أكرم القصاص

كيف تتفوق تريندات الطلاق والزواج ونضال «الفلوجر» على مؤتمرات الحكومة والسياسة؟!

الجمعة، 14 نوفمبر 2025 10:00 ص


فى كل مناسبة الآن، لم يعد يكفى التعامل من قبل الجهات المسؤولة «على قديمُه»، هناك جمهور متنوع على مواقع التواصل يشكل رأيا عاما يختلف عما سبق من عقود، وبصرف النظر عما ينشر ومدى صحته، هناك بث لا يتوقف، بعضه شائعات مقصودة، أو شائعات متداولة لا يتوقف عندها أحد، وهناك معلومات ناقصة أو متشابكة أو تحليلات بلا مصادر، بشكل عام لدينا شاشات عرض تمتد بطول العالم الافتراضى وعرضه، وجمهور متنوع بين قطاعات واعية تبحث وتراجع وتفتش، وأخرى تتلقى من دون تفكير وتعيد نشر، كل هؤلاء يشكلون جمهورا ورأيا عاما بصرف النظر عن الوعى المتنوع.


ونحن أمام درجات متنوعة ومختلفة، وملايين من الناس يتداولون تدوينات أو تقارير تتراوح بين الصح والخطأ، صور قديمة أو معلومات مستعملة وقديمة، بجانب بوستات واهتمامات تركز على موضوعات سطحية أو نميمة وزواج وطلاق وخلافات زوجية، ودورات حياة بلوجرز أو يوتيوبرز أو فلوجرز، ممن أصبحوا يتصدرون التريندات، ليس فقط فى مواقع التواصل، ولكن أيضا فى الكثير من المواقع الصحفية التى أصبحت تتنافس على نشر قصص كفاح وحروب النجوم وأبطال الفلوج والبلوك فى عالم التواصل، وأصبحت أهم نظريات بعض النقاد تتركز حول تحديد ما إذا كان نشر قسيمة زواج نجمة يمثل انفرادا عالميا، أو وثيقة طلاق بلوجر من مدع متطرف نوعا من الجهاد الصحفى الحديث، وتطويرا للمهنة ينقلها من عصر النميمة التريند إلى عصر الانتشار الاصطناعى.


نقول هذا لنشير إلى أن أخبار زواج وطلاق الفنانات والبلوجرز تنافس - وقد تتفوق على - الأخبار السياسية والاقتصادية والانتخابات والتحليلات السياسية، وهناك من يرى أن الرأى العام الافتراضى ينصرف عن متابعة معارك انتخابية لا يجد نفسه فيها ويراها لا تخصه، وأن الاتجاه إلى التريندات التافهة يشده عن بقية الموضوعات مهما كانت جديتها.


لكن هذا الانصراف إلى التريندات، أصبح نتاجا لتحالف غير معلن بين مواقع التواصل وصفحات كبار النمّامين الافتراضيين، وأن المواقع أصبحت تسابق الصفحات فى نشر انفرادات الزواج والطلاق، مع الأخذ فى الاعتبار أن صفحات النميمة يديرها فى الواقع صحفيون محترفون - سواء بأسمائهم أو من وراء حجاب - لكنها تمثل أبوابا خلفية للصحافة وأنواعها، بل إن بعض المواقع التى تمسكت - لوقت قريب - بالابتعاد عن الغوص فى مستنقعات النميمة، تسابقت فى المنافسة حول نشر قصة طلاق النجم ابن النجم من زوجته، ومدى صحة طلاق «الاستورى»، أو صحة انفصال «الإنستجرام»، وكراهية طلاق الإنستا، والأمر ذاته فى ما يتعلق باختفاء أو انتقاد لزواج أشهر نجمة عادية، وارتباط ثانى أشهر عازبة، وخلط كل هذا ببقايا نميمة وسوابق وخلفيات لعلاقات تمتد وتتسع.


طبعا لم تكن مثل هذه القصص العاطفية والطلاقات والتزاوج تجد مجالا لكل هذا الاهتمام ما لم تنضم الصحف الرصينة سابقا، وتتخلى عن رصانتها لتنافس فى كعكة التريندات، بينما تتراجع أخبارها السياسية التى تنشر كواجبات يتم رصها من دون اهتمام، من دون مناقشة واهتمام والنتيجة أن تقارير وشائعات منصات الاستهداف الخارجى تسود وتتحول الشائعات إلى واقع، بل إن النميمة انتقلت من عالم النجوم إلى داعية متطرف عرف بفتاواه وبوستاته الشاذة، وتكرار زيجاته وما يرتكبه من أفعال تكشف عن عقد نفسية وأمراض عقلية، عاد ليحتل مكانه فى عالم النميمة، بفضل إحدى المفروضات على الإعلام ممن اعتادت البحث عن أى فضائح تصنع لها شهرة بالرغم من كونها تفتقد إلى أى موهبة أو قدرات، غير إطلاق شائعات وأخبار عن حياتها وملابسها، وقد تم إيقافها لأنها سبق واستضافت فلوجر كانت تستعرض وتتباهى بفضائحها، وعادت لتكرر عملية نهش تجد تشجيعا من خصوم الداعية المختل.


كل هذا بالطبع يمثل نوعا من النشر يصعب تجريمه مهنيا، لكونه قد لا يكون مخالفا للقانون، لكنه فى السابق كان يشغل هامشا بسيطا وسط تغطيات وتحقيقات وتحليلات اختفت لتفسح المجال لهذا السباق حول التريند، وربما لها تبدو لجان التطوير أو جلسات تحضير «اللجان» مجرد تحصيل حاصل لن ينتج شيئا كثيرا، مثلما لم تنتج اللجان شيئا، بل يمكن القول إن الحكومة لم تكن من المخاطبين بتوجيه الرئيس حوّل تطوير الإعلام، لأنها أحد عوائق التطوير وطرف نقيض للإعلام والمعلومات ونشرها وحجبها، فاللجان الأولية أو المنبثقة لن تدين الفضائحية والنميمة، ولن تواجه الحكومة الداعية للتطوير بأنها جزء من المشكلة، بل ربما الجزء الأهم بما نحجبه من معلومات وانفصام عن الواقع ومطالب الناس، لدرجة أن مؤتمرات وتصريحات الحكومة الأسبوعية أصبحت أقرب إلى لوغاريتمات أو فقرات فكاهية بما تتضمنه من وعود تكشف عن انفصال بين الحكومة والمواطنين، وأحاديث لا تجيب عن أى أسئلة تتعلق بالأسعار، أو التضخم أو عدم ظهور نتائج تراجع العملات أمام الجنيه، والأسعار الفلكية للعقارات بين شعب أغلبه «طبقة وسطى»، مدخراته بخمسة أرقام على الأكثر بينما أسعار العقارات مليونية، كل هذا يجعل من الصعب وجود خيط مشترك بين حكومة ومواطنين لم يعودوا يستمعون لما يطرحه الوزراء، وينتظرون دائما توجيهات الرئيس وإجاباته، بينما الحكومة غارقة فى اللجان.


 

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب