قياتى عاشور

أطفال للبيع.. كيف حولت المامي بلوجرز البراءة إلى بيزنس؟

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2025 10:02 ص


بمجرد أن تفتح "إنستجرام" أو "تيك توك"، يغمرك سيل من المشاهد التي تبدو بريئة: طفلة تفتح "لانش بوكس" مزين بعناية (والعلامة التجارية للمنتج واضحة تماماً). "فلوج" يومي يبدأ بإيقاظ الأم لأطفالها بابتسامة، وكل قطعة أثاث في الغرفة هي إعلان مدفوع. أو فيديوهات "فتح الهدايا" (Unboxing) أمام الكاميرا، حيث يتحول فرح الطفل العفوي إلى استعراض لعلامات تجارية.

هذا هو عالم "الشيرنتنج" (Sharenting)، أو ما يمكن تسميته "الأبوة الاستعراضية"، الذي تحول في مصر من مجرد مشاركة ذكريات إلى "بيزنس" ضخم ومقلق، وهو ما دفع باحثين في علم الاجتماع إلى التحذير مما أسموه "تربّح الآباء".

ما كشفته هذه الدراسات هو أن الآباء "البلوجرز" يدمجون بذكاء بين لعب الأطفال وصفاتهم الجذابة وبين المصالح التجارية المدفوعة. الطفل هنا لا يلعب بعفوية، بل يُستخدم كـ "جزء من الإعلان"، ويتم استغلال فضوله الطفولي لجذب مشاهدات تترجم إلى أرباح. ببساطة، الطفل لا يرتدي هذه الملابس لأنه يحبها، بل لأن والدته تقاضت أجراً مقابل تصويره بها.

نحن هنا لسنا أمام استثناءات فردية، بل أمام "نموذج عمل" متكامل. يتم تقديم صورتين مثاليتين لحياة الطفل لجذب المعلنين: إما صورة "اللعب والمرح" الفوضوي الجذاب، أو صورة "الأسرة التقليدية" التي تلتزم بالقيم الثقافية والدينية، وفي الحالتين، الهدف واحد وهو الربح.

وهنا تكمن الأزمة الأخلاقية والقانونية. فبينما يعرض هؤلاء الآباء أطفالهم لساعات طويلة من التصوير، ويحولون أدق تفاصيل حياتهم (من الأكل إلى النوم) إلى محتوى قابل للبيع، فإنهم يفعلون ذلك في منطقة رمادية تماماً. فقوانين "عمل الأطفال" الحالية مصممة لحماية الطفل من العمل في مصنع أو ورشة، لكنها تقف عاجزة أمام هذه "الوظيفة" الجديدة التي تتم في غرفة نوم الطفل، وبإدارة كاملة من والديه.

إننا نشاهد جيلاً جديداً من الأطفال يُحرم من خصوصيته، وتُستهلك طفولته كـ "محتوى". السؤال الذي يجب أن نطرحه ليس فقط "أين القانون؟"، بل "ما هي الآثار النفسية والاجتماعية طويلة المدى على طفل يدرك أن كل ابتسامة في طفولته كانت معروضة للبيع؟".




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب