تشهد أوروبا حالة من الاستنفار الصحى غير المسبوق بعد تفشى فيروس إنفلونزا الطيور بشكل متسارع فى عدة دول، خاصة إسبانيا وألمانيا، ما أثار مخاوف كبيرة بشأن تأثيرات هذا الوباء على قطاع الدواجن والأسواق الزراعية بشكل عام. تُعد السلالة الحالية H5N1 الأكثر عدوى والأشد فتكًا منذ أكثر من عقد، مع قدرة عالية على التحور والانتشار بين الطيور البرية والمائية، ما يزيد من صعوبة السيطرة على المرض.
أكبر موجة انتشار فى ألمانيا
فى ألمانيا، سجلت السلطات خلال عام 2025 أعلى عدد من بؤر إنفلونزا الطيور منذ ثلاث سنوات. وأوضح معهد فريدريش لوفلر للأمراض الحيوانية (FLI) أن الفيروس تم رصده حتى 11 نوفمبر فى 122 مزرعة، بينما تم تأكيد إصابة 1,125 طائرًا بريًا، مقارنةً بـ 46 حالة فقط فى 2024 و208 بؤر فى 2022. هذا الانتشار السريع دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات محلية تشمل حجر الدواجن وإعدام الطيور المصابة، مع تحذيرات من عدم وجود مؤشرات على تحسن الوضع خلال الأسابيع القادمة. وأشار المعهد إلى أن الطيور المهاجرة، وخاصة طيور الكركى، ساهمت فى زيادة انتشار الفيروس، وهو ما يرفع مستوى الخطر الحالى إلى مرتفع.
تهديد لحوالى 200 مليون طائر
على الصعيد الاقتصادى، أكدت تقارير ألمانية أن تفشى المرض لم يؤثر بعد بشكل ملموس على أسعار البيض أو لحوم الدواجن، نظرًا لوجود عدد كبير من الطيور الداجنة يقدر بحوالى 200 مليون طائر. ورغم ذلك، يبقى الخطر قائمًا على استمرار ارتفاع الأسعار فى حال توسع نطاق التفشى أو استمرار ذبح أعداد كبيرة من الطيور.
ارتفاع غير مسبوق فى أسعار البيض
وفى إسبانيا، أدى تفشى فيروس إنفلونزا الطيور إلى ارتفاع غير مسبوق فى أسعار البيض، حيث سجلت زيادة بلغت 18% خلال العام الجارى، أى ثلاثة أضعاف متوسط الزيادة فى الاتحاد الأوروبى الذى وصل إلى 10%، وفقًا لبيانات يوروستات. وأوضح وزير الزراعة الإسبانى، لويس بلانس، أن ارتفاع الأسعار يعود إلى عوامل متعددة، منها زيادة الطلب على البيض بنسبة 4.2% مقابل نمو ضعيف فى أعداد الدجاج بنسبة 0.3%، إضافة إلى تأثير موسمى مرتبط بعيد الفصح.
إسبانيا تقرر اغلاق جميع مزارع الدواجن المفتوحة
ردًا على تفشى المرض، قررت وزارة الزراعة الإسبانية إغلاق جميع مزارع الدواجن المفتوحة، بما يشمل المزارع البيئية ومزارع الإنتاج الذاتى والمزارع التجارية، لمنع انتقال العدوى من الطيور البرية. يشمل الإغلاق منع تربية الدواجن فى الهواء الطلق بشكل كامل، مع السماح فقط بتركيب شبكات حماية وإطعام الطيور فى أماكن مغلقة تمنع الاختلاط بالطيور البرية. كما فرضت السلطات قيودًا إضافية على تربية البط والإوز، ومنع استخدام المياه المكشوفة للطيور، وقيود على حضور الطيور فى المعارض والمسابقات.
حتى الآن، سجلت إسبانيا 14 بؤرة إصابة بين الدواجن، و5 حالات بين الطيور المحتجزة، و68 حالة بين الطيور البرية، جميعها من النوع H5N1. هذه الإجراءات تهدف إلى تقليل المخاطر الصحية وضمان استقرار سوق الدواجن، مع مراقبة صارمة لمنع أى ممارسات مضاربة تؤثر على الأسعار.
تفش كبير فى مزارع البط فى المجر
وتأخذ الأزمة فى أوروبا بعدًا أوسع، حيث أبلغت المجر عن تفشٍ كبير فى مزارع البط بمدينة سولنوك، وأعلنت ألمانيا وفرنسا وهولندا عن ارتفاع حالات الإصابة، فيما وضعت النمسا وبولندا والدنمارك مزارعها وأسواق الطيور فى حالة تأهب قصوى. فى ألمانيا، اضطرّت السلطات لإعدام أكثر من نصف مليون طائر، وفرض قيود على نقل الطيور والبيض فى عدة مناطق، بالتزامن مع موسم هجرة الطيور الذى يزداد خلال الخريف والشتاء.
ويحذر خبراء الصحة الحيوانية من أن السلالة H5N1 قد تنتقل إلى البشر رغم ندرة الحالات البشرية، ما يضاعف أهمية الالتزام بالإجراءات الوقائية، وطهى منتجات الدواجن جيدًا، واتباع معايير النظافة الصارمة فى المطابخ، وفق توصيات المنظمة الأوروبية لسلامة الغذاء (EFSA).
مع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع استهلاك الدواجن خلال موسم الأعياد، تبقى المزارع الأوروبية تحت ضغط كبير، ما يجعل من الضرورى تعزيز التعاون الدولى، وتكثيف الاستثمارات فى البحث عن لقاحات فعالة، وابتكار استراتيجيات جديدة للسيطرة على المرض، لمنع تكرار الأزمات الصحية والاقتصادية التى شهدتها أوروبا فى السنوات الماضية.