إنَّ العَلاقة بين مصر والسعودية لا تقف عند حدود ما نسميه التعاونٍ المرحليّ؛ لكنها شراكة قدرٍ ومصيرٍ، تنبضُ في سطور التاريخ وتقوم فلسفتها على ثوابت العقيدة والفكر والرؤية، المتسقة مع وسطية المنهج ونقاء المعتقد؛ حيث التوافق على نبذ كلَّ فكرٍ طائفيٍّ أو نزعةٍ جامحة تُفرّق وتورث التشكيك؛ لذا اتسمت ماهية البلدين بتوحد في الإرادة؛ كي تصبحا قادرتان على صدّ صور التطرّف وحماية وصونِ أمنِ البحر الأحمر الذي يشهد على يقظتهما الدائمة، وتلاحم رؤاهما في وجهِ التحديات؛ ومن ثمّ، لا تسمحُ القاهرة ولا الرياض لأيّ يدٍ أن تعبث بسلامهما أو تمسّ مصالحهما الراسخة.
نسيج المودة بين البلدان لا تنال منه الأيام؛ فشعبا جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية سجلا قيمتا الولاء والوفاء؛ فهناك عقيدة واحدة، وهوية واحدة، والغاية سامية تجتمع على الحلم العربي ووحدة الصف والمراد، لذا ما بين النيل والحرمين تفيض المحبة المتبادلة وتزدهر قيم التكامل والتضامن، إذ يشترك الشعبان في وجدانٍ واحدٍ ورؤيةٍ موحَّدةٍ لمستقبلٍ مشرقٍ يحمل راية العمران، ويُحبط كل فكرٍ دخيلٍ يسعى للنيل من مقدرات الأوطان، لتبقى القاهرة والرياض جناحي الأمة اللذين يرفرفان بالسلام على ربوع العالم.
تعد العلاقات الرسمية بين مصر والسعودية أنموذجًا فريدًا لأصالة التعاون؛ حيث تؤسس على الثقة المتبادلة واحترام الكلمة والمواثيق، وسائر القيم النبيلة التي يتحلى بها أصحاب العقيدة الغراء، وهذه العلاقات تمتد جذورها في التاريخ شاهدًا على وحدة المصير، وهنا نتحدث عن صورة شراكة متجذرة وليست وليدة اللحظة؛ فخلال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، وقف الملك فيصل – رحمه الله – موقفًا عربيًا مشرفًا حين استخدم سلاح البترول دعمًا لجبهة العرب، مؤكّدًا أن أمن مصر من أمن المملكة. وتكرّر المشهد بعد عام 2013، حين ساندت القيادة السعودية الرشيدة الدولة المصرية سياسيًا واقتصاديًا في مواجهة الإرهاب والتحديات التي كادت أن تعصف بالمنطقة، لتظل القاهرة والرياض رمانة ميزان الشرق الأوسط في الفاعلية والرشد ونُبل المواقف، ماضيتين في طريق السلام وتعزيز الاستقرار ونبذ التطرف بكل صوره.
الرئيس عبد الفتاح السيسي حريص على الدوام على أن يقدر دور المملكة العربية السعودية وقيادتها الرشيدة الرائد، ودومًا يعظم من الأفعال النبيلة التي تصدر عن قيادتها الحكيمة، ودومًا ما يشيد بعمق العلاقات وصلابتها وأثر ذلك في مواجهة التحديات، والرئيس أيضًا يقدر ويثمّن التعاون البنّاء الذي يجمع القاهرة والرياض من أجل ترسيخ استقرار المنطقة وتنميتها لتكون واحة للأمن والسلام والاستقرار، وهذا يتجلى في صور التناغم السياسي الذي يبدو في التنسيقٍ الوثيقٍ الذي يتناول القضايا والملفات الإقليمية؛ من القضية الفلسطينية إلى أمن البحر الأحمر، ومن الأوضاع في اليمن إلى المستجدات في السودان، وهو ما يعكس رؤية موحدة تستند إلى الحكمة والرشد، وتسعى إلى تحقيق الاستقرار والتنمية بعيدًا عن الصراعات والتجاذبات التي أنهكت المنطقة.
