واضح أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يلتقط الكثير مما يطرح فى الأجواء بشكل متنوع، ويتابع وينصت إلى أصوات المصريين سواء على مواقع التواصل أو من خلال المتابعة لتقارير ومعلومات، ودائما ما يرجو المواطنون أن تكون الحكومة والجهات المختلفة على نفس الدرجة من الشعور بالمسؤولية، خاصة فى مرحلة شديدة التشابك والتعقيد، وخلال أسبوع واحد توجه الرئيس إلى الهيئة الوطنية للانتخابات ليطالبها بإعمال القانون والدستور وصلاحيتها، فيما يتعلق بالطعون والاعتراضات والصور والفيديوهات والشكاوى التى تتعلق بدوائر انتخابية، كان تدخل الرئيس مبنيا على واقع، بدأ مبكرا ربما مع تشكيلات وقوائم مجلس الشيوخ، ثم النواب، حيث تبقى قائمة واحدة أمرا لا تعبر عن تنوع الشعب ولا أحلام المواطنين، ومهما كانت عيوب النظام الفردى فهى أفضل من ترتيب قوائم متفق عيلها بين مصالح واموال وليس مصالح عامة.
وإذا كان هناك من يستعيد أيام طبخات الحزب الوطنى، ومن يطلقون عليهم «معلمين الانتخابات» فهى أيضا لم تكن تعبيرا عن الشعب ولكن عن محترفين فى الطبخ وتوريث المقاعد، ولم يكن المصريون يرضون بهذا، وهناك قضايا أمام المحاكم وأدلة على فساد هؤلاء والأموال التى تدفع، واستغلال النفوذ وغيرها، وانتقلت من حرس قديم إلى حرس جديد، وتكويش انتهت كما رأينا فى 25 يناير، ثم تكرر بشكل أكثر خطرا مع تنظيم الإخوان، لنصل الى 30 يونيو، وخلال مجلسين سابقين 2015- 2020ـ كانت هناك ظروف تفرض بعض الإجراءات والتفاصيل، سواء فترة محاربة الإرهاب أو بناء خطوط التنمية والاستقرار، والمشروعات الكبرى، والعاصمة الإدارية، حيث كانت هناك بعض الضرورات، التى لم تعد موجودة، وغاب مجلس الشيوخ وعاد قبل دورة واحدة.
وقد وصلنا إلى نقطة مهمة، استقرار إلى حد كبير، نجاح الدولة فى مواجهة تحديات كبرى إقليمية ودولية واقتصادية، تطلبت بعض القبول بحكومة أو برلمان يساعد ويدعم، حتى وصلنا إلى هذه المرحلة من «الجمهورية الجديدة» التى يتوقع فيها المواطن شكلا ومضمونا جديدا، وبرلمانا وحكومة تتناسب مع العاصمة الإدارية التى تمثل إرادة المصريين وطموحاتهم، ومدنا من الجيل الرابع، وطرقا وإنجازات فى الزراعة والصناعة والأنفاق تحت القناة وربط سيناء بالوادى والدلتا، كل هذا يتطلب أن نحافظ عليه وأن تكون هناك عقول تديره وقلوب تحافظ عليه، من أبناء الشعب المصرى الأكفاء المتعلمين الذين يمكنهم التنافس فى تولى المناصب، وليس اقتناصها أو التقاطها.
وهذا كله لا يتم من غير شعور بالانتماء إلى هذا العالم، ولا يمكن أن يتم هذا فى ظل تشكيل مجلس تشريع بهذا الشكل، وترك الأحاديث والتساؤلات عن دور للمال والنفوذ، وبعض من يتصدرون المشهد ليس لدى أى منهم سوابق عمل عام أو اهتمام، بل إن بعضهم هناك تساؤلات حول مصادر الثروة والوجود، وحتى اختيارات التعيين ربما لا تعبر عن المجتمع وطموحاته.
ربما تكون التفاصيل التى أحاطت بمجلس النواب كاشفة، وتدخل الرئيس لينقذ الصورة التى بدت كاشفة عن أخطاء وتدخلات ومخالفات تعكس توحشا وعدم اكتراث بالقانون، واستجابت الهيئة الوطنية وألغت الانتخابات فى 19 دائرة، من بين 70 دائرة فردية، ويبقى هناك الكثير التساؤلات وعلامات الاستفهام والتعجب من تشكيلات القائمة الواحدة، التى تضمنت 12 حزبا، وغاب عنها أكثر من 90 حزبا تقريبا.
والنتيجة أن كثيرين ممن يتصدرون الصورة ليسوا على مستوى الحدث ولا التحديات، وبعضهم وبعضهن غير قادرين على تلاوة قسم أو إدراك خطورة المكان الذى يحتلونه، بل ولا أحد يعرف كيف فازوا ووصلوا إلى هذا المكان المهم، وكل هذا تحمله رسائل الرئيس السيسى، وما وراء سطور رسائله للهيئة الوطنية، أو المؤسسات المختلفة حول أهمية اختيار قيادات وشباب يقودون المستقبل ويحملون المسؤولية، وهو ما نراه من استنزاف للكفاءات بالسفر أو التغييب، بينما يفترض أن يكون مجلس الشيوخ والنواب على دراية بمطالب المصريين بأغلبيتهم من الطبقة الوسطى فى الإسكان والتعليم والعلاج، بعيدا عن تجارة الكومباوندات والإسكان الفاخر المناسب لأقل من 1 % من الناس، بينما الأغلبية عاجزة ولا تجد ما يناسبها.
ونعود إلى ما يقال عن نقص الكفاءات ومن يتولون المناصب، يحتاج مراجعة، نفس الشباب والخريجين من تعليمنا الحكومى يسافرون إلى دول كبرى وبعد عملية تدريب أو معادلات بسيطة يتفوقون وينجحون بشكل كبير، لأن هذه الدول توفر تكافؤ الفرص، ومهما كان فالدول المتقدمة تتيح منافسة فى الوصول للمناصب والوظائف بالكفاءة، وهو ما نحتاجه لنضمن الاختيار الأفضل، وحتى تجاربنا فى النقابات والنوادى التى تتم فيها المنافسة تتيح فرزا، ويمكن للناخب تعديل اختياره فى حال أخطأ، وهو ما يفترض أن يكون فى حال توافر الحد الأدنى من الشروط والتكافؤ ينزل المواطن، وغير ذلك فهو يعطيهم ظهره، وهو أمر ليس صحيا أبدا.
