عصام محمد عبد القادر

مودة ما بعد الزواج

الخميس، 20 نوفمبر 2025 03:00 م


استمرارية العلاقة الزوجية، وبقاء العلاقة الدافئة بين الزوجين، يُعد رهانٌ رابحٌ؛ لكنه يتوقف على الفهم العميق لطبيعة الحياة الزوجية، ومتطلبات نجاحها، من كلا الطرفين، وهذا ما يدعونا إلى ضرورة التأكيد على أن ماهية الحب الحقيقي المنبعثة من خلجاتِ قلوبٍ حسمت أمرها منذ اللحظة الأولى؛ حيث اعتمادها على الأخلاق وعُقِدت النوايا؛ من أجل بذل أقصى ما في الجهد؛ لتسير سفينة العطاء دون توقف، أو وفق هوى الحسابات الضيقة، أو في خضم فلسفة المصالح الخاصة، وهنا نقف على عتبة غاية في الأهمية، تتمثل في نضج المقدرة على التحمل، استنادًا إلى مبدأ المسؤولية، بما لا ينال من كرامة الإنسان، أو يقلل من مقداره، أو يهين آدميته؛ حيث استحالة العشرة.

نضج العلاقة الزوجية يقوم على معنى المودة، التي ترتبط بالوجدان؛ حيث نرصدها بوضوح في صور الاحترام المتبادل بينهما، ونراها جليًا في تقدير كل طرف لمشاعر الآخر، واحتوائه وبذل ما في الوسع من أجل تعزيز خصوصيته؛ فلا يسمح بأن ينال أحد منها، أو يتعدى عليها بأي شكل من الأشكال؛ إنها حالة من الولاء والانتماء لحضن الأسرة الدافئة، وهنا نصل لأسس الحب غير المشروط، الذي نكشفه في الراحة أثناء الضجيج، وفي الأمان وسط العويل، وفي الطمأنينة عند طوفان العواصف، ولا مبرر لذلك إلا توافر قدر من الاحتواء، يشعل العاطفة، ويزيد من قوة البنيان، ويُعلي من شعلة الطاقة لدى الإنسان.

ماهية المودة الوظيفية تترجمها الكلمة الطيبة، الحاملة في نسيج حروفها حسن التقدير والامتنان؛ ليس هذا فقط، بل، تراقب ابتسامة تعبر عن حنية وحنين، ترمما مرارة الأحداث، وتعيدا للمزاج اعتداله، وتخرجا الفرد من حالة الفتور والتعب، إلى واحة النشاط واليقظة؛ لذا نود أن نتبادل الكلمات التي تحدث في النفوس أثرًا إيجابيًا، وتردم فجوات تفاصيل الحياة الضاغطة؛ كي لا نستنزف أو نستهلك في خضم مجريات توترات لا تنتهي؛ فما أجمل من أن نتشارك لننجز أعمال بعضنا البعض، وما أرقى من صورة العيش البسيط، التي تراه أعينُ المحب لحبيبه في قربه ودنوه منه.

ما أجمل المودة الجاذبة للأرواح، المغلفة في رقي التسامح، الدال على القوة، والمبرهنة عن المحبة، القادرة على تخفيف حالة الاحتقان النفسي، البديعة في إحداث نوعٌ من التوازن لدى الطرفين، الفاعلةُ في تعزيز السكينة؛ فهي بمثابة جسر للتفاهم، وخير شاهد على ذلك ما نسمعه من خالص الدعوات الطيبة الناطقة بها الألسن والقانعة بها القلوب، وعلى أثرها نحصد التوفيق، والسداد، وبركة العمل والرزق؛ إنها صورة من صور الرحمة، لمائدة الأسرة المستقرة، المذيبة لجليد التوتر، والحافظة لكيان يقوى وينمو، ما دامت العلاقة قائمة.

مودة ما بعد الزواج نؤكدها عبر بوابة الممارسات الحياتية؛ فهناك أحاديث تدار، يتوجب أن نصغى لها، ولا نتعجل سبيل إصدار الأحكام؛ فالأمر يحتاج أن نعترف بالخطأ، ونتقبل الاعتذار؛ لتصبح ثقافة التقويم قائمة؛ ومن ثم نجد الصفاء يتمدد ليشفي الآلام، ويغلق جراحًا قديمة، ويوصد بوابة الخلافات، ويمنع الأحاديث الصاخبة المسببة لتأجيج الخلاف والفراق، وما نود الإشارة إليه هو وصول سفينة الوطن لواحة الأمان، وتجاوز ذكرى مؤلمة، وتعزيز لمقومات الحب، رغم نَصَبِ الأيام وقسوةِ أحداثها.

شعور السكينة المتأتي من بوابة المودة، يقوم على التخلص من حالة الاغتراب، بين الزوجين؛ إذ لا مكانَ للغةِ الصمتِ المولِّدةِ للعزلة، المؤثرة سلبًا على الوجدان، المُقوِّضة للأمل والتطلع واستشراف المستقبل؛ لذا نرغب في تواصل فعال على مدار اللحظة، وهنا نحاول بكل ما أوتينا من قوة أن نغذي الإحساس بالانتماء، عبر إشعار الآخر بأنه محبوب ومقبول؛ كي لا نحفر فجوات عاطفية بقصد أو دون قصد، ولا مناص من تعظيم لغة التعاطف بين الطرفين؛ كي يستعيدا الأمانَ النفسيَّ، ويتخلصا من مسببات الانفصال الداخلي، ويبددا الشعور بالغربة المغلفة لسجايا النفس؛ ليتوافقا على تعزيز الألفة، والحب الخالص، والود القائم على نقاء النية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب