تحت غطاء الغموض وتعدد الأدوات، تتشكل حرب جديدة لا تشبه ما عرفه العالم في تاريخه الحديث؛ حرب هجينة بلا جبهات واضحة أو إعلان رسمي، لكنها تترك بصماتها في الفضاء، والبحر، والإنترنت، والأسواق المالية، وحتى في العقول، ويرى حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن هذا النوع من الصراعات يمثل المرحلة الجديدة من المواجهة مع روسيا، حيث تتداخل الوسائل العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، لتخلق مزيجاً يصعب تحديد حدوده أو توجيه اتهام مباشر لأي طرف.
الناتو: الحرب الهجينة هى المرحلة الجديدة من المواجهة مع روسيا
يؤكد الخبراء أن أبرز ما يميز الحرب الهجينة هو غياب الوضوح بين السلم والحرب، فكل شيء يبدو رمادياً: لا صوت رصاص واضح، ولا اتفاق سلام نهائي، بل تحركات غامضة توحي بأن المعركة جارية في الخفاء، وفي الأجواء الأوروبية، شوهدت طائرات مسيرة مجهولة تخترق أجواء بولندا ودول الناتو الأخرى، مع اتهامات مبهمة موجهة نحو موسكو ونفي روسي مطلق.
وفي الفضاء ذاته، أشار وزير الدفاع الألماني إلى أقمار صناعية روسية تتتبع أقماراً مدنية، محذراً من أن موسكو وبكين طورتا قدرات قد تعطل أو تدمر الأقمار الصناعية، ما دفع الناتو لتعزيز قدراته الفضائية عبر برامج دفاعية وهجومية وشبكة أقمار صناعية "نورثلينك" في المدار القطبي.
ولا تقتصر الحرب على السماء؛ إذ شهدت أوروبا تصاعداً في الهجمات السيبرانية بنسبة 25% خلال عام 2025، مستهدفة قطاعات مالية وتكنولوجية حيوية، في حين تعرضت خطوط الغاز وكابلات الألياف البصرية تحت البحر لعمليات تخريب متفرقة، دون تحديد المسؤول، وفي الموازاة، تتصاعد حرب المعلومات، حيث تغزو المنصات الرقمية موجات من الأخبار المضللة، تؤثر على الرأي العام وتخلق فوضى ذهنية تعادل تأثير الضربات العسكرية، في جبهة غير مرئية لكنها فعالة على إعادة تشكيل الوعي العام وإرباك الخصوم.
الحرب الهجينة، كما يراها الناتو، هي صراع متعدد الوجوه لا يمكن حصره في معركة أو جبهة واحدة، ولا يقاس فقط بحجم الدمار المادي، بل بمدى اختراقه للأنظمة والعقول. إنها حرب بلا إعلان ولا هدنة، حيث يصبح كل مجال—من الفضاء إلى الاقتصاد، ومن السيبرانية إلى الإعلام—ساحة مواجهة محتملة في عالم متشابك وغامض.