تحل ذكرى الافتتاح الرسمي للمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي الذي افتُتح يوم 14 نوفمبر 2008م بيد قداسة البابا الراحل الأنبا شنوده الثالث، وبرئاسة نيافة الأنبا إرميا الأسقف العام، ليشكل منذ ذلك اليوم منارة روحية وثقافية وتعليمية، وصرحًا وطنيًا يربط بين الكنيسة والمجتمع والدولة والعالم.
بدايات تأسيس المركز
تعود جذور تأسيس المركز إلى وضع حجر الأساس يوم 14 نوفمبر 2000م في الكاتدرائية المرقسية بدير الأنبا رويس بالعباسية، ثم اكتملت الأعمال الإنشائية عام 2002م، قبل أن يبدأ المركز رسميًا رسالته في 2008م، التي امتدت وتطورت واتسعت عامًا بعد عام.
هدف المركزالثقافي القبطي
منذ انطلاقه، حمل المركز هدفًا رئيسيًا هو الحفاظ على التراث القبطي الثري عبر التاريخ، وإتاحته للباحثين والعلماء من داخل مصر وخارجها، وتشجيع الأجيال الجديدة على التمسك بالهوية القبطية والمصرية بوعي وإدراك.
ويُعد المركز اليوم صرحًا يضم عددًا من أهم المكونات الثقافية والعلمية والإعلامية، من بينها قناة «مي سات» الفضائية (قناة مارمرقس)، وأكاديميات تدريب وتأهيل، ومكتب إنتاج إعلامي وفني، واستوديوهات تسجيل، بالإضافة إلى مكتبة مارمرقس العامة التي افتُتحت عام 2010 لتُقدّم مصادر معرفية ودينية وثقافية للباحثين والجمهور.
مقتنيات المركز الثقافي الأرثوذكسي
كما يحتضن المركز متحف المخطوطات الذي يضم مخطوطات نادرة باللغات العربية والقبطية والآرامية والأمهرية، ترجع للقرون من الثالث عشر حتى الثامن عشر، إلى جانب مقتنيات مصوّرة محفوظة بعناية، ما جعله مقصدًا للوفود والشخصيات الدينية والسياسية والدبلوماسية.
وفي إطار التوثيق التاريخي، افتتح المركز عام 2012 أول متحف لمقتنيات البابا شنوده الثالث تحت عنوان «كي لا ننسى»، ويضم مقتنياته الشخصية وذكرياته منذ الرهبنة وحتى البطريركية، بما في ذلك أدواته ومتعلقاته وصوره وكرسي تجليسه وعصا الرعاية.
على مستوى العلاقات الكنسية، برز دور المركز في تأسيس "مجلس كنائس مصر" عام 2013 من خلال قسم العلاقات المسكونية، الذي استضاف لقاءات تاريخية جمعت رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، وساهم في فتح قنوات تعاون محلي ودولي.
كما يوفر المركز خدمات إنسانية ودعماً للفقراء والمرضى وذوي الاحتياجات المختلفة، ويُعد منصة تعليمية بتجهيزه مراكز تدريب للشباب والطلاب، وتقديم برامج توعية وثقافة وخدمة مجتمع.
قاعة المؤتمرات بالمركز أصبحت منصة للفعاليات الكنسية والعلمية الدولية، بما تمتلكه من تجهيزات حديثة للترجمة الفورية والصوتيات والبث.
أما قسم الإصدارات والنشر، فيُسهم في طباعة الكتب الروحية والثقافية، وإصدار مجلة إلكترونية ودعم الوعي العام عبر مطبوعات ونبذات متنوعة، بالإضافة إلى إنتاج إسطوانات مدمجة.
ومن خلال رسالته الممتدة "من قلب الكنيسة إلى قلب مصر"، لعب المركز دورًا في تعزيز الهوية الوطنية والتواصل بين الكنيسة والمجتمع، والانفتاح على الحضارات والثقافات المختلفة، وتقديم مصر بوجهها القبطي الأصيل على المستوى الدولي.
وقد تحول المركز خلال 17 عامًا إلى جسر للتفاهم بين الكنيسة والمجتمع المصري والعالم، ومنارة بحثية وفكرية وروحية للدارسين والمتخصصين والمهتمين بالتراث والعلوم الإنسانية.
وبين أروقة هذا الصرح، تواصل الأجيال استلهام جذور الهوية والعمق الحضاري، فيما يظل المركز شاهدًا على رؤية بدأت بحلم للحفاظ على التراث، وتحولت إلى مؤسسة فاعلة تحصد ثمار رسالتها عامًا بعد عام.