أكدت مبادرة صحح مفاهيمك حرص الإسلام على بناء الأسرة على أسس من المودة والسكينة، لأنها اللبنة الأولى فى بناء المجتمع، فإذا اضطربت الأسرة، اضطرب المجتمع كله، وإذا صلحت، صلح المجتمع واستقرت الأمة؛ فالأسرة فى الإسلام ليست مجرد عقدٍ بين رجلٍ وامرأة، بل هى سكن ومودة ورحمة ومسئولية مشتركة.
وقد كان سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم أرحمَ الناس بأهله، فيحسن إليهم، ويشاركهم شئون حياتهم، وقد روى ابن حبان فى "صحيحه" عن عائشة، وابن ماجه عن ابن عباس، والطبرانى فى "الكبير" عن معاوية رضى الله عنهم، عن النبى -صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ قال: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأَنَا خَيْرُكُمْ لأهْليْ».
وأخرجه ابن عساكر عن على رضى الله عنه، وزاد فيه: «مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلا كَرِيْمٌ، ولا أَهَانَهُنَّ إِلا لئِيْمٌ».
وأخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما، ولفظه: «خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لنِسَائِهِمْ».
وللطبرانى فى "الكبير" عن أبى كَبشة الأَنْمارى رضى الله عنه، ولفظه: «خِيَارُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ».
وبلفظ أعم عند البيهقى فى "الشعب" عن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لنِسَائِهِ ولبَنَاتِهِ».
الخلافات الأسرية وأسبابها
إن وقوع الخلاف سنة بشرية، ووجود الاختلاف بين الزوجين أمر لا مفر منه، ولكن كيف يمكننا أن نتعامل معه، وأن نتجاوزه، وأن نلتقى عند نقطة اتفاق تقطع النزاع؟!
لقد أكد القرآن على وصية جليلة حين قال تعالى: {وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٣٤]، {فَعِظُوهُنَّ} بالنصح والتوجيه والتعليم مرة واثنتين وعشرة، ولا تملوا من ذلك، {وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ} بأن توليها ظهرك على الفراش بحيث لا يعلم الخلاف بينكما أحد حتى الأولاد فى البيت، {وَاضْرِبُوهُنَّ} على الإباحة بضوابط وقواعد، أو على غير الحقيقة بل على معنى الزجر والتخويف.
وليجعل كل منهما الحسنات شافعة للسيئات، كما قال العلماء: فليهب سيئاتها لحسناتها تخلقًا بأخلاق الله عز وجل؛ فإنه يذهب السيئات بالحسنات.
وفى "صحيح مسلم" عن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «لا يَفْرَكْ (لا يُبغض) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَة؛ إِنْ كَرِهَ مِنْها خُلُقًا رَضِى مِنْها آخَرَ» أو قال: «غَيْرَهُ».
لقد أصبحت الخلافات الأسرية من أخطر أسباب الطلاق فى مجتمعاتنا، ومن أبرز أسبابها:
ضعف الوعى الدينى والأخلاقى فى التعامل الأسري.
سوء الحوار والتفاهم بين الزوجين، وغلبة العصبية وسرعة الغضب.
التدخل السلبى من الأهل والأصدقاء فى حياة الزوجين.
الضغوط الاقتصادية والمعيشية.
سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، وما تسببه من شكوكٍ ومقارناتٍ وفتورٍ عاطفي.
غياب ثقافة الصبر والتغافل التى هى من أصول الحياة الزوجية
وإن من الأخطاء التى تؤثر على علاقاتنا الأسرية: أن يبحث كل واحد عن حقه فقط دون النظر إلى الواجب الذى عليه، فالزوجة تبحث عن حقها فقط، والزوج يبحث عن حقه فقط، والأولاد يبحثون عن حقوقهم فقط، وهذا يعد من أكبر أسباب وجود المشكلات الأسرية فى البيت المسلم، فعلى كل فرد من أفراد الأسرة أن يعلم أن له حقًا وعليه واجب.
والقاعدة فى ذلك: "لا تطلب الحق قبل أن تؤدى الواجب الذى عليك"، فقد تشكو الزوجة من زوجها فى أمرٍ ما دون أن تنظر إلى تقصيرها تجاه زوجها، وقد يشكو الزوج من زوجته فى أمرٍ ما دون النظر إلى تقصيره فى واجبه الذى عليه، وكذا الأولاد ينظرون إلى بعض أصدقائهم فيرون أن آباءهم منعوهم أشياء كثيرة، بينما لم ينظروا إلى واجبهم فى الأخلاق والطاعة والمذاكرة ونحوها، فإذا قامت فلسفة الأسرة المسلمة على هذا العماد رأيت البيت المسلم فى أبهى وأحلى صورة.
سبل الوقاية والعلاج
الاقتداء بسيدنا النبى -صلى الله عليه وسلم- فى رحمته وتواضعه وحلمه داخل بيته.
التأهيل قبل الزواج بتعليم الشباب حقوق وواجبات الأسرة.
الرجوع إلى أهل العلم والخبرة والإصلاح قبل التسرع فى الانفصال.
تصحيح مفهوم القوامة بأنها رعاية ومسئولية لا تسلّط ولا قهر.
تصحيح مفهوم الطاعة بأنها تعاون واحترام متبادل لا خضوع مذل.
تصحيح مفهوم الرجولة بأنها حلم ورحمة وعدل وصبر لا عنف ولا إهانة.
على الرجل أن يعلم أن الحفاظ على البيوت من المشكلات، وحفظ أمنه، وحسن تعاهده بالرعاية والعناية، والصبر على مشكلاته، درجة عظيمة تعلو درجة الجهاد فى سبيل الله تعالى، وعلى المرأة أن تحافظ على حق زوجها كذلك ولا تهمل شيئًا من حاجياته.