فى حوار صريح ومباشر، كشف الدكتور هانى إبراهيم، الأمين العام لـ المجلس القومى لحقوق الإنسان، عن كواليس وتفاصيل رحلة المجلس فى الحفاظ على تصنيفه الدولى (أ)، والتحديات التى واجهها خلال الفترة الماضية، ورؤيته الطموحة للمستقبل.
يتناول الحوار أسباب التراجع المحتمل، خطط المجلس لزيارة مراكز الإصلاح والتأهيل، التعديلات المقترحة على القانون، وأهمية الحفاظ على استقلالية المجلس وفاعليته كآلية وطنية لتعزيز حقوق الإنسان فى مصر.
ما أهمية الحصول أو الحفاظ على التصنيف (أ) للمجلس القومى لحقوق الإنسان؟
التصنيف (أ) هو أعلى اعتماد تمنحه لجنة التحالف العالمى للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس، ويؤكد استقلالية وكفاءة المجلس، فقدانه كان سيمنعنا من المشاركة الفعّالة فى اجتماعات الأمم المتحدة وتقديم تقاريرنا لآلياتها، وبالأخص فى المراجعة الدورية الشاملة (UPR)، ما يعنى غياب صوت متوازن فى مسار الإصلاح الحقوقى، لذلك كان الحفاظ على التصنيف دفاعًا عن دور المجلس داخليًا وخارجيًا.
وما تأثير ذلك على الدولة؟
فقدان التصنيف يرسل إشارة سلبية عن الوضع الحقوقى فى الدولة ويضعف صورتها دوليًا، كما يعرقل دور المجلس كحلقة وصل موثوقة بين الدولة والمجتمع، خصوصًا فى المحافل الدولية، حصول المجلس على التصنيف يعكس تحسنًا فى حالة حقوق الإنسان ومسارًا إصلاحيًا جادًا، ويؤكد وجود جهة وطنية يمكن الاعتماد عليها فى ملفات مهمة مثل الحوار الوطنى والعفو الرئاسى.
منذ متى والمجلس يحتفظ بهذا التصنيف؟
المجلس بدأ بتصنيف (ب) لمدة ستة أشهر تقريبًا بعد تأسيسه، ثم ارتقى إلى (أ) فى عهد الدكتور بطرس غالى بين 2004 و2010. وبعد ثورة يناير تأجل التصنيف لسنوات حتى عاد فى 2018 وحصل على (أ) مجددًا فى عهد محمد فايق، ويتم التقييم كل خمس سنوات، وفى 2023 خضعنا لمعايير جديدة كشفت بعض التحديات، وصدر اقتراح بخفض التصنيف إلى (ب) فى أكتوبر 2024، لكننا نجحنا فى الحفاظ عليه وإعادة المجلس لمساره الذى يعكس قوة الدولة المصرية.
من المهم أن نسأل عن أسباب هذا التراجع؟
التراجع مرتبط أساسًا بتغير معايير التصنيف بعد 2017، إذ أصبحت أكثر دقة وتشددًا وفق المذكرة الإيضاحية لمبادئ باريس، ما كان مقبولًا سابقًا - مثل وجود عضو ذى نشاط سياسى - صار يُعد تضارب مصالح بعد 2018، كما أصبحت شروط اختيار الأعضاء أكثر وضوحًا، ومع تقييم 2023 استخدمت اللجنة «قائمة فحص» صارمة لم تتوافر فيها عدة شروط، كذلك وُجهت ملاحظات لقانون 2017 وبعض تعديلاته التى أثرت على استقلالية المجلس، خصوصًا اشتراط موافقة البرلمان على التمويل، إضافة إلى ملاحظات تتعلق بطريقة تشكيل المجلس وتراجع فاعليته فى التعامل مع الآليات الدولية خلال 2022 و2023.
وما سبب هذا الانحصار؟
الانحصار نتج عن عدة عوامل؛ أهمها أن ملف التعاون الدولى لم يحظَ بالاهتمام الكافى فى تلك الفترة، ما أدى إلى تراجع حضور المجلس خارجيًا، إضافة إلى التركيز على قضايا لم تُشرك فيها منظمات المجتمع المدنى بما يكفى، وهو ما قلل من فاعلية العمل المشترك، كما ظهر تراجع مهنى فى إدارة صورة المجلس، وضعف نشاط الموقع الإلكترونى، وعدم وضوح آلية التعامل الإعلامى، إلى جانب ذلك، كانت هناك تحديات داخلية وتشريعية، خصوصًا ما يتعلق بقانون 2017 الذى أثر على بيئة العمل داخل المجلس.
