"لدى الشرق الأوسط مفاوضون بارعون"، حقيقة وليست مجرد عبارة إعجاب وردت على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمره الصحفي صباح اليوم عندما همس في أذنه وزير خارجيته ماركو روبيو، يبلغه خبر التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار النهائي بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية على أرض شرم الشيخ
مدينة السلام. فالحقيقة أن مصر طوال تاريخها عنوان للدبلوماسية القوية والمفاوضين البارعين في الحرب والسلام.. كما أن مصر لديها مدرسة من خبراء جمعوا بين الدبلوماسية والاستراتيجية، والربط بين عبقرية التفاوض والحسم وإدارة الأزمات.. وبين الدبلوماسية الناعمة والصلبة وهي مدرسة لا تقل عراقة عن الدبلوماسية الأوروبية الحديثة، التي لخصها لي السفير رياض سامي أحد الضباط الأحرار ومدير إدارة غرب أوروبا الأسبق في عبارة (الحرب لا تبدأ إلا عندما تتوقف الدبلوماسية). وهذا ليس جديدا على مصر..
تاريخيا نحن أقدم حضارة ودولة لها سفراء وممثلون دبلوماسيون ..حيث تكشف لوحات أثرية فرعونية بلغ عددها 360 لوحاً من الصلصال عن مجموعة من الرسائل الدبلوماسية المتبادلة بين فراعنة الأسرة الثامنة عشرة التي حكمت مصر في القرنين الخامس عشر والرابع عشر وملوك بابل والحثيين. ورسخت معاهدة قادش 1278 ق.م في عهد الملك الفرعوني رمسيس الثاني على عدة مبادئ معاهدة من أبرزها:
1- أهمية المبعوثين و الرسل والاعتراف بمركزهم في تحقيق السياسة الخارجية .
2- التأكيد على إقامة علاقات ودية وإشاعة السلام القائم على ضمان حرمة أراضي الدواتين وتحديد التحالف و الدفاع المشترك .
3- مبدأ رعاية الآلهة للعهد كقسم وتحريم النكث بالعهد.
4- مبدأ تسليم المجرمين والعفو عنهم إنما دون تمييز بين المجرم العادي و المجرم السياسي.
وفي عهد الدولة العلوية، أسرة محمد علي باشا، منذ مطلع القرن التاسع عشر عام 1819 تم إنشاء نظام الترجمان للاتصال بالجاليات الأجنبية تبعه
نشأة ديوان الأمور الافرنكية و نظارة الخارجية، وكان المفاوضون المصريون بارعون في مفاوضات استقلال مصر عن انجلترا وتحررها في 22 فبراير 1922.
ولمعت أسماء دبلوماسية كبيرة كمفاوضيين منهم محمد صلاح الدين و محمود فوزي ومحمود رياض ومحمد حسن الزيات وحافظ إسماعيل وإسماعيل فهمي وعصمت عبد المجيد. وغيرهم..
ومصر طوال تاريخها عملت على الدفاع عن القضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، وكانت الاكثر حرصا على تقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية وفي مرات عديدة حضرت فيها اجتماعات الفصائل، كنت أرى قوة المفاوض المصري و قدرته على إقناع الأطراف المختلفة بالعودة للحوار وحقن الدماء والحرص وتغليب المصالح الفلسطينية العليا فوق كل اعتبار، دبلوماسية تعمل في صمت د ون ضجيج أو انتظار كلمة شكر من أحد، فهي تعتبر أن الأمن القومي العربي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.