لا زالت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تبهرنا كل يوم بما تقدمه من خدمات إعلامية وتثقيفية للجمهور، ودورها التنويري في المجتمع منذ تأسيسها، فلا تتوقف عن الإبداع والابتكار وتلبية احتياجات كل الأذواق لدى الجمهور المصري والعربي، فضلاً عن دورها التوعوي، ما يجعلها تستحق التحية والتقدير والشكر لحرصها على التطوير المستمر ومواصلة تبنيها للمواهب في مختلف المجالات.
ففي زمن تتزايد فيه البرامج الترفيهية وتتسارع صيغ المحتوى على الشاشات، يظهر برنامج «دولة التلاوة» كعمل استثنائي يُعيد إلقاء الضوء على مدرسة التلاوة المصرية. فالبرنامج لا يمكن حصره في أنه مجرد منافسة بين أصوات شابة، لكنه بمثابة مشروع وطني يعيد الاعتبار لواحد من أهم روافد الهوية الروحية والثقافية للمجتمع، ويجدد حضور مصر كمنارة لصوت القرآن في العالم الإسلامي. ومنذ انطلاقه يوم الجمعة 14 نوفمبر، بالشراكة بين وزارة الأوقاف والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بدا واضحا أن البرنامج لا يتعامل مع التلاوة كفن صوتي وحسب، بل كتراث يجب صيانته، وإرث ينبغي تجديده بروح معاصرة تحفظ أصالته وتضيف إليه.
وتكمن قوة «دولة التلاوة» في رؤيته المتوازنة التي تجمع بين العلم والخبرة والمواهب الواعدة، فاختيار لجنة تحكيم تضم الشيخ حسن عبد النبي، صاحب البصمة العلمية البارزة في مراجعة المصحف الشريف، والداعية مصطفى حسني الذي يضيف بُعدا تربويا روحانيا يساعد المتسابقين على فهم المعنى قبل الأداء، والشيخ طه النعماني بما يمثله من جسر بين جيل الرواد وجيل الشباب، إلى جانب الدكتور طه عبد الوهاب خبير المقامات الصوتية؛ يعكس حرصا على أن يكون التقييم شاملا، يحترم الأحكام ويقدّر جودة الصوت ويتذوق جمال المقامات في آن واحد. وهكذا تتحول المسابقة إلى ورشة تدريب حقيقية، تمنح المتنافسين فرصة للتعلم بقدر ما تمنحهم فرصة للفوز.
ولعل أكثر ما كشفه البرنامج منذ الساعات الأولى لإطلاقه هو حجم الشغف الكامن لدى المصريين تجاه القرآن وفنون ترتيله، فقد شهدت التصفيات التمهيدية إقبالا غير مسبوق، حيث تقدّم أكثر من أربعة عشر ألف متسابق من مختلف المحافظات، في مشهد يؤكد أن ارتباط الناس بالقرآن ما زال ثابتا رغم كل ضجيج الحياة. ومن هذا الفضاء الواسع للمواهب، اختارت اللجنة اثنين وثلاثين قارئا يمثلون أفضل الأصوات التي ستتنافس في الحلقات النهائية، تحت إشراف لجنة علمية متخصصة من وزارة الأوقاف، في خطوة تؤكد الجدية والانضباط والمعايير الدقيقة.
وتتواصل قيمة «دولة التلاوة» فيما يقدمه من دعم يتجاوز حدود الجوائز. فرغم أن قيمة الجائزة – التي تصل إلى 3.5 مليون جنيه، منها مليون جنيه للفائز الأول في كل فرع – هى الأكبر في تاريخ مسابقات التلاوة، فإن الفرصة الحقيقية تكمن في ما يمنحه البرنامج للفائزين من مسار مهني متكامل. إذ يحصل كل منهم على فرصة تسجيل المصحف الشريف كاملا بصوته وإتاحته عبر قناة «مصر قرآن كريم»، إلى جانب شرف إمامة المصلين في صلاة التراويح بمسجد الإمام الحسين خلال شهر رمضان. وهذه الخطوات لا تصنع قارئا مشهورا فقط، بل تؤسس لمسيرة قوامها العلم والمسؤولية والرسالة.
ومع ما تحمله هذه التجربة من تأثير مباشر على المشاركين، فإن أثر البرنامج على المجتمع لا يقل أهمية. فهو يعيد تعريف العلاقة بين الجمهور وفن التلاوة، ويقدم نموذجا جديدا للخطاب الديني الهادئ والمنضبط، ويشجع الأسر على دعم أبنائها في حفظ القرآن وإتقان أدائه، ويعيد الاعتبار لفنون المقامات بوصفها جزءا من هوية القارئ المصري. ويبرهن البرنامج على أن الإعلام قادر على أن يكون جسرا بين الجمال الروحي والاحتراف الفني، وأن المحتوى الهادف ما زال قادرا على الوصول إلى الناس وإثارة اهتمامهم حين تكون الفكرة صادقة والتنفيذ رفيعًا.
وهكذا يبدو «دولة التلاوة» صانعا للأمل، ومشروع لإحياء فن راقٍ، وتجربة تعيد لمصر دورها التاريخي كعاصمة للتلاوة ومركز للصوت القرآني الأصيل. وبين أصوات المتسابقين، وعلم المحكمين، وشغف الجمهور، يولد جيل جديد قادر على حمل الراية، وتجديد المدرسة المصرية في التلاوة بروح لا تخون الأصل ولا تتخلف عن العصر.
فكل التحية والتقدير والشكر للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وما تقدمه لمصر والوطن العربي من جهود كبيرة وخدمات لا تقدر بثمن ترتبط بالتثقيف والتوعية والتنوير والمعرفة وتبني المواهب في الفن وتلاوة وقراءة القرآن ومختلف المجالات، وهو ما يكون له أبلغ الأثر في نفوس وعقول المواطنين.