خلال فعاليات معرض الشارقة الدولى للكتاب بدورته الـ44، جلست الكاتبة والروائية العراقية إنعام كجة جى تحكى للجمهور عن غربتها الطويلة، ومشوارها مع الكلمة، وعلاقتها بالعراق الذى لم تغادره يومًا رغم ابتعاد الجغرافيا، وبكلمات تحمل نبرة شجن، لتتحدث من القلب.
وقالت إنعام كجة جى، إنها ما زالت تشعر بالغربة فى باريس التى تعيش فيها حتى الآن، رغم مرور سنوات طويلة على إقامتها هناك، فهى تتابع كل ما يحدث فى بلدها لحظة بلحظة، لكنها تبقى منعزلة اجتماعيًا فى فرنسا، كما تصف نفسها، وتستعيد ذكرى لا تنسى من زمن الغزو الأمريكى للعراق، حين جاء جارها الفرنسى وطرق بابها ليعطيها مفتاح منزله فى الريف، طالبًا منها أن تذهب إليه مع أسرتها حتى لا تتعرض لأى مضايقات، وبابتسامة حزينة تقول: كان ذلك الجار الوحيد الذى أكن له حتى اليوم كل الاحترام.
طفولة شكلتها الكتب وصوت الأب
تعود إنعام إلى بداياتها الأولى، فتقول إن والدتها كانت بسيطة التعليم، لكن والدها كان يحرص على القراءة لها بشكل مستمر، حتى أصبحت الكلمة جزءًا من الحياة اليومية داخل البيت، ومن خلال هذا الجو العائلى، وهذا السماع الثقافى، بدأت البذرة الأولى لتكوينها الأدبى، مضيفة أن والدتها كان لها أثر كبير فى دخولها عالم الصحافة، رغم أنها لم تكن راغبة فى البداية، فقد كان خالها الذى رحل قبل ولادتها صحافيًا معروفًا، وكأن المهنة جاءت إليها كوصية عائلية من زمن لم تعرفه.
العراق وطن الكتابة وذاكرة لا تهدأ
ترى إنعام كجة جى أن العراق بلد من أقدم الحضارات، وأن الكتابة عنه أمر طبيعى بل واجب أدبى، قائلة: هل يمكن للكاتب أن يكتب عن وطن غير وطنه؟ خلال القرن العشرين صدرت مئات الكتب عن العراق، وهذا لم يحدث من قبل، فكل عراقى لديه قصة يريد أن يسردها للعالم، الكاتب العراقى لا يحتاج إلى الخيال، يكفى أن ينظر حوله ليجد كل ما يكتبه واقعًا.
الحفيدة الأمريكية رواية ولدت من وجع الغزو
وكشفت إنعام أن روايتها الشهيرة الحفيدة الأمريكية، لم تكتبها من فراغ، بل من جرح شخصى، فقد علمت أن إحدى صديقاتها كانت تعمل مترجمة لصالح الجيش الأمريكى أثناء الغزو، ففزعها الأمر وسألت نفسها كيف يحدث ذلك؟
وتابعت: بدأت أتابع قصتها، ومن هنا خرجت رواية الحفيدة الأمريكية التى تحكى مأساة العراق بعد الاحتلال، من خلال فتاة أمريكية عراقية الأصل تعود إلى وطنها كمترجمة مع الجيش الأمريكى، وحاولت أن أنقل ما رأيته وما سمعت، فهل كنت محايدة؟ لا، لا يوجد حياد فى الكتابة، أنا نقلت الواقع، وتركت للقارئ أن يحكم.
وطن بعيد لا يغيب عن القلب
ورغم البعد الجغرافى، تقول إنعام إن قلبها ما زال يسكن بغداد، وتقول، قد يكون مسقط الرأس بعيدًا عن الجسد، لكنه لا يغيب عن القلب أبدًا.
الجوائز الأدبية
وحول الجوائز الأدبية، ترى الكاتبة العراقية أنها تلفت نظر القراء إلى كتب بعينها وتمنح الكاتب نوعًا من الاعتراف الأدبي.
وأضافت: أسعد عندما تصل رواياتى إلى القوائم القصيرة، وأفرح أكثر حين أفوز، لكن ما يحزننى أننى بعيدة عن القراء الذين أكتب لهم، أما حصولى على جائزة العويس فهو قدر كبير، لأنها تحمل اسم شاعر، والشعراء فى العراق فوق الرؤوس.
كما تحدثت إنعام عن الهجرة بوصفها تجربة قاسية لا تمنح استقرارًا دائمًا، فقالت: من النادر أن ترى مهاجرًا مستقرًا نفسيًا، فالمهاجر دائمًا يحمل حسرة فى قلبه لأنه ترك وطنه ليبحث عن الأمان أو عن لقمة عيش كريمة، لكن وسط هذا الوجع، أجد الشخصيات التى أكتب عنها، فالهجرة تمنحنى عيونًا أرى بها الناس فى ألوانهم الإنسانية كافة.
الكتابة والصحافة والعائلة الصغيرة
وحول عملها بالمجال الصحفى، تصف إنعام يومها بأنه يبدأ فى الصباح الباكر بسبب طبيعة عملها الصحفى، إذ اعتادت أن تكتب فى الساعات الأولى من النهار، لكنها تضحك وهى تقول: أبنائى كانوا يظنون أننى أكتب طلاسم، هم يفهمون العربية، لكنهم لا يقرأون الروايات بالعربية، كانوا يتساءلون دائمًا هل تكتب أمّنا رموزًا؟، وعندما تمت ترجمة أعمالها للفرنسية فرحت فرحًا كبيرًا لأن أولادها وتلك الجيل سيفهم ما تكتبه.
سر الكتابة العنوان قبل الحرف
تكشف الكاتبة عن طريقتها فى الكتابة، مؤكدة أن العنوان هو أول ما يخطر ببالها قبل كتابة أى رواية، قائلة: لدينا فى الصحافة مقولة أحبها إذا كتبت المقال ولم تجد له عنوانًا فى ذهنك، فمزقه هذا يعنى أن ما كتبته ليس له قيمة، لذلك استحضر الفكرة من خلال العنوان أولًا، ثم أبنى الرواية من حوله، وأتناول شخصيات مختلفة، وتضيف وهى ضاحكة غالبًا أقتل الرجل بسرعة.