هناك ادعاء بأن القانون لا يمكن المجلس من زيارة مراكز الاحتجاز إلا بإذن مسبق، ما حقيقة ذلك؟
هذا الادعاء غير صحيح، وقد انتشر لأنه لم يجرِ توضيحه بشكل كافٍ، القانون يمنح المجلس حق زيارة أى سجن أو مكان احتجاز فى أى وقت دون إخطار أو إذن مسبق، والنص واضح وصريح، أما على مستوى التطبيق، فهناك عوامل تحكم العملية: قناعة القائمين عليها بأهميتها، ومستوى الثقة المتبادل، وضرورة اتخاذ إجراءات احترازية لحماية وفد الزيارة داخل أماكن قد تضم أفرادًا لهم أوضاع مختلفة، هذه الإجراءات لا تعنى طلب إذن مسبق، بل هى ترتيبات أمنية لا علاقة لها بمبدأ الإخطار.
هل لديكم خطة لزيارات السجون؟ وهل تتحركون بناءً على شكاوى معينة؟
أشكرك على هذا السؤال، المجلس القومى لديه خطة عمل واضحة لعام 2026 لزيارات محددة لبعض مراكز الإصلاح والتأهيل التى قد تحتاج إلى قدر من الاهتمام.
كيف حددتم هذه المراكز؟ وكم عددها؟
اعتمدنا فى تحديد المراكز على الشكاوى الواردة من بعض الأفراد، إضافة إلى ما يصل عبر آلية الشكاوى الرسمية، والتى تُعامل دائمًا كحالات ادعاء تحتاج إلى تحقق، لذلك وضعنا خطة واضحة لعام 2026 لزيارة هذه المراكز، تشمل 3 مواقع أساسية قابلة للزيادة إلى خمسة أو ستة، كما نتوقع افتتاح مراكز إصلاح وتأهيل جديدة خلال 2026 ضمن خطة الدولة لاستبدال السجون القديمة، وستدخل بدورها فى برنامج الزيارات، المجلس سيقوم بمتابعتها للتأكد من توافقها مع المعايير المطبقة فى المراكز التى زرناها سابقًا، مثل العاشر ووادى النطرون وبدر، والتى شهدنا فيها مستوى جيدًا من الرعاية والخدمات التعليمية والمهنية.
كان من ضمن الملاحظات الواردة فى تقرير لجنة الاعتماد عدم انتظام إصدار التقارير السنوية، ماذا حدث فى هذا الموضوع؟
الحمد لله، عاد إصدار التقارير السنوية إلى انتظامه، والتقرير الحالى انتهينا منه بالفعل، لكننا نعمل أيضًا على رفع المستوى المهنى للتقارير؛ فالشكل التقليدى الذى كان يُصدر منذ 2004 لم يعد مناسبًا مع تطور أدوات العرض المرئى وصحافة البيانات، التقارير القديمة كانت جامدة وبشكل نمطى، غلاف بسيط ومحتوى مكتظ بالمعلومات، لذلك نعيد تطوير شكل التقارير لتصبح أوضح وأكثر تفاعلًا مع القارئ والمعايير الحديثة.
وما الجديد الذى ستقدمونه فى التقرير؟
الجديد أننا سنصدر التقرير بصيغة مرئية متطورة تتضمن إنفوجرافيك يوضح تطور الأنشطة، ونِسب الشكاوى، وجهات الاستجابة، وحجم الإنجازات، إضافة إلى توصيات واضحة للدولة فى مسار الإصلاح الحقوقى، وسيضم التقرير فصلًا خاصًا برصد الحالات التى تستدعى تدقيقًا أو توضيحًا من الجهات المختصة.
التجديد لا يقتصر على الشكل والمحتوى فقط، بل يشمل طريقة الطرح أيضًا؛ إذ اتفق المجلس على عقد مؤتمر دولى لإطلاق التقرير، يتبعه ورش عمل تناقش أبرز موضوعاته، لضمان تحويله من وثيقة مقروءة إلى خطوات عملية.
