عراقة السنين بمعايير القرن الحادى والعشرين.. مدير مركز ترميم الآثار فى المتحف المصرى الكبير: محطة مضيئة فى مسيرة صون التراث الإنسانى بأسره.. والمُرمّم المصرى أصبح باحثا يعيد كتابة التاريخ

السبت، 01 نوفمبر 2025 02:00 م
عراقة السنين بمعايير القرن الحادى والعشرين.. مدير مركز ترميم الآثار فى المتحف المصرى الكبير: محطة مضيئة فى مسيرة صون التراث الإنسانى بأسره.. والمُرمّم المصرى أصبح باحثا يعيد كتابة التاريخ الدكتور حسين كمال والزميل محمد أسعد

حوار - محمد أسعد

- نعتمد على منظومة علمية دقيقة ومتكاملة لمتابعة الحالة الفيزيائية والكيميائية للقطع المعروضة.. ونعمل على تعزيز صورة مصر كمركز إقليمى وعالمى متميز فى حفظ التراث الإنسانى.

فى قلب المتحف المصرى الكبير، يقف مركز ترميم الآثار كأحد أهم مراكز حفظ التراث فى العالم، مساحة تمتد على أكثر من 32 ألف متر مربع، تحتضن عشرات المعامل المجهزة بأحدث التقنيات، وأيدى مصرية تُعيد للحجر نبضه وللتاريخ صوته.

هنا، لا يقتصر العمل على إصلاح القطع الأثرية فحسب، بل على إعادة اكتشافها وفهم أسرارها، بين الجرانيت والخشب والنسيج، تمتزج الدقة العلمية بشغف الحفاظ على حضارة لا تنتهى.

نجح المركز فى ترميم آلاف القطع الأثرية من مجموعة الملك توت عنخ آمون، وتماثيل الملوك، والمومياوات، وغيرها من الكنوز التى ظلت حبيسة المخازن لعقود.

فى هذا الحوار، يتحدث الدكتور حسين محمد كمال، مدير عام مركز ترميم الآثار بالمتحف المصرى الكبير، عن رحلة الترميم التى بدأت منذ تأسيس المركز عام 2006، وعن آلاف القطع التى استعادت حياتها، وعن مستقبل المهنة فى عصر الذكاء الاصطناعى، وكيف أصبحت مصر نموذجا عالميا فى علوم الترميم وصون التراث الإنسانى.

وإلى نص الحوار:

ما هو تاريخ إنشاء مركز الترميم، وكم يبلغ عدد القطع التى تم ترميمها حتى الآن داخل معامل المتحف؟

تم إنشاء مركز الترميم بالمتحف المصرى الكبير فى إطار المرحلة الثانية من المشروع القومى لإنشاء المتحف، بهدف استقبال وتجهيز القطع الأثرية للعرض المتحفى وفق أعلى المعايير العالمية فى الحفظ والصون.

بدأ العمل فى تأسيس المركز عام 2006، وتم الانتهاء من تجهيزه بالكامل فى عام 2009، ليُفتتح رسميا فى عام 2010.

يقع المركز على مساحة تبلغ 32.000 متر مربع، ما يجعله أكبر مركز ترميم فى العالم من حيث المساحة والتجهيزات. ويضم المركز 19 معملا متخصصا، من بينها 6 معامل للصيانة العلاجية «الترميم»، و5 معامل للصيانة الوقائية، بالإضافة إلى 8 معامل متقدمة للفحوص والتحاليل العلمية.

وقد نجح المركز، منذ تأسيسه وحتى اليوم، فى ترميم عشرات الآلاف من القطع الأثرية التى تنتمى إلى مختلف العصور المصرية القديمة، ضمن منظومة علمية دقيقة تجمع بين الكفاءة الفنية والتقنيات الحديثة، وكذلك تثبيتها داخل قاعات المتحف.

هل هناك قطع أثرية تم اكتشاف أشياء جديدة عنها أثناء الترميم؟

شهدت معامل الترميم بالمتحف المصرى الكبير العديد من الاكتشافات المهمة خلال عمليات ترميم القطع الأثرية، حيث تم التوصل إلى معلومات جديدة لم تكن معروفة من قبل أو كانت غير مرئية بالعين المجردة، ويأتى ذلك فى إطار فلسفة مركز الترميم، التى لا تقتصر فقط على الحفاظ المادى للقطعة الأثرية، بل تمتد إلى اكتشاف الأبعاد التاريخية والثقافية الكامنة خلفها.

فنحن نؤمن أن كل قطعة تحمل قصة، وأسرارا دفينة لا تكشفها سوى أدوات التحليل العلمى والفحص الدقيق، ومن هنا، فإن دور المرمم لدينا يتجاوز الجانب الفنى ليصبح باحثا يسهم فى إعادة كتابة تفاصيل من التاريخ القديم، وقد حرصنا منذ انطلاق المركز على غرس هذا المنهج العلمى المتكامل فى كوادر الترميم، ليكون الكشف عن المعرفة والحفاظ عليها هدفا موازيا لصون المادة الأثرية ذاتها.

