تعتبر محافظة الوادى الجديد واحدة من أهم مناطق السياحة العلاجية فى مصر والعالم العربى بفضل ما تمتلكه من كنوز طبيعية نادرة أهمها الآبار الساخنة والعلاجية التى تنتشر فى واحات الخارجة والداخلة والفرافرة، حيث تمتاز هذه العيون بتركيبة معدنية فريدة ودرجات حرارة مرتفعة تصل فى بعض المواقع إلى أكثر من أربعين درجة مئوية، ما يجعلها بيئة مثالية لعلاج العديد من الأمراض الجلدية والروماتيزمية والتهابات المفاصل، فضلًا عن كونها متنفسًا طبيعيًا يجمع بين جمال الطبيعة وصحة الجسد، وقد جعلت تلك المقومات من الوادى الجديد وجهة مفضلة للباحثين عن الراحة والاستشفاء بعيدًا عن صخب المدن، كما تمثل موردًا اقتصاديًا وسياحيًا يمكن أن يسهم بفعالية فى دعم خطط التنمية المحلية وتحفيز السياحة الداخلية والدولية على السواء.
ويعود تاريخ اكتشاف الآبار العلاجية فى الوادى الجديد إلى مئات السنين حين كان البدو والمقيمون فى الواحات القديمة يستخدمون تلك الينابيع الطبيعية لعلاج أمراضهم ولتجديد نشاطهم بعد رحلات الصحراء الطويلة، فقد أدركوا بالفطرة أن المياه المتدفقة من باطن الأرض تحمل عناصر معدنية تمنح الجسد راحة فورية وتزيل التعب، ومع مرور الزمن أصبحت بعض هذه الآبار مقاصد معروفة للقبائل والعائلات، وأطلقوا عليها أسماء خاصة تميزها عن غيرها، مثل بئر بولاق وبئر موط وبئر ناصر وبئر الجبل وبئر الحمه، وكلها مواقع سجلت حضورًا فى ذاكرة أبناء الوادى باعتبارها جزءًا من هويتهم وثقافتهم الشعبية، كما أن بعض البحوث الجيولوجية الحديثة أكدت أن تلك العيون تتغذى من خزانات جوفية عميقة تتصل بالمياه الجوفية القديمة الغنية بالكبريت والأملاح المعدنية، وهى نفس النوعية التى تجعل مياهها قادرة على الشفاء الطبيعى دون تدخل كيميائي.
من الناحية العلمية، أظهرت التحاليل التى أجرتها معامل ووزارة الموارد المائية أن مياه الآبار الساخنة فى الوادى الجديد تحتوى على نسب عالية من عنصر الكبريت والحديد والمغنيسيوم والبوتاسيوم، وهى عناصر معروفة بقدرتها على تنشيط الدورة الدموية وتخفيف التهابات المفاصل وتجديد خلايا الجلد، كما أن الحرارة المرتفعة لتلك المياه تساعد فى إرخاء العضلات وتسكين الألم وتحفيز الغدد العرقية على إفراز السموم من الجسم، وهو ما يجعل جلسات الاستحمام فى تلك العيون تجربة علاجية متكاملة، وقد تمت مقارنة خصائصها بمياه العيون الشهيرة فى أوروبا مثل “كارلوفى فاري” فى التشيك و“بادن بادن” فى ألمانيا، وأثبتت التحاليل أن المياه المصرية لا تقل جودة بل تتفوق فى بعض الجوانب بفضل نقائها الطبيعى وعدم تعرضها للتلوث الصناعى، إضافة إلى البيئة الصحراوية الجافة التى تحيط بها فتجعل الهواء نقيًا تمامًا مما يضاعف من الفائدة العلاجية.
