دندراوى الهوارى

من حتشبسوت إلى السيسى.. مصر فى قلب القرن الأفريقى بقوة التاريخ لدعم الأشقاء والأصدقاء

السبت، 15 نوفمبر 2025 12:00 م


بنظرة متأنية، على خريطة العمق الأفريقى، والملاحة التجارية فى البحر الأحمر، تجد عليها بصمات مصر مسجلة منذ بدء العصور التاريخية، وتبلورت بوضوح فى عهد الملكة حتشبسوت التى حكمت البلاد فى عصر الدولة الحديثة، وتحديدا فى الأسرة الـ18 من خلال نصوص مسجلة على جدران معبدها بمنطقة الدير البحرى فى القرنة بالأقصر، تسرد رحلاتها الملاحية التجارية إلى بلاد بونت «الصومال حاليا» وكيف كانت قوة العلاقة، وتبادل المصالح.


الحقائق التاريخية المسجلة نصا، على الشواهد الأثرية المختلفة، تؤكد أن علاقة مصر بالهضبة الأفريقية والسهول المطلة على البحر الأحمر والحدود الإريترية الصومالية، ليست وليدة لحظة، وإنما علاقة متجذرة وممتدة، من عصر الأسرات، ومرورا بعهد الملكة الرائعة حتشبسوت، ثم فى العصر الحديث، وتحديدا إبان حكم محمد على، ثم أبنائه، الذين يعرفون بـ«الخديويين» نسبة للقب الخديوى الذين حصلوا عليه فى الفترة من عام 1867 وحتى 1914 من الدولة العثمانية، ووصولا إلى التاريخ المعاصر.


العلاقة الممتدة من حتشبسوت، والمسجلة على جدران معبدها بالدير البحرى، تؤكد عمق العلاقة القوية المبكرة مع بلاد الصومال وباقى الساحل الأفريقى، تجاريا وثقافيا، عبر طريق ملاحى طويل يربط بين مصر وسواحل الصومال وإريتريا.


ثم تطورت العلاقة بين مصر وأشقائها الأفارقة وأخذت منحى الدعم والمساندة بقوة، لتحرير البلاد من قيد الاستعمار الناهب لثرواتها وخيراتها، عقب اندلاع ثورة يوليو 1952 وتبنى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، دعم حركات التحرر، ووضع مصر فى قلب الأحداث، كداعمة ومساندة بقوة لأحقية أشقائها الأفارقة فى نيل حريتهم وتحطيم أغلال الاستعمار والعبودية.


وفى السنوات الأخيرة، عندما وصل الرئيس عبدالفتاح السيىسى لسدة الحكم، أعاد مصر لحضن أشقائها، والتأكيد على أن العمق الأفريقى من أولويات الأمن القومى المصرى، لذلك دشن فقه الأولويات بالتأكيد على أهمية الأمن البحرى، وحماية ممرات التجارة العالمية، والتصدى للتهديدات والمخاطر والقرصنة البحرية، وهو ما جعل من علاقة مصر بجيبوتى والصومال وإريتريا، ضرورة استراتيجية.


لذلك، قررت القاهرة، تعزيز المستوى الدبلوماسى والاقتصادى، والتعاون العسكرى، مع الأشقاء الأفارقة بشكل عام، وجيبوتى والصومال وإريتريا على وجه الخصوص، وفق استراتيجية واضحة المعالم، ترتكز على ثلاث نقاط جوهرية، دعم سيادة دول القرن الأفريقى، بناء قدرات أمنية بحرية متطورة، دعم التنمية الإقتصادية الشاملة، وهى استراتيجية معلنة وليست خفية.


الركائز الثلاث، نٌفذت على أرض الواقع الملموس، من خلال دعم الصومال، التى تربطها بمصر علاقة وثيقة كونها دولة شقيقة، وعضو بالجامعة العربية، علاوة على كونها دولة إفريقية تطل على البحر الأحمر وتمثل عمق استراتيجى للأمن القومى المصرى، ثم الأهم، أن العلاقة بقوة التاريخ المتجذر فى الأعماق، لذلك وانطلاقا من هذه الركائز دعمت مصر حق الصومال فى الدفاع عن وحدة أراضيه، والتصدى لمحاولات انتزاع أجزاء من سيادته.


ووقعت مصر اتفاقية تعاون مشتركة، لتقديم الدعم اللوجستى والتدريبى للقوات الصومالية، كما أعلنت القاهرة فى ديسمبر 2024 عن المساهمة بقوات لدعم بعثة الاتحاد الإفريقى فى الصومال، فى خطوة توضح أن القاهرة ترى استقرار الصومال، أمر حيوى يصب فى مصلحة استقرار البحر الأحمر.


أيضا رفع مستوى العلاقات بين القاهرة وجيبوتى وإريتريا لتعزيز التعاون البحرى ومكافحة الإرهاب والقرصنة.


لكن يتبقى بٌعدا جوهريا فى التعاون بين مصر وأشقائها الصومال وجيبوتى وإريتريا، وهو البُعد التنموي، من خلال الاستثمار فى البنية التحتية ودعم التدريب التقنى البحرى، بجانب تدشين مشروعات تنموية فى القطاعات الصحية والتعليمية والزراعية، وهى مساهمات حقيقية فى بناء علاقات شراكة قوية، على قاعدة أن التنمية تقلص منطق الصراع، وتعزز الأمن والاستقرار.


تأسيسا على هذه المعطيات، يمكن التأكيد على استراتيجية مصر المعاصرة فى القرن الأفريقى قائمة على، الشراكة التاريخية، والتنموية والأمنية، فالتاريخ يعمق جسور العلاقات، ويمنحها شرعية ثقافية متناغمة، تسهل كثيرا من عوامل التواصل المتبادل، أما الأمن فمصر عقيدتها التاريخية قائمة على دعم أمن واستقرار الأقليم برمته، وتسخر نفسها كرجل مطافئ للحرائق المشتعلة، فالأمن والاستقرار يمثلان جناحى التنمية، والتقدم والازدهار.


القاهرة تختار اليوم أن تكون فاعلة فى مثلث جيبوتى، الصومال، إريتريا، ليس كقوة احتلال أو متسلط، بل كلاعب يسعى لتأمين خطوط الملاحة، وحماية الأمن الغذائى والمائي، ودعم استقرار الأشقاء والأصدقاء، فى شرق أفريقيا، إنطلاقا من أن أمن هذه الدول الشقيقة، جزء لا يتجزأ من أمن مصر، وأمن المجرى الملاحى الهام لدول الأقليم والعالم.


مصر تقدم الدعم لأشقائها بقوة التاريخ، ومتطلبات الحاضر، وما يفرضه من سيناريوهات تتطلب التعاون والتكاتف لحماية مصالح الجميع، وأن يشهد المثلث الذهبى، الصومال، جيبوتى، إريتريا، انطلاقة اقتصادية وتنموية كبرى.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب