- نقيب الأطباء البيطريين بالعراق: نخطط لإنشاء محميات للكلاب بدلا من إعادتها للشوارع.. والقتل مرفوض تماما
تتشارك مدن كثيرة حول العالم في مواجهة تحد مشترك يؤرق المجتمعات ويثير جدلا واسعا، وهو أزمة انتشار الحيوانات الضالة، وتحديدا الكلاب، ولسنوات طويلة، كانت الحلول المتبعة تميل إلى العنف والإبادة، وهي طرق لم تثبت فعاليتها في السيطرة على الأعداد المتزايدة، بل أثارت انتقادات واسعة من منظمات الرفق بالحيوان والنشطاء، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولا جذريا في فلسفة التعامل مع هذه الظاهرة، حيث تخلت العديد من الدول عن أساليب القتل العشوائي لصالح مقاربات علمية وإنسانية أكثر استدامة، ومتباينة تسعى جميعها لإيجاد هذا التوازن الدقيق بين حماية الصحة العامة والالتزام بمعايير الرفق بالحيوان.
مكتب الأمراض المشتركة في قطر
قالت الدكتورة ابتسام المسلمي، مديرة مكتب الأمراض المشتركة في قطر، بأن الدولة تتبع نهجا إنسانيا فعالا للسيطرة على أعداد الحيوانات الضالة، خاصة القطط والكلاب، وذلك من خلال تطبيق برنامج "الجمع والتعقيم والإعادة (TNR)، وأوضحت أن هذا البرنامج يتم تنفيذه بالتعاون بين الجهات الحكومية، ممثلة في وزارة البلدية وإدارة الثروة الحيوانية، وجمعيات الرفق بالحيوان والملاجئ الخاصة، حيث تقوم فرق متخصصة بجمع الحيوانات الضالة من مختلف المناطق السكنية والأماكن العامة بطرق آمنة لا تسبب لها الأذى.
وأضافت، لليوم السابع،: أنه بعد الجمع، يتم نقل هذه الحيوانات إلى مراكز بيطرية مجهزة حيث تخضع لعمليات تعقيم جراحية لمنع تكاثرها، كما يتم تحصينها ضد الأمراض المعدية لضمان صحتها وسلامة المجتمع، وعقب فترة نقاهة ورعاية طبية مناسبة، يعاد إطلاق الحيوانات المعقمة إلى بيئتها الأصلية التي جمعت منها.
وأشارت إلى أن هذا الأسلوب لا يقتصر على التحكم في أعداد الحيوانات الضالة بفعالية فحسب، بل يساهم أيضا في تحسين صحتها العامة ويقلل من انتشار الأمراض، وأكدت أن قطر تتجنب تماما أساليب المكافحة غير الإنسانية، التزاما بالمعايير الدولية للرفق بالحيوان، وذكرت أن هناك وحدة متخصصة لمكافحة الحيوانات الضالة تابعة لإدارة الثروة الحيوانية، والتي تتلقى بلاغات وشكاوى المواطنين عبر الخط الساخن لوزارة البلدية (184) وتتعامل معها بشكل فوري، وتقوم بحملات دورية صباحية ومسائية في جميع البلديات لضمان السيطرة المستمرة على أعداد الحيوانات الضالة والحفاظ على الصحة العامة، مؤكدة أن هذه الجهود المتكاملة تهدف إلى إيجاد حل مستدام ومتوازن يضمن التعايش الآمن بين الإنسان والحيوان في كافة أنحاء دولة قطر.
نقيب الأطباء البيطريين في العراق
فيما كشف الدكتور علاء حسين الحسناوي، نقيب الأطباء البيطريين في العراق، عن خطة وطنية شاملة للتعامل الإنساني مع ظاهرة الكلاب الضالة، مؤكدا أن دور الطبيب البيطري هو "علاج الحيوان وليس قتله"، وداعيا إلى تغيير المفهوم السائد الذي يربط مهنة الطب البيطري بعمليات الإبادة.
وفي تصريحات لليوم السابع، أوضح أن النقابة بصدد الدعوة لمؤتمر وطني موسع في العراق يضم كافة الجهات المعنية، بما في ذلك وزارات الداخلية والبلديات والصحة والبيئة، بالإضافة إلى منظمات الرفق بالحيوان، لوضع استراتيجية موحدة، وأضاف قائلا: "مقترحنا يتجاوز الحلول المؤقتة، ويهدف إلى إنشاء محميات وأماكن إيواء ملائمة ومجهزة للحيوانات الضالة.
سيتم جمع هذه الحيوانات وإجراء عمليات إخصاء وتعقيم لها لمنع تكاثرها، ثم إيوائها في هذه المحميات بدلا من إعادتها للشوارع أو اللجوء إلى القتل الذي نرفضه تماما"، وأشار إلى أن الخطة تتضمن أيضا ترقيم وتسجيل هذه الحيوانات لإنشاء قاعدة بيانات دقيقة تساعد في السيطرة على أعدادها ومتابعة حالتها الصحية، معتبرا أن هذا هو "أفضل وأبسط طريق لحل المشكلة بشكل حضاري".
وشدد نقيب الأطباء البيطريين بالعراق على أن من أهم أولوياته هو "تصحيح الصورة الذهنية عن الطبيب البيطري في المجتمع"، مشيرا إلى أن دورهم يتجاوز بكثير التعامل مع الحيوانات الأليفة أو الضالة، وقال الحسناوي: "أطلقنا حملة إعلامية مكثفة لتوضيح الدور الحيوي الذي يلعبه الطبيب البيطري في منظومة الصحة العامة، فالعالم يجب أن يعرف أنه لولا وجود بصمة الطبيب البيطري، لا يمكن للمستهلك أن ينعم بغذاء صحي وسليم".
وفي نموذج لافت، قالت الدكتورة رولا شعبان، رئيس جمعية الإمارات البيطرية، أن دولة الإمارات تكاد تكون خالية تماما من الكلاب الضالة، مرجعة الفضل في ذلك إلى التشريعات الرادعة التي تضمن عدم إهمال الحيوانات الأليفة.
وتوضح شعبان، لليوم السابع،: أن كل حيوان أليف في الإمارات مسجل برقم خاص به، ويجرم القانون التخلي عنه في الشارع، حيث يواجه صاحبه المحاسبة القانونية، فيما يتم تسليم الحيوان إما لجمعيات الرفق بالحيوان أو إعادة طرحه للتبني، وللتدليل على جدية التعامل مع هذه القضايا، أشارت إلى واقعة شهيرة حين تم الحكم على شباب نظموا مصارعة للكلاب، وأُلزموا بتنظيف الشوارع كعقاب رادع على ما فعلوه في حق الحيوانات.
أما في قطر، فتكشف الدكتورة ابتسام المسلمي، مدير مكتب الأمراض المشتركة، عن استراتيجية تعتمد على مسارين متوازيين. وتقول المسلمي، التي تفتخر بحصولها على بكالوريوس الطب البيطري من جامعة القاهرة، إن بلادها تتعامل مع الحيوانات الضالة إما عبر جمعها وتعقيمها وتطعيمها ثم إعادتها إلى بيئتها، أو من خلال نقلها إلى مراكز إيواء خاصة. وتلفت إلى أن أعداد الكلاب الضالة في قطر محدودة جداً، بينما تمثل القطط التحدي الأكبر من حيث الانتشار، كاشفة في معلومة لافتة أن عدد الأطباء البيطريين القطريين في بلادها لا يتجاوز خمسة أطباء فقط.
وفى لبنان، فقد أعلنت وزارة الزراعة اللبنانية، عن إطلاق خطة "الالتقاط، التعقيم، التلقيح، والإطلاق"، بهدف معالجة مشكلة الكلاب الضالة في لبنان بطريقة علمية، إنسانية، ومستدامة، وذكرت أنها تعمل بالتعاون مع الأطباء البيطريين، وقد اتخذت الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه الخطة "في عدد من البلديات اللبنانية، بالشراكة مع السلطات المحلية الراغبة في الانخراط في هذا البرنامج"، تهدف الخطة إلى الحد من تكاثر الكلاب الضالة والسيطرة على انتشارها، بما يضمن حماية الصحة العامة، وتعزيز التوازن البيئي، مع الالتزام بالمعايير الدولية ذات الصلة.
وأكدت الوزارة أن "هذه الآلية تعد ركيزة أساسية في رؤيتها لحوكمة قطاع صحة الحيوان والتعامل مع القضايا البيئية المرتبطة بالحيوانات الضالة"، ويلزم قانون حماية ورعاية الحيوانات رقم 47 لعام 2017 السلطات المختصة بمعاملة الحيوانات الضالة بكرامة، كما تنص المادة 12 من القانون على مسؤولية الجهات المعنية في إدارة شؤون الحيوانات الضالة، وتعد ظاهرة الكلاب الضالة في لبنان مشكلة مستمرة منذ سنوات، حيث تطرح بين الحين والآخر مبادرات لإيجاد حلول إنسانية لها، في وقت تتكرر فيه حوادث تسميم الكلاب أو معاملتها بطرق قاسية تتصدر الأخبار المحلية.
وفى المغرب، أطلقت وزارة الداخلية المغربية برنامجا وطنيا ضخما بتكلفة تتجاوز مليار درهم مغربي (100 مليون دولار) لمواجهة ظاهرة انتشار الكلاب الضالة، من خلال مقاربة إنسانية وصحية تراعي معايير الرفق بالحيوان، ومنذ عام 2019، أبرمت الوزارة اتفاقية شراكة مع كل من وزارة الصحة والمكتب الوطني للسلامة الصحية (ONSSA) والهيئة الوطنية للأطباء البيطريين، تقوم على تعقيم وتطعيم الكلاب ضد داء الكلب (السعار)، ضمن برنامج يعتمد منهجية TNR (الاصطياد، التعقيم، التطعيم، ثم الإطلاق).
ويهدف البرنامج إلى الحد من تكاثر الكلاب الضالة واستقرار أعدادها بدلا من التخلص منها بالقتل، مع إشراك جمعيات الرفق بالحيوان في المتابعة والتوعية، كما خصصت الحكومة 80 مليون درهم (8 ملايين دولار) لإنشاء وتجهيز ملاجئ جماعية وإقليمية للكلاب والقطط، إلى جانب إطلاق مشروع لإنشاء 130 مكتبا جماعيا للصحة يخدم أكثر من 1200 جماعة محلية في 53 إقليما، يديرها أطباء وممرضون وفنيون بيطريون، على الصعيد التشريعي، يجري إعداد مرسوم تطبيقي للقانون رقم 56.12 الخاص بالوقاية من أخطار الكلاب، يتضمن إجراءات تنظيمية جديدة تراعي الرفق بالحيوان.