ما أكثر لحظة شعرت فيها بالفخر خلال مسيرتك فى المتحف؟

أشعر بالفخر فى كل مرة أُتيحت لى فيها فرصة عرض فلسفة وتقنيات الترميم الحديثة التى ينفرد بها مركز ترميم الآثار بالمتحف المصرى الكبير، خاصة خلال مشاركاتى فى المؤتمرات الدولية والمحافل العلمية فى دول تُعد من رواد الحفاظ على التراث الثقافي.

لكن تبقى واحدة من أكثر اللحظات التى شعرت فيها بالفخر الشديد، هى عندما دعيت لإلقاء محاضرة عن مركز الترميم خلال الاحتفال باليوم الأوروبى لترميم الآثار، الذى أُقيم فى أثينا باليونان عام 2023، بحضور ممثلين عن كبرى المتاحف الأوروبية والأمريكية.

فى تلك اللحظة، رأيت الإعجاب والانبهار فى عيون الحضور وهم يكتشفون مدى التقدم الذى وصلت إليه مصر فى علوم الترميم والحفاظ على التراث، كان شعورا استثنائيا أن أُمثّل بلدى فى هذا المحفل، وأن أرى مصر تُقدَّم للعالم ليس فقط كمهدٍ للحضارة، بل كدولة قادرة على صون هذا الإرث العلمى والإنسانى بمستوى يضاهى كبرى المؤسسات العالمية».

كيف تتعاملون مع التحديات البيئية مثل الرطوبة أو التغيرات المناخية فى عمليات الحفظ؟

«نحن فى مركز الترميم بالمتحف المصرى الكبير نتبع نهجا علميا واستباقيا للتعامل مع التحديات البيئية، وعلى رأسها الرطوبة النسبية والتغيرات المناخية التى قد تؤثر على سلامة القطع الأثرية، فى الحقيقة، بدأ هذا النهج منذ مرحلة التصميم الأولى لقاعات العرض، حيث قمنا بإعداد دليل تقنى شامل لمصممى المتحف، يضمن بيئة مثالية تحقق الحفظ طويل المدى، بما يتماشى مع المعايير الدولية.

هل هناك برامج تدريبية لتأهيل جيل جديد من المرممين فى المتحف؟

نعم، فى مركز الترميم بالمتحف المصرى الكبير نضع على رأس أولوياتنا إعداد وتأهيل جيل جديد من المرممين يتمتع بكفاءة علمية وعملية عالية، لدينا برامج تدريبية متخصصة تتسم بالمنهجية والاحتراف، ويُعد التدريب العملى داخل المعامل المزودة بأحدث التقنيات أحد أبرز ركائزها، حيث يعمل الأخصائيون الجدد جنبا إلى جنب مع خبراء المركز، ويكتسبون خبرة مباشرة من التعامل مع القطع الأثرية، وهو ما يمنحهم خبرة ميدانية استثنائية لا تتوفر بسهولة فى أماكن أخرى.

نحن نؤمن إيمانا راسخا بأن التعليم المستمر هو مفتاح التميز، لذلك نقوم بمراجعة وتحديث المحتوى التدريبى بشكل دورى ليتماشى مع أحدث التطورات فى علوم الترميم والحفظ عالميا.

ونحن لا نقوم بتدريب أخصائيينا الجدد فحسب، بل نحرص على مشاركة خبراتنا المتراكمة من خلال التعاون مع عدد من الجامعات والمؤسسات المتخصصة، داخل مصر وخارجها، حيث ننظم ورش عمل تدريبية ولقاءات علمية ننقل فيها ليس فقط الخبرة التقنية، بل أيضا فلسفة المركز فى التعامل مع التراث، وهذه الخبرة لا تقتصر على الجانب الأكاديمى، بل تنبع من سنوات طويلة من التعامل مع آلاف القطع الأثرية المختلفة فى المادة والحالة.

كيف ترى مستقبل مهنة الترميم فى مصر؟ وهل هناك توجه لإدخال الذكاء الاصطناعى أو الواقع الافتراضى فى هذا المجال؟

مهنة الترميم فى مصر تمر بمرحلة ازدهار حقيقية، ومستقبلها يبدو واعدا فى ظل ما تشهده البلاد من طفرة فى مشروعات المتاحف والحفاظ على التراث، هناك وعى متزايد بأهمية الترميم ليس فقط كأداة لصيانة الأثر، بل كركيزة أساسية فى الحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية. وهذا يفتح آفاقا واسعة أمام الأجيال الجديدة من المرممين والباحثين المتخصصين.

أما على صعيد التكنولوجيا، فهناك بالفعل توجه جاد نحو دمج أدوات الذكاء الاصطناعى والواقع الافتراضى فى مجال الترميم، وهى خطوة ضرورية لمواكبة التطور العالمي. بدأنا اتخاذ خطوات عملية فى هذا الاتجاه، حيث تسهم هذه التقنيات فى تحسين تحليل الحالة الأثرية، ودعم القرار العلمى قبل أى تدخل مباشر، خاصة فى الحالات المعقدة.

