سيبقى يوم 1 نوفمبر علامة، ليس فقط لأنه تاريخ افتتاح المتحف المصرى الكبير، بعد رحلة عمل وعناء، لكن أيضا لأنه اليوم الذى استعاد فيه المصريون وحدتهم، واجتمعوا بشكل تلقائى، على عمل يمثل هويتهم ومصريتهم، وتاريخهم وحضارتهم، بل إنهم لم يلتفتوا إلى بعض صناع التعصب والكراهية والنكد ومدعى العمق الأيديولوجى، والتعصب الذين سعوا طوال سنوات إلى محو هوية تميز مصر وتضع الأمة المصرية فى مكانتها التى تليق بتاريخها وما قدمته للحضارة الإنسانية، من دون أن تنسلخ من محيطها الطبيعى، والذى أثرت فيه وغيرته طبقا لطبيعته التى تستعصى أحيانا على فهم ضيقى العقل والأفق، فمصر تتشابك وتمتزج بمحيطها الأفريقى والعربى والآسيوى، لكنها ليست أيا من هذا كله، بل هى نسيج وحدها من انصهار وتفاعل اقرب لتفاعلات العالم الجيولوجى والكيميائى، لتنتج ناتجا مختلفا عن عناصره المتاحة.
وسوف يأتى وقت لمناقشة الهوية المصرية وأهمية تنقيتها من الشوائب التى علقت بها، من عقود التعصب والتخلف، والتى استوردها جهلاء وتجار دين، ليكونوا ثروات وحاولوا تخويف المصريين من هويتهم، ومن إيمانهم الذى سبقوا به الديانات السماوية بآلاف السنين.
لقد احتفى المصريون بالمتحف المصرى الكبير، بكل السبل باعتباره إنجازهم الخاص، ويتوقعون تكريم كل من ساهم فى هذا الصرح، من فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق صاحب الفكرة وأولى الخطوات، إلى الدكتور المهندس أحمد محمد حسين العبقرى الذى نجح فى نقل تمثال رمسيس إلى مكانه من ميدان رمسيس واقفا من دون أى خدش، وتفوق على كل الخبراء فى العالم ممن عجزوا عن هذا، وأيضا السائق أحمد الغرباوى الذى قاد المركبة، ومعهم آلاف العمال والفنيين والأثريين والمهندسين والخبراء الذين عملوا فى إنجاز هذا العمل الضخم، الذى شارك فيه أكثر من ألف مهندس وفنى وعامل، عملوا ليلًا ونهارًا لضمان سلامة أهم قطعة أثرية فى مصر، بل فى العالم.
تستحق اليابان الشكر من الشعب المصرى، لما قدمته من دعم للمتحف الكبير، وكل من شارك فى نقل مراكب الشمس، أو القطع الأثرية العظيمة، هناك الكثير من الظواهر والعلامات ترتبط بالمتحف المصرى الكبير، ويفترض أن نتناولها وننتبه لها، بعد أن نفرح ونحتفل بالمتحف وتأثيراته علينا وعلى مصر والمصريين، لأن أهم ما كشفه الحدث، أن المصريين توحدوا على قلب واحد وابتهجوا معا، واحتلوا التايم لاين فى مواقع التواصل واحتفى العالم وقنواته ومحطاته وأدوات تواصله بالمتحف المصرى الذى يمثل هوية وأملا وحدثا لا يتكرر، ويفترض أن تستمر الخطوات العملية من تنظيم وضبط وانضباط حول المتحف وفى كل القاهرة الكبرى، وألا تكتفى الحكومة بافتتاح أو أيام الحفاوة، وتنسى كالعادة ونتذكر أن تعليمات الرئيس للحكومة أن تستثمر هذا الحدث لتفرض أجواء التنظيم على كل شىء، فالمتحف يتوقع أن يجذب 7-10 ملايين سائح إضافى يفترض أن نعمل حسابهم ونوفر ما يناسبهم من أجواء، لأن هذا الرقم يترجم إلى فرص عمل وغرف سياحية ووظائف لعشرات المهن المرتبط بالسياحة.
ولا نود الإشارة إلى أن الحكومة استطاعت عند ما أرادت أن تنظم مظاهر كثيرة لم تكن على ما يرام، ويجب أن يستمر هذا فى كل أنحاء الهرم وفيصل والرماية وباقى التفاصيل، بل إنه يفترض أن تنتهى إلى الأبد مظاهر الفوضى فى المرور والشوارع، لأننا كما قلنا إن المصريين يستحقون أكثر من الفرحة، وأن يجنوا ثمار عملهم وجهدهم وصبرهم.
والواقع أن هذه الأجواء من الوحدة تستدعى استجابة لمطالب سبق إعلانها فى الحوار الوطنى، ونظن أن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان هو صاحب مبادرة الحوار الوطنى التى توحد وتقرب وتفتح مجالات للحوار وكل الآراء، ثم أدخلتها الحكومة فى نفق «اللجان» والبيروقراطية، هناك توصيات مهمة، ومطالب يفترض أنها تسهم فى توحيد الجميع، وتقرب بين وجهات النظر، ويفترض أن تترجم فى شكل البرلمان القادم والحالى، لكنها اختفت وتبخرت.
نتوقع أن توفر أجواء نجاحات الدولة ومؤسساتها، فى اتفاق وقمة شرم الشيخ، والزيارة المثمرة للرئيس الى الاتحاد الأوروبى، ثم افتتاح المتحف المصرى الكبير، أن توفر وتسهم فى إتاحة أجواء يشعر معها المصريون بالثمار، وألا يبقوا على الهامش، وأن تنتقل الروح والعقول التى نجحت فى إنجاز ملفات صعبة فى الحرب والسلام، ويطالبوا بنفس الروح فى ملفات الداخل، وأن يجدوا حكومة تشعر بهم وتقدر قيمتهم مثلما يفعل الرئيس.
نحن أمام افتتاح يليق بعظمة وعراقة الشعب المصرى، الذى أعلن الابتهاج، وبكامل تنوعاته، وعلى الحكومة أن تتعلم من هذا الحدث، ومن الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى لا يتوقف عن العمل، وبشكل يليق بعظمة الشعب ومطالبه.