ترسخت أواصر العلاقات المصرية - السعودية بمسيرة حافلة من الدعم المتبادل؛ تاريخ زاخر بمحطات مضيئة من مواقف الدعم بين الشقيقتين مصر والمملكة العربية السعودية، ولطالما كانت مصر الداعم الأول للمملكة، وبالمقابل لم تتخل السعودية يوماً عن شقيقتها مصر، وتواصل المملكة دعمها لمصر حتى اليوم.
وبالعودة للتاريخ، نجد أن الدعم المتبادل كان مترسخًا بين البلدين، فعقب توحد المملكة كان البلد الأول الذى يزوره الملك عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية هو مصر قبل أن تصبح جمهورية وكان عام 1926 عامًا مهمًا فى العلاقات بين مصر والسعودية وكانت السعودية مؤيدة لمطالب مصر الوطنية فى جلاء القوات البريطانية عن الأراضى المصرية ووقفت إلى جانبها فى الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية.
وشارك الجيش السعودى فى جميع الحروب التى خاضتها الدولة المصرية ابتداء من حرب 1948 وبعد تعرض مصر للعدوان الثلاثى عام 1956 ساندت المملكة مصر وقدمت لها نحو 100 مليون دولار بعد سحب العرض الأمريكى لبناء السد العالي.
وعلى الصعيد الاقتصادى، تُعد مصر أكبر شريك تجارى عربى للمملكة؛ إذ تعد الشريك السابع فى جانب الصادرات، والتاسع فى جانب الواردات على مستوى دول العالم. كما تبوأت مصر المرتبة الثانية فى قائمة كبرى الدول التى تم إصدار رخص استثمارية لها بالسعودية وجاءت فى المركز الثانى من حيث المشروعات الجديدة بالسعودية.
2013.. محطة بارزة
ورغم تعدد محطات المساندة السعودية لمصر ؛ إلا أن عام 2013 كان محطة مفصلية في هذا التاريخ الحافل، ذلك الدعم الذى ترجمته المملكة بعدة خطوات ؛ ففى أعقاب ثورة 30 يونيو لم تتوان المملكة عن تقديم كافة أنواع الدعم للشعب المصري، الذي كان يعاني من نقص في الإمدادات البترولية، بعد أن توقفت شركات النفط العالمية عن البحث والتنقيب خلال حكم الإخوان. واستغلت المملكة ثقلها السياسي والاقتصادي في إقناع تلك الشركات بجدولة ديونها لدى الحكومة المصرية، واستئناف العمل مجددًا.
وجاءت السعودية على رأس قائمة المانحين الخليجيين لمصر، حيث قدمت نحو 5 ودائع، بقيمة إجمالية 8 مليارات دولار.
وعلى الصعيد السياسي، كان للمملكة دور بارز من خلال الخارجية السعودية في صد هجوم الدول الغربية، والمؤسسات الدولية على القاهرة بعد خروج المتظاهرين على حكم جماعة الإخوان الإرهابية وإزاحة رئيسها المخلوع محمد مرسي، وبعد جفاء مع نظام ثورة 30 يونيو استقبلت المحافل الدولية والأممية رموزه بكل ترحاب. وبعدها ترأست مصر الاتحاد الإفريقي، كما تولت رئاسة مجلس الأمن في 2017، إضافة إلى انضمامها لمعظم التكتلات الإقليمية والدولية.
وفى هذا الصدد يوضح الدكتور محمد الأحمد المحلل السياسي السعودى وأستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود بالرياض؛ أن المملكة كانت الداعم الأول للشعب المصرى الذى خرج عن بكرة أبيه ليعبر عن رأيه الحر الرافض لوجود حكم الإخوان، وتصدت السعودية لمشروع الإخوان ودعمت إرادة ورغبة الشعب المصرى فى الوقوف خلف قيادته المتمثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى، وعقب سقوط الإخوان بادر العاهل السعودي وقتذاك الملك عبد الله بمنح مصر مساعدات قدرها خمسة مليارات دولار.
ومنذ ذلك الوقت أخذت العلاقات الثنائية فى النمو على المستويين الرسمى والشعبى؛ وشهدت طفرة في التطور في كافة المجالات؛ مؤكدا أن العلاقات المصرية السعودية قوامها الاحترام والدعم المتبادل وقد برهنت المملكة العربية السعودية فى مواقف يصعب حصرها على حرصها على دعم الشقيقة مصر.
كما أكدت المملكة العربية السعودية فى أكثر من مناسبة على دعمها الكامل للأمن المائى المصرى باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الأمن المائى العربى، كما حثت إثيوبيا على التخلى عن سياستها الأحادية اتصالًا بالأنهار الدولية، والالتزام بتعهداتها بمقتضى القانون الدولى بما فى ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقع فى 2015، بما من شأنه عدم اتخاذ أية إجراءات أحادية فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى.
سلاح النفط فى حرب أكتوبر..
وأشار إلى أن المملكة كان لها دور محورى في حرب السادس من أكتوبر عام 1973، حين استخدم الملك فيصل بن عبد العزيز سلاح البترول كسلاح استراتيجي لدعم مصر ، وهو ما شكل نقطة تحول في مسار الصراع العربي الإسرائيلي.
كل تلك المواقف تبرهن على قوة العلاقات بين البلدين والتى تزداد قوة ورسوخا على المستويين الرسمي والشعبي ويظهر ذلك جليا في الزيارات المتبادلة والمتكررة بين الوفود الرسمية من البلدين وبين القيادتين في مصر والسعودية وفي إعداد العمال المصريين الذين يعملون في المملكة، ويظهر أيضا جليا في ازدياد أعداد السياح السعوديين الذين يسافرون لقضاء إجازاتهم الصيفية أو الشتوية في أرض الكنانة.
مصر دعمت السعودية..
وبالمقابل أيضا مصر دعمت الموقف السعودى فى الجامعة العربية عام 1990، وحشدت العرب خلف هذا الموقف ولولا مصر ما كان من الممكن خروج قرار عربى موحد ضد احتلال العراق للكويت، فقد كان حضور مصر لوجستيا وعسكريا، الركيزة فى إنجاح التحالف العربى الدولى لإخراج صدام من الكويت وتحريرها.
ولا ننسى المواقف التاريخية المصرية الداعمة للمملكة من بينها دعم الرئيس السيسى لأمن الخليج عندما قال أن أمن الخليج العربى جزء لا يتجزأ من أمن مصر.
وفى هذا السياق، يقول الكاتب الصحفى السعودى خالد الربيش مدير تحرير صحيفة الرياض، إن تاريخ العلاقات المصرية السعودية حافل بمواقف الدعم الأخوى الذى جاء استنادًا للعلاقات الراسخة بين البلدين والتى تزداد رسوخاً بمرور السنوات، ليس لسبب سوى أنها نابعة من إحساس القيادتين والشعبين الشقيقين بالمصير المشترك الواحد، وكان للأمير سعود الفيصل موقف تاريخى حينما لوحت هيلارى كلينتون بوقف المساعدات الأمريكية عن مصر، ووقتها كان رد الأمير فيصل حاسما حين قال "مصر لن تحتاج للمساعدات الأمريكية".
هذا الدعم المتبادل يجعل العلاقات نموذجاً فريداً يُحتذى به في عمق الروابط بين الدول في كل المستويات، ويدعم هذا المشهد ويغذيه، وجود إرادة سياسية مشتركة بين قيادتي البلدين، هدفها الأول تعزيز هذه العلاقات واستدامتها، والوصول بها إلى أبعد نقطة من التقدم والنمو والازدهار، بما ينعكس إيجاباً على المواطن السعودي والمواطن المصري خاصة، والمنطقة العربية عامة.