ما هى التحديات التى تواجهكم بشكل عام ، بعيدًا عن التصنيف وعن كل ذلك؟
بعيدًا عن موضوع التصنيف، التحدى الأكبر هو حجم التوقعات من المجلس، فالمجتمع ينتظر منه استجابة واسعة لكل أنواع الشكاوى، من قضايا مراكز الاحتجاز إلى مشكلات الترقى والخدمات، كما تتوقع الأحزاب دورًا أكبر فى الانتخابات والتوعية ونزاهة العملية الانتخابية، وهذا يضع المجلس أمام معادلة صعبة: تلبية هذه التوقعات دون تجاوز حدود صلاحياته القانونية.
التحدى الثانى هو إدارة علاقة مهنية ومتوازنة مع المؤسسات الدولية؛ فالرد بموضوعية على الادعاءات مع توضيح الحقائق قد يُفهم أحيانًا على أنه نقص فى الاستقلالية.
أما التحدى الثالث فيتعلق بحدود المسؤوليات مقارنة بالموارد المتاحة؛ فالمجلس لم يضم موظفين جدد منذ 2014، وتراجع التدريب لفترة طويلة، ما يؤثر على قدرته التنفيذية.
والتحدى الرابع هو مواكبة التطور التكنولوجى والذكاء الاصطناعى وما يفرضه من قضايا جديدة تخص الخصوصية والتواصل، مع السؤال الأهم: هل يملك المجلس ما يكفى من خبرات ومعرفة للقيام بدور استشارى ورقابى فى هذه الملفات المستحدثة؟
وبالنسبة للتصنيف، ما هى التحديات التى واجهتكم فى رحلتكم؟
التحدى فى التصنيف كان عدم وضوح آلية رد المجلس على لجنة التصنيف وغياب خطة عمل واضحة. بدأ التوجه يتضح مع تشكيل فريق عمل فى مارس الماضى برئاسة السفير محمود كارم وعضوية محمد أنور السادات، وقاد المحامى سعيد عبد الحافظ إعداد التقرير والملفات المطلوبة، بانضمامى وفريق متميز من المجلس، أصبح مسار العمل واضحًا، وتمكنّا بفضل ثقة مؤسسات الدولة من إنقاذ التصنيف والحفاظ عليه.
ما التعديلات التى طرحتوها على قانون المجلس؟
التعديلات المقترحة على قانون المجلس تشمل توسيع تشكيله ليضم الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، واعتماد آلية اختيار شفافة للأعضاء تحددها مرجعية مجلس النواب، ومنح المجلس صلاحية الموافقة على المنح الخارجية بدلًا من البرلمان، وتوضيح آليات الرصد والمتابعة لحقوق الإنسان. كما اقترحنا إعادة هيكلة اللجان الـ11 إلى ثلاث لجان رئيسية وفق العهدين الدوليين ولجنة للتشريع، وتطوير الهيكل الوظيفى للأمانة العامة بنظام إدارات يضمن مسارًا وظيفيًا واضحًا ويزيد الفاعلية.
هل طلبتم حصانة للأعضاء بالتعديلات المطروحة على التشريع؟
طلبنا نوعًا من الحصانة تحت ما يسمى بـ«الحماية القانونية» للأعضاء والعاملين فى المجلس أثناء تأديتهم لمهامهم المكلفين بها من قبل القانون.
ما شكل هذه الحصانة؟
المحتوى القانونى مصاغ بطريقة أكثر من رائعة، تعطى أعضاء المجلس والعاملين به حماية قانونية توازى حماية العاملين فى السلك القضائى والقانونى ومؤسسات إنفاذ القانون أثناء تأديتهم لمهامهم فى سواء عملية رصد انتهاكات حقوقية أو زيارات ميدانية أو عمل. وهذا يعكس نوعًا من الاهتمام بأن يستشعر العضو فى المجلس أو يستشعر العامل فى المجلس أن فى مظلة قانونية تحميه.
لكن مظلة الحماية القانونية تشمل كل المواطنين.. ما المختلف هنا؟
بالطبع، الحماية القانونية تشمل جميع المواطنين، لكن هذه حماية لطبيعة العمل فى المجال الحقوقى، تحتاج صياغة دقيقة ومعقدة جدًا، وتم التشاور فيها مع عدة أطراف من أجل الوصول إلى صياغة قوية وواضحة.
.jpg)
حوار الدكتور هانى إبراهيم الأمين العام للمجلس القومى لحقوق الإنسان
.jpg)
حوار الدكتور هانى إبراهيم الأمين العام للمجلس القومى لحقوق الإنسان