ومن أبرز المناطق التى تشتهر بالآبار العلاجية فى الوادى الجديد منطقة ناصر الواقعة على بعد نحو 25 كيلومترًا من مدينة الخارجة، حيث تضم عددًا من العيون التى تتراوح حرارتها بين 37 و43 درجة مئوية، ويقصدها الزوار من مختلف المحافظات طلبًا للعلاج الطبيعى، وتوجد حولها مرافق خدمية متواضعة أقامهتها الجهات التنفيذية لاستقبال الزائرين، كما تعمل المحافظة على تطوير الموقع وتحويله إلى منتجع علاجى متكامل يضم وحدات إقامة وممرات ممهدة ومراكز علاج طبيعى، وأهمها بئر ناصر الذى يُعد من أشهر الآبار العلاجية فى واحة الخارجة نظرًا لتركيبته المعدنية النادرة وحرارته المعتدلة المناسبة للاستحمام الطويل، بالإضافة إلى بئر جناح الذى يقع فى منطقة مرتفعة تحيط بها الرمال الذهبية والنخيل، ما يمنحه طابعًا جماليًا مميزًا يجذب عشاق التصوير والاسترخاء فى الطبيعة.
أما فى واحة الداخلة فتبرز منطقة موط كإحدى أهم مواقع العلاج الطبيعى بالآبار الساخنة، إذ تنتشر فيها العيون التى يعتمد عليها السكان المحليون فى علاج الأمراض الجلدية المزمنة مثل الصدفية وحب الشباب والتهابات البشرة، ويحرص كثير من المرضى على تكرار الزيارة سنويًا لقناعتهم بفاعلية العلاج بالمياه الكبريتية، كما تشتهر الداخلة بوجود عدد من العيون التى تمتاز بمياهها الفوارة ذات التأثير المهدئ للأعصاب، ويحيط بها مناظر خلابة من الجبال والرمال الناعمة التى تضفى على المكان سحرًا خاصًا، فى حين تعد واحة الفرافرة نموذجًا آخر لامتزاج الطبيعة بالعلاج، حيث تنتشر العيون الدافئة وسط الكثبان الرملية البيضاء فى مشهد بديع يجمع بين الصحراء والماء، وهو ما جعلها قبلة للسياحة العلاجية والاستشفائية خصوصًا من الزوار العرب والأجانب الباحثين عن الهدوء والعزلة والراحة النفسية.
وأدركت محافظة الوادى الجديد منذ سنوات الإمكانات الكبيرة الكامنة فى هذه الموارد الطبيعية فبدأت فى تنفيذ خطط لتطوير مناطق الآبار الساخنة ضمن استراتيجية تنمية الوادى الجديد، حيث تم إعداد دراسات لتقييم كل بئر من حيث درجة الحرارة والتركيب الكيميائى ومعدل التدفق ومدى صلاحيتها للاستثمار السياحى والعلاجى، كما تم التنسيق بين وزارة السياحة والمحافظة لإدراج تلك المواقع ضمن خريطة السياحة العلاجية الوطنية، وجارٍ تنفيذ مشروعات للبنية التحتية مثل الطرق والمرافق والكهرباء لتحسين سهولة الوصول إلى المناطق النائية، إضافة إلى تشجيع المستثمرين على إقامة منتجعات علاجية متكاملة تشمل مراكز استشفاء طبى وساحات استحمام طبيعية ومرافق إقامة بيئية صديقة للطبيعة، وذلك بهدف تحويل الوادى الجديد إلى مركز عالمى للعلاج بالمياه المعدنية كما هو الحال فى مناطق أوروبا وآسيا التى تعتمد على هذه الصناعة الحيوية.
ولا تقتصر أهمية الآبار الساخنة فى الوادى الجديد على الجانب العلاجى فقط بل تمتد إلى كونها عنصر جذب سياحى وثقافى يجسد التوازن بين الإنسان والبيئة، فالمكان الذى تتدفق فيه العيون تحيط به دائمًا مظاهر الحياة الريفية البسيطة من نخيل وجمال ومزارع تقليدية، ويتيح للسائح تجربة فريدة تجمع بين السباحة فى مياه شافية والتنزه فى صحراء هادئة، كما أن الأهالى يحرصون على استقبال الزائرين بكرم الضيافة وتقديم الأطعمة المحلية مثل الفطير والعسل والبلح المجفف، ما يجعل التجربة متكاملة من حيث المتعة والفائدة، وقد بدأت بالفعل بعض الشركات السياحية فى تنظيم رحلات سفارى تشمل زيارة الآبار الساخنة ضمن جولات الوادى الجديد، إلى جانب مشاهدة الكثبان الرملية ومواقع الفخار القديمة والمقابر الأثرية، الأمر الذى يعزز من قيمة المحافظة كوجهة سياحية متكاملة تجمع بين العلاج والتاريخ والطبيعة.
