كنوز توت عنخ آمون.. رحلة الفرعون الذهبي من وادي الملوك إلى المتحف الكبير

الأحد، 02 نوفمبر 2025 03:00 ص
كنوز توت عنخ آمون.. رحلة الفرعون الذهبي من وادي الملوك إلى المتحف الكبير الملك الذهبي توت عنخ آمون

محمد عبد الرحمن

في الرابع من نوفمبر عام 1922، وقف عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر أمام أول درجة من السلم المؤدي إلى مقبرة مجهولة في وادي الملوك بالبر الغربي للأقصر. لم يكن يدري حينها أنه على وشك أن يفتح صفحة جديدة في تاريخ علم الآثار العالمي. وبعد أيام قليلة، كانت المقبرة التي تحمل الرقم (KV62) تُفتح لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، لتكشف عن كنوز الملك توت عنخ آمون، الفرعون الشاب الذي حكم مصر في نهاية الأسرة الثامنة عشرة، ومات في نحو التاسعة عشرة من عمره.

مشهد الكشف عن المقبرة كان حدثًا استثنائيًا دوّى صداه في العالم كله؛ فالتوابيت الذهبية، والأقنعة المزخرفة، والمجوهرات النفيسة، والعجلات الحربية، والمقاصير المزينة بالنقوش — كلها كانت في حالة شبه كاملة من الحفظ، لتصبح أكبر وأشهر اكتشاف أثري في القرن العشرين.

 

من وادي الملوك إلى التحرير

منذ لحظة اكتشاف المقبرة، بدأت رحلة طويلة امتدت لعشر سنوات لاستخراج محتوياتها تحت إشراف كارتر. فكان كل صندوق يُفتح بدقة متناهية، وكل قطعة تُسجل وتُرسم وتُصور قبل أن تُنقل بعناية عبر النيل من الأقصر إلى القاهرة.

في ذلك الوقت، كان المتحف المصري بالتحرير قد افتتح حديثًا عام 1902، ليصبح أول متحف من نوعه في الشرق الأوسط. ومع وصول أولى مقتنيات توت عنخ آمون إليه، أصبح قبلةً لعشّاق الحضارة المصرية من كل أنحاء العالم، إذ لم يكن هناك ما يضاهي بريق القناع الذهبي للملك الشاب الذي صار أيقونة للهوية المصرية.

على مدى قرنٍ كامل، ظلت المجموعة الملكية تعرض في قاعات المتحف المطلّة على ميدان التحرير، حيث كانت تضم نحو 1300 قطعة أثرية من إجمالي أكثر من 5000 قطعة اكتُشفت داخل المقبرة. وكان المتحف يشهد يوميًا زيارات ملوك ورؤساء وشخصيات عالمية، حرصوا على التقاط صورهم أمام القناع الذهبي أو كرسي العرش أو العجلات الحربية التي خلدت اسم الفرعون الصغير.

 

رحلة ثانية بعد قرن من الاكتشاف

ومع بداية الألفية الثالثة، وظهور مشروع المتحف المصري الكبير على هضبة الأهرام، بدأ التفكير في نقل مجموعة توت عنخ آمون إلى مقرها الجديد، ليُعرض لأول مرة المجموعة الكاملة في مكان واحد.
كانت الرحلة الثانية للفرعون الذهبي أكثر تعقيدًا من الأولى، إذ تطلبت تجهيزات علمية ولوجستية دقيقة لضمان سلامة القطع الأثرية أثناء النقل والترميم.

بدأت أولى مراحل النقل في عام 2019، حين تم نقل التوابيت الملكية الثلاثة من مقبرة الملك بالأقصر إلى مركز الترميم العالمي داخل المتحف المصري الكبير — وهو الأكبر من نوعه في العالم — حيث خضعت لعمليات ترميم دقيقة استمرت شهورًا تحت إشراف فريق مصري متخصص.

وفي عام 2021، تواصلت مراحل النقل بنقل المقاصير الذهبية الضخمة واحدة تلو الأخرى في رحلات محكمة التأمين من المتحف المصري بالتحرير إلى الجيزة، وسط إجراءات أمنية وعلمية مشددة. ثم تبع ذلك نقل بقية المقتنيات — من العجلات الحربية والأسلحة والمجوهرات والكراسي الملكية — حتى استقرت المجموعة بالكامل في مخازن العرض المخصصة داخل المتحف الكبير.

 

الوداع الملكي

وفي 19 أكتوبر 2025، شهد المتحف المصري بالتحرير الظهور الأخير لقناع توت عنخ آمون الذهبي قبل مغادرته إلى المتحف الكبير. أقيمت حينها فعالية مؤثرة حملت عنوان "الوداع الملكي: نهاية حقبة وبداية رحلة أسطورية"، أعلن فيها المتحف رسميًا انتقال الفرعون الذهبي إلى مقره الجديد، بعد أن ظلّ رمزًا للمتحف العريق لأكثر من مئة عام.

تزامن ذلك مع حملة رقمية أطلقتها وزارة السياحة والآثار عبر منصات التواصل الاجتماعي بعنوان "سنوات من العرض الملكي بالمتحف المصري بالتحرير". واستعرضت الحملة عبر صور نادرة مراحل عرض المجموعة على مدى قرن من الزمن، منذ نقلها من الأقصر إلى القاهرة وحتى لحظة رحيلها إلى المتحف الكبير.

 

مقر أبدي على أعتاب الأهرامات

اليوم، ومع افتتاح المتحف المصري الكبير، تستقر كنوز الملك توت عنخ آمون في قاعات عرض حديثة صُمّمت خصيصًا لتعيد رسم ملامح عصره بكل تفاصيله. المجموعة التي تضم 5398 قطعة أثرية تُعرض للمرة الأولى كاملة في مكان واحد، داخل قاعات مزودة بأحدث تقنيات العرض والإضاءة والتحكم في درجات الحرارة والرطوبة، لتروي قصة الفرعون الصغير كما لم تُروَ من قبل.

وتتصدر القاعة الكبرى القناع الذهبي الشهير، تحيط به المقاصير والعجلات الحربية والأثاث الملكي والحُلي والأسلحة، في سرد بصري متكامل يضع الزائر وجهًا لوجه مع ملامح الحياة والموت في مصر القديمة.

بعد رحلة امتدت أكثر من ثلاثة آلاف عام تحت الرمال، ثم مئة عام من العرض في التحرير، وعدة أعوام من النقل والترميم، يصل الملك توت عنخ آمون إلى متحفه الأبدي على أعتاب الأهرامات، ليُعيد سرد أعظم قصة اكتشاف أثري في التاريخ الحديث، ويمنح زوار المتحف تجربة لا مثيل لها تجمع بين سحر الماضي وروعة الحاضر.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة