دائما ما يضع الرئيس السيسى يده على نقاط مهمة ويطرح تساؤلات منطقية تتعلق ببناء الجمهورية الجديدة، وخلال حواره التفاعلى مع طلاب أكاديمية الشرطة طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى عددا من النقاط المهمة حول اختيارات المسؤولين والممثلين للمجتمع، سواء فى البرلمان أو فى المناصب والمواقع المختلفة وقال الرئيس «إننا نواجه تحديات كبيرة على كل المستويات، ولا بد من اختيار ممثلين فى البرلمان بدرجة عالية من الوعى، قائلا: فكروا 100 مرة قبل اختيار من يمثلكم فى البرلمان، وكشف عن الاتجاه لإنشاء مدينة إعلامية لا مثيل لها خلال 3 سنوات»، واستطرد: أنا هبقى عملت إيه، عملت المنشآت يتبقى البنى آدم، اللى بيعمل البنى آدم مش المنشآت. «وفى مكان آخر قال الرئيس»، عاوزين تقولولى البلد اللى فيها 60 مليون شاب منقدرش نطلع منها 6 آلاف لاعب كورة زى محمد صلاح.. البلد دى ممكن تتغير بمعدلات أسرع من كدة بكتير، بس هتبقى دايما مشكلتنا هتبقى فى اختيار الإنسان، وزير أو لعيب كورة، لو اخترناه كويس وجهزناه كويس هيبقى كويس».
ليست المرة الأولى التى يتحدث فيها الرئيس السيسى عن الكفاءات، والواقع أن حديث الرئيس يتعامل مع ظاهرة يطرحها بعض المسؤولين، باعتبار أنه بالرغم من التعليم المستمر فهناك نقص فى الكفاءات أو من يتولون المناصب، وهى رؤية تتطلب مراجعة لأن نفس الشباب والخريجين من تعليمنا يسافرون إلى دول كبرى وبعد عملية تدريب أو معادلات بسيطة يتفوقون وينجحون بشكل كبير، وهناك نماذج لشباب تعلموا فى مدارس حكومية وجامعات عامة وسافروا وبعضهم قدموا بحوثا ودراسات وحصلوا على جوائز، نفس الأمر فيما يتعلق بالمناصب عندما يكون هناك اختيار بناء على الكفاءة يصبح الأمر واضحا ويمكن فرز من يتحمل المسؤولية.
وهنا نعود إلى أهم مبدأ من مبادئ الفرز وهو تكافؤ الفرص، والتعامل من خلال الكفاءة وليس القرب أو البعد، والاعتماد على المؤهلات والكفاءة وليس الولاء فقط، لأن الاختيارات فى المثير من الأمور تتم بناء على علاقات أو مصالح وتفتقد إلى الموضوعية والتوازن وأن تتم عمليات التقييم لاختيار الأصلح وليس الأكثر اقترابا وهو ما يفترض أن يرتبط بالمؤهلات والقدرات والدراسة والمعرفة والثقافة وهو ما يدخل فى بناء الإنسان، العنصر الذى يفرض نفسه على المناقشات والتوجيهات والتكليفات للحكومة بالعمل تجاه بناء الإنسان فى التعليم والصحة والتثقيف وباقى التفاصيل .
والواقع أن هناك بعض الأقوال المهمة لنجوم الكرة والفن، أن شيوع الواسطة والمحسوبية يجعل الاختيارات صعبة ويطرد أصحاب الكفاءة لصالح العلاقات والواسطة، وقبل أيام وكشف اللاعب شيكابالا أن أزمة الكرة أنها أصبحت ترتبط بالاستثمار وأن الطفل اللى أبوه غلبان لن يمكنه اللعب لأن النوادى ومدارس الكرة تحصل على مقابل وأن من يدفع لابنه هو من يلعب، وقد وضع شيكابالا يده على أهم نقاط أزمات الكرة، وهى أمور معروفة وتسود مدارس الكرة حيث يفرض الكبار أبناءهم بالنفوذ فيكونوا لاعبين جيدين لكن ليس بالمواهب الطاغية لأمثال صلاح أو غيره.
ولا يمكن تجاهل ما يجرى على مدى عقود من توريث الفن بين الفنانين وأبنائهم ويحدث فى الجامعة والقضاء وغيرهما، وهو أمر معروف ويمنع الموهوبين من الوصول لصالح أنصاف الموهوبين أو من يمتلكون نفوذا يسندهم، ويجب أن نعترف بهذا إذا كنا نريد بالفعل مواجهة هذا النوع من المشكلات وأن نسمح للكفاءة والموهبة ونعترف أن بعض من حصلوا على مجانيّة التعليم والفرص للترقى والمناصب الجامعية والمهمة حجبوها عن غيرهم لصالح الأبناء وهو ما أدى إلى تجريف الكفاءة فى الكثير من الأحوال، وهذه الأمور معروفة على مدى عقود وهى التى تطيح بالكفاءة والموهبة لصالح النفوذ أو المال.
وقد يرد أحدهم ليقول أن ابن اللاعب أو ابن النجم أو رجل القانون من حقه أن يمثل أو يلعب، أو يشغل منصبا قضائيا، وهو كلام حق يراد به باطل، فالواقع أن مصر لم تشهد هذا الكم من توارث الفن أو اللعب والمناصب القانونية المهمة مثلما هو فى العقود الثلاثة الأخيرة، ولا مانع من أن يكون هذا الابن خلف والده لو كانت لديه مواهب لكن الكثير من وارثى الفن واللعب والمناصب ليسوا على أى مستوى ولا يعملون إلا بالضغط والمحسوبية، وعلينا أن نعترف بوجود هذا إذا كنا نريد التعامل مع أزمات وواقع، ونعود لنؤكد أن الشباب نفسه الذى يستبعد فى الداخل ينجح بالخارج ويتفوق بما يؤكد أن العيب فى الاختيار ومنظومات العامل التى يفترض أن نقوم بها.
وأعود دائما إلى الحوار الوطنى وتوصياته فيما يتعلق لمفوضية مكافحة التمييز، والتى من مهامها ضمان تكافؤ الفرص بين الشباب والمتقدمين للوظائف، لأن تكافؤ الفرص هو الطريق لوقف أى مشاعر إحباط أو قنوط، تدفع الشباب للهجرة بما يشكل نزيف عقول نستمر، وهؤلاء يتفوقون ويتميزون بالخارج والدول المتقدمة التى توفر تكافؤ الفرص ولا تخضع المواقع فيها للمحسوبية أو الواسطة وهذا هو أهم مبدأ، أن يتوقف أى تمييز بين المواطنين وهنا يبدو الأمر أكثر وضوحا وعدالة.
ونفس الأمر فى الدعوة لاختيار الأصلح بين المرشحين، وهى دعوة مهمة لكن الواقع يقول إن كثيرين من الأصلح لم يتمكنوا من خوض الانتخابات لأسباب مالية أو نفوذ، وهو ما يعتبر نوعا من سرقة الإرادة، وهى أمور معروفة وتحتاج إلى طرحها ومناقشتها بوضوح وشفافية إذا كانت هناك رغبة للإصلاح، والاتجاه لبناء دولة ديموقراطية حديثة ومتقدمة.