وقال الباحث التراثى، مصطفى معاذ، إن سر تميز تلك الآبار يكمن فى طبيعتها البكر التى لم تمسها يد التلوث، مشددًا على أهمية وضع برامج علمية لمراقبة جودة المياه ودرجة حرارتها بصفة دورية وضمان استدامتها للأجيال القادمة، وتكثيف جهود المعاهد البحثية المتخصصة فى دراسة العلاج بالمياه المعدنية والكبريتية داخل المحافظة لتكون مركزًا علميًا مصريًا ينافس المراكز العالمية فى هذا المجال، وهو ما يتسق مع رؤية الدولة فى تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية بطريقة مستدامة تحافظ على البيئة وتخدم الإنسان فى الوقت ذاته، خاصة أن الوادى الجديد بما يملكه من مساحات شاسعة وبيئة صحراوية نقية مؤهل لأن يصبح أكبر منطقة استشفاء طبيعى فى الشرق الأوسط.
وأضاف معاذ، أنه مع ازدياد الوعى العالمى بأهمية السياحة العلاجية وعودة الناس إلى الطبيعة بحثًا عن الشفاء بعيدًا عن الأدوية الكيماوية، تبدو الآبار الساخنة فى الوادى الجديد كنزًا واعدًا ينتظر الاستغلال الأمثل، فهى ليست فقط مياهًا تتدفق من باطن الأرض بل هى إرث جيولوجى وإنسانى عميق يجمع بين العلم والإيمان بقوة الطبيعة، وإذا ما اكتمل الاستثمار فى هذه المواقع وفق أسس علمية وسياحية مدروسة فسيكون للوادى الجديد شأن كبير فى خريطة السياحة العالمية، لتعود هذه المحافظة الهادئة إلى دائرة الضوء كمقصد للاستجمام والعلاج فى قلب الصحراء الغربية حيث تتلاقى الرمال الذهبية والمياه الدافئة تحت سماء صافية لا تعرف التلوث ولا الضوضاء، وبذلك تظل الآبار الساخنة والعلاجية شاهدًا على عبقرية الطبيعة المصرية التى وهبت الأرض والجسد معًا نعمة الشفاء والجمال.
جدير بالذكر أنه مع تزايد اهتمام اللواء دكتور محمد الزملوط محافظ الوادى الجديد بدعم السياحة العلاجية على مستوى المحافظة، لتتحول إلى مقصدًا لراغبى الاستشفاء من جميع أنحاء العالم حيث يقصدها السائحون من مختلف الجنسيات للاستمتاع بالمناخ الصحى والعلاج الطبى الطبيعى تحت رعاية متخصصين فى هذا المجال من أبناء المحافظة، حيث تم شفاء العشرات من الحالات المرضية على أيديهم وكانت آخر جهود المحافظ هى استضافة مؤتمر «تسويق وتنشيط السياحة العلاجية والاستشفائية بالوادى الجديد»، والذى عُقد بقاعة المؤتمرات الكبرى بديوان عام المُحافظة، بحضور وفدا من الأطباء الأوروبيين والمصريين، فى مستهل زيارتهم للمحافظة ضمن فعاليات مؤتمر تسويق وتنشيط السياحة العلاجية والاستشفائية بمصر.

منتجعات خضراء تحيط بالآبار الساخنة

درجة حرارة البئر تصل الى 50 درجة

بئر الجبل بالداخلة

احد الابار العلاجية بالداخلة