إنّ متانة وقوة وتماسك النسيج المصري السعودي، لا تنال منه محاولات الفتنة ولا مؤامرات المغرضين؛ كونه مرصع بالإيمان والوفاء وفقه ماهية المصير المشترك، والجميع يدرك محاولات الجماعات المأجورة وأصحاب المصالح الضيقة التي أرادت أن تعبث بوحدة البلدين أو تسيء إلى عمق العلاقة بينهما، غير مدركين أن هذه العلاقة تنبع من وجدان الشعبين قبل أن تعبّر عنها القيادتان الرشيدتان في مواقفهما المتزنة؛ فالمصريون والسعوديون تربّوا على قيم التكافل وحسن الجوار ووحدة الهدف، يجمعهم فكر النقاء حول تناول قضايا الأمة؛ ومن ثم، فإن هذا التلاحم لا يمثل فقط ركيزة الاستقرار في البلدين، بل هو صمام الأمان للعالم العربي بأسره؛ إذ به تُصان الأوطان، وتُحفظ الهوية، ويترسخ الأمن في وجه التحديات والأزمات والتهديدات التي تحيط بالمنطقة، ليبقى ما بين الهرم والحرم حصنًا منيعًا وسندًا دائمًا للعروبة والسلام.
الجاحد فقط من ينكر ما يقوم به البلدان الشقيقان، مصر والمملكة العربية السعودية من جهود مضنية؛ من أجل دعم أطر الاستقرار ودفع المنطقة لمسارات التنمية والنهضة؛ لذا تتحملا دون مواربة هموم الأمة العربية في ضميريهما، وتجمع بينهما تفاهمات عميقة حول قضاياها المصيرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تمثل جوهر الوجدان العربي ومركز اهتمام القيادتين، وعلى أثر ذلك يبذل البلدان جهودًا حثيثة ومضنية لإيقاف نزيف الدم في قطاع غزة، عبر اتصالات مستمرة ومشاورات دبلوماسية لا تتوقف أو تهدأ، واجتماعات تُعقد على مدار الساعة من أجل وقف إطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية العاجلة، ناهيك عن تبني كل من القاهرة والرياض رؤى مشتركة لإعادة إعمار القطاع، انطلاقًا من مسؤولية أخلاقية وإنسانية تعي حجم التحدي، وتؤمن بأن السلام العادل لا يتحقق إلا بالتكافل العربي الصادق، لتظل مصر والسعودية قلب العروبة النابض وركيزة الأمل في إنصاف الشعب الفلسطيني وصون كرامته.
نقول بصدق للعالم كله إنه من ضفاف النيل إلى أرض الحرمين تمتد خيوط المحبة والتآخي بين مصر والسعودية، وصورة العلاقةٌ لا تحدّها الجغرافيا ولا تغيّر منها نوازل الدهر، بل تزداد رسوخًا كلما اشتدت التحديات وتفاقمت الصعوبات؛ فهناك شعبان جمعتهما وحدة القيم، فخطّا معًا صفحات المجد في التاريخ العربي والإسلامي، وقيادتان تتشاركان البصيرة والرشد في رسم ملامح الحاضر وصناعة مستقبل آمن ومشرق للأمة، ومن عمق هذا التآزر تنبثق مسيرة تنموية واعية تُرسّخ الاستقرار وتُعلي من شأن التعاون، ليبقى البلدان نموذجًا لوحدة المبدأ والغاية، وركيزةً للأخوة العربية الصادقة التي لا تنطفئ جذوتها.
نشعر بالطمأنينة عندما تتجلّى عمق العلاقات المصرية–السعودية التي تبدو ملامحها في كل لحظة تشاور وتفاهم بين فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وجلالة الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث يترجم هذا التنسيق إلى سياسات واضحة ونتائج ملموسة، ليؤكد في نفوسنا أن ما بين الهرم والحرم روابط متينة من المحبة والوفاء لا تزعزعها الشائعات ولا مغالطات المغرضين، وهذا التناغم نرصده في الدبلوماسية النشطة والتواصل المستمر حول مختلف الملفات الإقليمية، من فلسطين وقطاع غزة إلى ليبيا وسوريا والسودان، ليبقى البلدان ركيزة أمن واستقرار العالم العربي ونبراسًا للتنمية والسلام المستدامين.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.