نحن نسير فى اتجاه أن يصبح المرمم ليس فقط فنيا متخصصا، بل باحثا يعتمد على العلم والتكنولوجيا الحديثة، ويشارك فى صياغة مستقبل الحفاظ على التراث.

هل هناك تعاون دولى فى مجالات الترميم أو نقل الآثار داخل المتحف؟

نعم، التعاون الدولى يُعد من الركائز الأساسية فى استراتيجية عمل مركز الترميم بالمتحف المصرى الكبير، نحن نحرص على الانفتاح المستمر على المؤسسات العالمية الرائدة فى مجالات حفظ وصيانة التراث الثقافى، ونسعى إلى تبادل الخبرات ونقل أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة فى مجال الترميم والمتاحف بشكل عام.

لقد شاركنا فى عدد من المشاريع الدولية المهمة مع متاحف وهيئات دولية مرموقة، ونواصل توسيع شبكة علاقاتنا الدولية، من أبرز هذه المشروعات تعاوننا المثمر مع مؤسسة الجايكا اليابانية، والذى كان نموذجا للتكامل بين الخبرة المصرية والتكنولوجيا العالمية المتقدمة.

مثل هذه الشراكات لا تقتصر على تطوير القدرات المحلية فقط، بل تساهم أيضا فى تعزيز الصورة العالمية لمصر كمركز إقليمى وعالمى متميز فى مجال حفظ التراث الإنسانى، نحن نؤمن بأن تبادل المعرفة والتكنولوجيا هو الطريق الأمثل لضمان مستقبل أكثر استدامة لآثارنا

هل مركز الترميم مقتصر فقط على ترميم الآثار المصرية؟

رغم أن التراث المصرى يشكل محورا رئيسيا فى أعمالنا، إلا أن مركز الترميم بالمتحف المصرى الكبير لا يقتصر فقط على ترميم الآثار المصرية. لقد تأسس المركز برؤية طموحة ليكون مركزا إقليميا ودوليا متكاملا فى مجالات الترميم والحفظ، يخدم التراث الثقافى على مستوى أوسع يمتد ليشمل مختلف مناطق مصر، بالإضافة إلى دول عربية وإفريقية ومن كافة انحاء العالم.

كما يقدم المركز خدمات ترميم متخصصة مدفوعة الأجر داخل مصر، ولعل من أبرز تلك المشروعات ترميم مجموعة الكتب النادرة الخاصة بالبرلمان المصرى، وهو نموذج يعكس مدى تنوع وتوسع خدمات المركز، ونتطلع فى المرحلة المقبلة إلى تقديم هذه الخدمات على المستوى الدولى، بما يعزز من مكانة مصر كمركز رائد فى علوم حفظ التراث.

كيف ستتم عملية المتابعة الدورية للقطع الأثرية المعروضة؟

فى المتحف المصرى الكبير نعتمد على منظومة علمية دقيقة ومتكاملة لمتابعة الحالة الفيزيائية والكيميائية للقطع الأثرية المعروضة، لضمان الحفاظ عليها على المدى الطويل وفقا لأعلى المعايير العالمية، هذه المتابعة لا تتم بشكل عشوائى، بل من خلال خطة محكمة تشمل عدة مستويات من الفحص والرصد الدورى.

نبدأ بتوثيق دقيق لحالة كل قطعة قبل العرض وأثنائه وبعده، لرصد أى تغيرات قد تطرأ على المواد أو الألوان أو البنية الداخلية، كما تخضع بيئة العرض نفسها لمراقبة مستمرة.

وتتولى فرق متخصصة من الأثريين والمرممين تنفيذ الفحص الميدانى بشكل منتظم، مع إعداد تقارير تقييم دورية للقطع الاثرية. هذا النهج العلمى يسمح لنا بالتدخل السريع فى حال ظهور أى مؤشرات تستدعى إجراءات علاجية أو وقائية.

بعد كل هذه السنوات من العمل، ما شعورك مع الافتتاح الرسمى للمتحف المصرى الكبير؟

الافتتاح الرسمى للمتحف المصرى الكبير هو بلا شك لحظة تاريخية فارقة، لا تمثل فقط إنجازا وطنيا لمصر، بل تمثل أيضا محطة مضيئة فى مسيرة صون التراث الإنسانى بأسره، بعد سنوات من الجهد المتواصل والتخطيط الدقيق، يمكننى القول إننا نشعر جميعا، كفريق عمل، بفخر عميق لما تحقق من إنجاز على أرض الواقع.

الدكتور-حسين-كمال-والزميل-محمد-أسعد
الدكتور-حسين-كمال-والزميل-محمد-أسعد

 

حسين-كمال
حسين-كمال

 

موعد-افتتاح-المتحف-الكبير-بدأ-العد-التنازلي-1759155830892_highres
موعد-افتتاح-المتحف-الكبير-بدأ-العد-التنازلي

 

819709
 

 

a7a172f0-8b13-11ef-bdd6-91ca65a36254-file-1729010200475-342699763



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة