان استمرارية فعاليتها في مواجهة السيناريوهات المناخية المتغيرة.
إلى جانب الإنشاءات الثابتة، تتبنى الوزارة خطة استباقية شاملة لمواجهة المخاطر، فقد شملت الاستعدادات المتابعة الدورية لأكثر من 336 كيلومترًا من مخرات السيول (119 مخرًا إجمالاً)، وتطهيرها بشكل مكثف لضمان تدفق المياه بأمان بعيداً عن المنشآت الحيوية، مع التعامل الفوري وإزالة أية تعديات على مجاري هذه المخرات.
أوضح المهندس محمد غانم المتحدث الرسمى باسم وزارة الموارد المائية والري أن أعمال الحماية من أخطار السيول تهدف إلى حماية المواطنين والمدن والقرى البدوية والمنشآت الإستراتيجية والطرق وأبراج وخطوط الكهرباء وخطوط الغاز من أخطار السيول، بالإضافة لحصاد مياه الأمطار وتجميعها في البحيرات الصناعية أمام سدود الحماية لاستخدامها بمعرفة التجمعات البدوية في المناطق المحيطة، وتوفير الاستقرار للتجمعات البدوية نتيجة تغذية الآبار الجوفية بما يضمن استدامة مصدر المياه.
أما بالنسبة للأمطار الداخلية يقوم مركز التنبؤ بالفيضان التابع للوزارة بدور محوري في هذه الإدارة الحديثة، حيث يعمل على رصد وتوقع أماكن وكميات هطول الأمطار قبل حدوثها بما لا تقل عن 3 أيام، و هذه البيانات بالغة الأهمية، إذ توفر بشكل فوري لكافة الوزارات والمحافظات والجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة، وتمكن هذه البيانات أيضًا من الاستفادة من مياه الأمطار في الدلتا ومعرفة كميتها، مما يساهم في تقليل كميات المياه المنصرفة من السد العالي ويزيد من كفاءة إدارة الموارد المائية في مصر، وفى القاهرة الكبرى تذهب مياه الأمطار إلى الصرف ومنها إلى محطات المعالجة للاستفادة منها.
جدير بالذكر أن هذه الجهود تؤكد أن مصر تتبنى استراتيجية متكاملة تعتمد على الهندسة المائية المتقدمة والتقنيات الحديثة، ليس فقط للحماية من الكوارث، بل لتحويل التحديات المناخية إلى فرص استراتيجية تدعم الأمن المائي والتنمية المستدامة للأجيال القادمة.