فى عمق الصحراء الشرقية، وتحديداً فى مناطق حلايب وشلاتين، يتحول الحطب من مجرد بقايا أشجار إلى شريان حياة حقيقى، وركيزة أساسية للطاقة والبقاء لأبناء القبائل المقيمين بين الجبال والأودية، مع بزوغ أول ضوء للصباح، يبدأ الراعى يومه برحلة طويلة عبر مجارى السيول للبحث عن بقايا الأشجار اليابسة، التى تمثل بالنسبة له الوقود والطاقة والغذاء والدفء فى مواجهة قسوة الطبيعة.
الحطب هو الأساس فى إعداد الطعام
ففى بيئة قاحلة لا مكان فيها لشبكات الكهرباء أو الغاز، يصبح الحطب المصدر الوحيد للطاقة، إذ يعتمد عليه أبناء البادية فى إعداد طعامهم اليومى، وتسخين المياه، والتدفئة ليلاً فى مواجهة برودة الشتاء القارس، وكما يقول أحد الرعاة: “لا يمكن للإنسان أو الحيوان أن يعيش فى وادٍ بلا أشجار، فالأودية الخضراء هى روح الصحراء، ومصدر رزقها ودفئها”.
الأكاسيا.. صديقة الراعى فى الصحراء
تعد شجرة الأكاسيا، المعروفة محلياً بالسنط، من أهم الأشجار المنتشرة فى وديان حلايب وشلاتين، وهى بالنسبة للبادية أكثر من مجرد شجرة؛ إنها صديقة الإنسان والحيوان على حد سواء، وفر ظلاً وارتحالاً للرعاة فى النهار، وعندما تجف أوراقها وتموت جذوعها، تتحول إلى وقودٍ طبيعى يستخدم فى الطهى وإشعال النار ليلاً.
يقول الحسن آدم، أحد أبناء قبيلة البشارية أن عندما يصل الراعى إلى وادى بلا أشجار، يشعر وكأنه فى صحراء بلا حياة، فالأكاسيا رمز البقاء، ومن دونها لا دفء ولا طعام فى قلب الصحراء.
من الحطب إلى العصيدة والخبز القابورى
وأضاف الشاب الحسن أدم ابن البشارية أن تطور الحياة ودخول مصادر طاقة جديدة فى المدن، فإن أبناء البادية لا يزالون متمسكين بعاداتهم القديمة، فالنار المشتعلة بالحطب تبقى جزءاً من طقوسهم اليومية، يستخدم الحطب فى إعداد المأكولات التقليدية التى تشتهر بها الصحراء مثل الخبز القابورى والعصيدة، وهما من الأطعمة التى تمنح الجسم الطاقة والدفء.
واوضح أن عملية جمع الحطب من مهام الرجال الذين يجوبون الأودية لمسافات طويلة بحثاً عن بقايا الأشجار الجافة، خاصة أشجار الأثل والأكاسيا، لما تتميز به من جودة عالية وسرعة فى الاشتعال.
وعى بيئى متوارث
ورغم اعتمادهم الكامل على الحطب، فإن أبناء حلايب وشلاتين يتميزون بوعى بيئى فطرى، فهم لا يقطعون الأشجار الحية أبداً، بل يجمعون فقط بقايا الأشجار الميتة أو التى سقطت بفعل السيول والرياح، حفاظاً على التوازن البيئى فى المنطقة.
ويؤكد أحد الباحثين فى محمية جبل علبة أن سكان الصحراء يتمتعون بحسّ بيئى رفيع، إذ يدركون أن بقاء الأشجار يعنى استمرار الحياة، لذلك يسعون للحفاظ على مواردهم الطبيعية بأسلوب مستدام، بل أن بعضهم يقوم بجمع الأخشاب الضخمة الميتة وتحويلها إلى فحم بطرق تقليدية لا تضر بالبيئة.
سر البقاء فى الصحراء
هكذا تظل النار المشتعلة فى خيام البادية رمزاً للدفء والكرم والبقاء، فمن بقايا الأشجار يولد الضوء، ومن جذوع السنط تتجدد الحياة فى قلب الصحراء. فالحطب لم يكن يوماً مجرد وسيلة للطاقة، بل هو سر من أسرار التعايش بين الإنسان والطبيعة فى واحدة من أكثر مناطق مصر صلابة وجمالاً، حيث يجتمع البقاء والعراقة والوعى البيئى فى مشهد إنسانى بديع يجسد روح الصحراء الشرقية.

اول ما يبحث عنه أهل البادية

جمع الحطب من الأشجار الميته

جمع مصدر الطاقة فى الصحراء

يبدأ بتحهيز خبز الصحراء به فى كل صباح

يتم تجهيز الطعام والشراب من خلاله