أحمد إبراهيم الشريف

شعرة معاوية.. كيف أعاد أكرم القصاص النظر فى السادات وخصومه

السبت، 15 نوفمبر 2025 11:08 ص


بعدما انتهيت من قراءة كتاب "شعرة معاوية.. السادات وخصومه" للكاتب الكبير أكرم القصاص، تأكد لى ما فكرت فيه منذ عرفت بصدور الكتاب، أن هذه المنطقة من التاريخ المصرى يعرفها أكرم القصاص كما يعرف راحة يده، وأن هذا الكتاب فكر فيه كثيرًا قبل أن يجلس ويكتبه، وأنه تعامل معه على أساس كونه شهادة حق يدلى بها أمام "محكمة التاريخ".

لم يأتِ الكتاب كى يقدم سيرةً للرئيس محمد أنور السادات، ولا حتى ليُثبت لنا جميعًا أن القصاص يعرف الكثير عن تلك الفترة، لكنه جاء ليقول لنا: انتبهوا لطريقة تفكيركم، وتعالوا معًا نحرر صورة السادات مما علق بها من أحادية، ننقذه من فريقين، أحدهما يراه ملاكًا، والآخر يراه شيطانًا، بينما لم يكن كذلك، بل كان رئيسًا يحكم مصر فى فترة صعبة جدًّا، فترة تراكمت فيها الظروف السياسية والاقتصادية.

إن أكبر ما لاقاه الرئيس السادات أنه جاء بعد الزعيم جمال عبد الناصر، وقد كان ذلك فى حد ذاته كافيًا لتربص البعض به، ثم إن الظروف الاقتصادية قبل حرب أكتوبر، والسياسات الاقتصادية بعدها، كان لها تأثير كبير فى تشكيل صورته وفى وجود هذه الحدّة فى التعامل معه، كما أن شخصية السادات القائمة على مفهوم العائلة كان لها تأثير كبير أيضًا.

ومن هنا، لو بحثنا عن الفكرة الأساسية فى الكتاب، فإننا سنجد أنها: "السادات لم يستطع الحفاظَ على شعرة معاوية مع خصومه، وهم استغلوا ذلك فى تقديم صورةٍ أحادية أثرت بشكلٍ كبير فى تقديمه للجمهور، وأنه يجب علينا أن نحلل هذه الصورة كى نوضح للناس ذلك"، هذه هى فكرة أكرم القصاص، الذى أعلن فى أكثر من موضعٍ فى الكتاب أنه كان فى صغره وشبابه متأثرًا بهذه الأفكار أحادية الجانب، وأنه الآن، بعد هذه الخبرة، يمكنه أن يقدم مراجعةً معتمِدةً على قراءةٍ جديدةٍ لأفكارٍ قديمة.

ومن أجل أن تصلنا هذه الفكرة، اعتمد أكرم القصاص عدةَ حججٍ يكشف بها الأمر:

الحجة الأولى بلاغية – تاريخية:

استعان القصاص بجملة محورية فى المدونة العربية، هى "شعرة معاوية" بما لها من دلالة كبيرة فى التاريخ السياسى الإسلامي، فقد كانت هذه الجملة دليلًا (بلاغيًّا – واقعيًّا) على مفهوم السياسة، وربما كانت أقرب ما تكون إلى تعريف "السياسي" فى عقلنا العربي، لكن ما يتبين من الكتاب أن السادات لم يكن قادرًا على حفظ هذه الشعرة المهمة، فقد قطعها كثيرًا فى صراعه مع خصومه، سواء كانوا كيانات أو أشخاصًا، فعل ذلك مع الناصريين، ومع الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وغيرهم الكثير، حتى مع بعض المقربين منه، وهذه الاستعارة تُشعرنا أيضًا بخطورة الموقف، وتؤكد لنا أن ما نسمعه عن السادات كان نتيجةً لتمزق هذه الشعرة المهمة.

الحجة الثانية فى الحكى التاريخي:

اعتمد أكرم القصاص فى الكتاب على كم كبيرٍ من المواقف، وذكر عددًا من الشخصيات التى عبرت عن رأيها، وأدلت بدلوها فى الأمر، ونلحظ أن جانبًا كبيرًا من هذه الحكايات يكشف التحيز الذى تمكّن من أصحابها، الذين سعوا للتعبير عن جانبٍ واحدٍ من السادات.
وربما تجب هنا الإشارة إلى أن الرئيس السادات نفسه كان من محبى الحكي، ولديه القدرة على توظيف هذه الحكايات فى التأثير فى الجمهور.

الحجة الثالثة – تحليلية:

لم يقدم لنا أكرم القصاص سردًا متتابعًا للوقائع فقط، بل كان يحللها ويقرأ معلوماتها، ويدفع القارئ أيضًا إلى قراءتها وتأملها وتكوين موقفه، وهذا هو المقصود من هذا الكتاب، فحياة الرئيس السادات تتوافر عنها معلومات كثيرة، لكن معظمنا يورد هذه الحكايات سردًا، ولا يتوقف عندها توقّفَ المدقّق الذى يناقش ويحلل، ومن هنا تأتى أهمية ما يقدمه الكتاب، الذى يعيد بناءَ سرديةِ الحكايات.

الحجة الرابعة – الإحاطة:

أحاط الكتاب بعالم الرئيس السادات كله، وبشخصه أيضًا، وبطريقته فى التفكير، وبظروفه وظروف الدولة، التى جعل منها أكرم القصاص مبررًا لبعض التصرفات، هذه الإحاطة، وعدم الانتقائية لفترة معينة أو مرحلة واحدة، جعلت القارئ قادرًا على تكوين صورةٍ أكثرَ اكتمالًا عن الرئيس الراحل.

الحجة الخامسة – المقولات:

وظف الكتاب عددًا من المقولات المنسوبة لأشخاصٍ عاصروا الرئيس السادات، وبالتالى فإن هذه المقولات صار لها حيثيةٌ معينة، ومع ذلك فإن أكرم القصاص لم يكن يقبلها على إطلاقها، بل كان يناقشها ويوضح لنا سياقها.

هذه الحجج وغيرها عملت على تقديم كتاب متماسك مخلصٍ لفكرته، قادرٍ على توضيحها، على أن أهم ما يقدمه "شعرة معاوية.. السادات وخصومه" أنه يفتح الباب أمامنا جميعًا لإعادة قراءة تاريخِنا كله، ذلك التاريخِ الحافلِ بالتحيزات والآراءِ أحاديةِ الجانب، وأن نقوم بعمليةِ مراجعةٍ كبرى لما كان قد استقر فى داخلنا.

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب