حراس الكنوز الصامتة داخل مخازن المتحف المصري الكبير

الأحد، 02 نوفمبر 2025 05:00 ص
حراس الكنوز الصامتة داخل مخازن المتحف المصري الكبير المتحف المصري الكبير

أحمد منصور

داخل المتحف المصري الكبير، لا تقف الحكاية عند حدود القاعات المفتوحة للزوار، بل تمتد إلى عالم سرى لا يسمح بالدخول إليه إلا للمتخصصين والخبراء، عالم المخازن الأثرية العمود الفقري لعملية حفظ وصيانة تراث مصر القديمة، فنجد خلف الجدران المحكمة والأبواب المؤمنة بأحدث أنظمة الحماية، ترقد أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمثل خلاصة التاريخ المصري عبر آلاف السنين، تخضع لعمليات حفظ دقيقة تدار وفق أعلى المعايير الدولية.

مخازن المتحف المصري الكبير ليست مجرد أماكن للتخزين، بل أشبه بمؤسسة علمية متكاملة تديرها أياد خبيرة وعيون لا تنام يطلق عليهم حراس الحضارة المصرية القديمة أو حفظة التاريخ، هدفها الأسمى حماية كنوز الإنسانية وصون الذاكرة المصرية من عبث الزمن.

ويتسلم أمناء المخازن القطع الأثرية بعد عبورها من مركز الترميم بالمتحف المصري الكبير أكبر مركز متخصص في ترميم الآثار المصرية القديمة في العالم، إذ يعمل وفق آليات معتمدة دوليًا بدءًا من استقبال القطعة الأثرية وحتى عودتها إلى قاعات العرض في حالتها المثالية، ويتبع المركز منظومة دقيقة تشمل الفحص بالأشعة، التحليل الكيميائي، وتوثيق كل أثر على حدة قبل نقله إلى المخازن الخاصة به.

ويضم المتحف ستة مخازن رئيسية تم تقسيمها وفقًا للفترات التاريخية وخامات القطع مخزن "الدولة القديمة، والدولة الوسطى، والدولة الحديثة، ومخزنان مخصصان لكنوز الملك الذهبى توت عنخ آمون، ومخزن للآثار الثقيلة"، وجميعًا مجهزة بأحدث نظم التحكم في الحرارة والرطوبة والإنذار المبكر ضد الحرائق.

رحلة نقل طويلة بدأت قبل 15 عامًا

بدأت عملية نقل الآثار إلى هذه المخازن عام 2010، حيث جرى تصنيف القطع بحسب خامتها وفترتها الزمنية، في عملية دقيقة أشبه بعملية جراحية للتراث، لكن المشروع توقف خلال أحداث 25 يناير 2011، ثم تم استئناف العمل بكامل طاقته عام 2014 ليستكمل حتى اليوم، حيث تم نقل ما يقرب من 100 ألف قطعة أثرية تمثل محتويات المتحف عند افتتاحه الكامل، وكانت أولى الدفعات نحو 11 ألف قطعة، ثم تتابعت عمليات النقل وفق خطة تضمن الحفاظ على سلامة كل قطعة خلال الرحلة.

التخزين عرض متحفي من نوع آخر

المثير في الأمر أن القطع الأثرية داخل المخازن لا يتم وضعها عشوائيًا كما قد يتصور البعض، بل ترتب وفق سيناريو عرض متحفي يجعلها شبه معروضة بالفعل.

كل قطعة تحمل رقمًا تسلسليًا خاصًا بها، وصورة موثقة، وتقريرًا يشرح حالتها وتاريخ ترميمها، بحيث يمكن الوصول إليها إلكترونيًا في أي وقت عبر قاعدة بيانات متكاملة.

ويقول أحد الأمناء بالمخازن، كل أثر هنا له هويته الخاصة، رقم وبطاقة وصورة، كأنه إنسان له سيرة ذاتية محفوظة بدقة، وبأحدث الطرق العلمية الحديثة والمعترف بها دوليًا".

نظام ذكي للترقيم والتوثيق

تبدأ عملية الحفظ بمرحلة ترقيم الوحدات، وهي خطوة جوهرية تسهل عملية البحث والمتابعة سواء بالحاسب أو يدويًا، وويتم تصوير كل أثر فور استلامه مع توثيق حالته الراهنة بدقة، لضمان تتبعه في كل مراحل الترميم والنقل، ويؤكد الخبراء أن هذا النظام يمثل قاعدة بيانات رقمية تعد الأولى من نوعها في المتاحف المصرية.

عملية التأمين داخل المخازن

داخل هذه المخازن، لا مكان للصدفة أو الخطأ، فكل قطعة تدخل المخزن لا بد أن تكون مسجلة رسميًا ولها جدول حركة واضح، ولا يمكن لأي فرد التعامل معها دون تصريح مسبق.
كما تعمل أنظمة الأمن وفق أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا "كاميرات مراقبة داخلية وخارجية، أشعة حمراء، بطاقات دخول ذكية، وباسورد خاص لكل موظف.
ويقول أحد مسئولى المخازن، "لدينا نظام هو الأحدث في مصر، يراقب كل حركة داخل المخازن، لا أحد يمكنه تجاوز أي مرحلة دون أن تسجل إلكترونيًا".

المخازن ذاكرة مصر الحية

من جميع أنحاء جمهورية مصر العربية ومن مختلف المواقع والمخازن الأثرية التابعة لوزارة السياحة والآثار المصرية، تجتمع هنا آلاف القطع التي تمثل الحضارة المصرية في كل مراحلها، فكل أثر يحمل بصمته الخاصة، وكل مخزن يروي فصلًا من حكاية مصر، إنها ليست مجرد حجر أو تمثال، بل وثيقة بصرية تؤرخ للإنسان المصري منذ فجر التاريخ، فتلك المخازن، لا تسمع الأصوات، ولا تُرى الحركة إلا بدقة محسوبة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة