
- لن تنسى مصر ولن ينسى المصريون الموقف العروبى الشجاع والنبيل الذى اتخذه جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز حين قرر أن يستخدم البترول سلاحا فى وجه الظلم
فى كل خريف يمر على أرض النيل وتعود إلينا نسائم أكتوبر، يطل علينا التاريخ من جديد لنتذكر أيام الانتصار العربى الكبير فى أكتوبر، تلك اللحظات التى وحدت القلوب قبل أن توحد الجيوش، تلك اللحظات التى وقف فيها العرب صفا واحدا خلف مصر وهى تسترد الأرض والكرامة معا، تلك اللحظات التى نستعيد فيها حالة الوحدة العربية الكبرى والدعم العربى الشامل من بلدان الأمة العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التى كانت فى طليعة الداعمين، تمسك بيد مصر وتقول للعالم إن العروبة ليست شعارا بل قيمة وشرف وإيمان.
لن تنسى مصر ولن ينسى المصريون الموقف العروبى الشجاع والنبيل الذى اتخذه جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز، حين قرر أن يستخدم البترول سلاحا فى وجه الظلم، وأصدر القرار الذى جعل العالم كله ينصت إلى صوت العرب للمرة الأولى بقوة وهيبة، وكتب ميلادا جديدا للقوة العربية حين تحولت موارد العرب إلى سلاح يحسم المعركة.
ومن وحى الانتصار أيضا لن ينسى المصريون الدعم السعودى الكبير فى معركة وجودية كبرى بعد ثورة 30 يونيو، بعد أشهر عجاف تحت حكم الإخوان، كادت مصر تفقد فيها هويتها وتسقط فى المشروع الفوضوى الذى اجتاح مصر وغيرها من البلدان فى الإقليم.
فحين اندلعت ثورة يونيو وعاد المصريون ليكتبوا صفحة جديدة من تاريخهم، كانت السعودية هناك مرة أخرى، داعمة ومساندة بصلابة، فجلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز أعلن بوضوح أن المملكة مع مصر، لا تخشى فى الحق لومة لائم، ولا تتأخر الرياض بدعمها المالى والسياسى بلا تردد، مما أعان مصر على الانتصار فى حرب الهوية، ودحر الإرهاب، والحفاظ على الدولة الوطنية.
ثم جاء عهد جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولى عهده صاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان، وقد كان جليا منذ فجر هذا العهد أن مصر تحظى بمكانة خاصة فى وجدان وقلب وعقل القيادة السعودية، وعلى الضفة الأخرى كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يعيد ترتيب أوراق مصر الداخلية والإقليمية والدولية، وليبدأ معه فصل جديد من النضج فى العلاقات بين البلدين، نضج قائم على التفاهم المشترك، والاحترام المتبادل بين جلالة الملك وولى عهده الذى يقود تغييرا هائلا فى المملكة، وبين الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى تعد العلاقات المصرية السعودية فى قمة أولوياته الإقليمية.
ولا يمر حدث إقليمى أو دولى، أو محنة كبرى فى الإقليم حتى تتعلق الأنظار بهذا الثلاثى القيادى، الرئيس والملك وولى العهد، فى السياسة يتجلى التنسيق فى كل الملفات الكبرى من أمن البحر الأحمر إلى قضايا غزة واليمن والسودان، وفى الاقتصاد تحولت العلاقة إلى استثمارات حقيقية ومشروعات ضخمة وودائع بالبنك المركزى المصرى تعكس ثقة عميقة فى مستقبل مصر، وشراكة لا تبحث عن الربح فقط بل عن الاستقرار المشترك، وفى المجال العسكرى والأمنى تتواصل المناورات والتدريبات المشتركة التى تؤكد وحدة المصير بين الجيشين المصرى والسعودى، وتكشف أن أمن مصر هو امتداد طبيعى لأمن السعودية، والعكس صحيح.
ورغم كل محاولات الوقيعة والشائعات التى تظهر بين الحين والآخر، تظل السعودية ثابتة على مواقفها، تؤكد كل مرة أن علاقتها بمصر علاقة مبدأ وتاريخ ومصير، والمصريون من جانبهم يدركون قيمة هذا الثبات، ويعرفون أن ما يجمع القاهرة والرياض ليس مجرد مصالح عابرة، بل إيمان عميق بأن قوة كل منهما هى الضمانة الحقيقية لقوة العرب.
واليوم، حين ينظر المصريون إلى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، فإنهم يرونه نموذجا للقائد الشاب القوى الذى صنع تجربة ملهمة فى التطوير والتغيير، تجربة تنقل المملكة إلى المستقبل بثقة وشجاعة. وفى مصر نتابع هذه التجربة بإعجاب واحترام، ونرى فيها شريكا طبيعيا لمسارنا فى الإصلاح والبناء ومواجهة القوى الظلامية، فالأمير محمد بن سلمان يجمع بين رؤية العقول الشابة وحكمة الدولة صاحبة العمق والحكمة، ويمد الجسور مع مصر على قاعدة الثقة والاحترام المتبادل.
إن استمرار التعاون بين القاهرة والرياض، فى ظل هذه القيادة الثلاثية المضيئة، ليس خيارا مرحليا محدودا بالزمن أو بمصلحة عابرة، لكنه قدر استراتيجى للأمة العربية، فكلما ازداد التنسيق بين مصر والسعودية، اتسعت مساحة الأمن، وتعززت قدرة العرب على مواجهة التحديات.
وما بين روح أكتوبر ورؤية المستقبل، تمضى مصر والسعودية معا، على عهد واحد، وإيمان واحد، بأن قوتهما المشتركة هى صمام الأمان للعرب جميعا.
عاشت روح أكتوبر التى تذكرنا بدروس الانتصار، وروح الوحدة والتعاون مع شركاء النصر من الأشقاء العرب.
