صلاح الجنيدي

مدن الحرفيين.. الطريق إلى تنمية مستدامة حقيقية

الثلاثاء، 07 أكتوبر 2025 02:44 ص


عندما تتعطل سيارة في مدينة مزدحمة كالقاهرة أو داخل أحد الكمباوندات أو القرى السياحية، يبدأ صاحبها رحلة بحث شاقة عن ورشة صيانة.

تلك الورش التي كانت يومًا ما جزءًا من نسيج المدن القديمة، صارت اليوم عبئًا على الكتلة السكنية الحديثة: ضوضاء، عوادم، تلوث بصري وبيئي، واختناق مروري لا ينتهي.


ومع آلاف السيارات التي تتنقل يوميًا بين ورش السمكرة والكهرباء والميكانيكا داخل الأحياء، تتحول المدينة إلى ميدان فوضوي يلتهم هدوءها وجمالها.


رؤية جديدة: مدينة حرفيين لكل مدينة مصرية

من هنا تنبع الفكرة:

ماذا لو أنشأنا مدن حرفيين متخصصة، متاخمة للمدن الكبرى، تُجمع فيها كل المهن والورش والخدمات ذات الصلة في بيئة منظمة نظيفة؟
لقد عايشتُ بنفسي أثر هذه الفكرة حين ساهمت في إنشاء مدينة الحرفيين بالغردقة، التي كانت نموذجًا رائدًا في القضاء على التلوث والعشوائية داخل المدينة.

حينها حدّثني الدكتور محمود شريف – وزير التنمية المحلية الأسبق، رحمه الله – باعتباره أحد رواد هذا الفكر في مصر، و أثنى على الفكرة..  مؤكّدًا أن الحل يكمن في إنشاء مدينة حرفيين لكل مدينة مصرية، مع وجود مجلس أمناء يتولى الإشراف والتنسيق لكل مشروع جديد.

تنظيم هندسي وتنمية شاملة :


الفكرة تتجاوز كونها تنظيمًا إداريًا؛ إنها رؤية عمرانية وتنموية متكاملة.
فكل مدينة حرفيين تُقام على أسس هندسية حديثة، تُقسَّم إلى قطاعات واضحة:

منطقة لصيانة السيارات، وأخرى للنجارة والسباكة، وثالثة للحدادة والرخام، إضافةً إلى مناطق خدمية تضم مطاعم وكافيهات ومحلات قطع غيار ومراكز تدريب ومطافئ وبريد ومرافق طبية صغيرة، بحيث تتحول المدينة إلى منظومة اقتصادية متكاملة وليست مجرد تجمع للورش.
فرص عمل وتنمية عمرانية جديدة.

إن إنشاء هذه المدن لا يُنقّي المدن الأصلية من الضوضاء والتلوث فحسب، بل يخلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ويضع الأساس لتنشأ تجمعات عمرانية جديدة تحيط بالمدن الكبرى وتشكل ظهيرًا تنمويًا فعليًا.

فحيثما تتوافر الوظائف، يتبعها الاستقرار السكاني، ومن ثم تزدهر الخدمات السكنية والتجارية والتعليمية والصحية، وتُولد حياة متكاملة نابضة بالإنتاج.

الاستثمار العقاري.. بين التباطؤ والتحول الذهبي :

لقد أصبح واضحًا أن الاستثمار العقاري في المبانى السكنية بمختلف أنواعها يشهد حاليًا حالة من التباطؤ نتيجة التشبع النسبي في السوق وغياب الطلب الحقيقي خارج بعض المناطق المحدودة.
لكن في المقابل، فإن إنشاء مدن الحرفيين يفتح أفقًا جديدًا أمام الاستثمار العقاري الإنتاجي القائم على النشاط والعمل، لا على المضاربة والبيع فقط.
فهذه المدن ليست وحدات صامتة من الأسمنت، بل كيانات نابضة بالحياة تجمع بين البنية الاقتصادية والعمرانية، وتُحوّل العقار من مبنى جامد إلى أصل منتج يولد فرص عمل ويُعيد للدولة عائدًا حقيقيًا مستدامًا.

التنمية الحقيقية لا تُقاس بعدد الأبراج بل بعدد الوظائف

إن مفهوم «مدينة الحرفيين» لا يهدف فقط إلى إراحة المدن من العبء، بل يحقق نقلة نوعية في بنية الاقتصاد المحلي، ويُعيد تنظيم العلاقة بين الحرفة والمجتمع.
كما يفتح الباب أمام استثمارات حقيقية من القطاعين العام والخاص في بنية تحتية منتجة تعود بالنفع الدائم، بخلاف الاستثمار العقاري التقليدي الذي تحوّل في بعض الأحيان إلى مضاربة على المساحات دون مردود تنموي حقيقي.

نحن بحاجة إلى أن نعيد تعريف التنمية، لا باعتبارها أبراجًا تُشيَّد، بل قدرة اقتصادية تُبنى.

فمدن الحرفيين تمثل نواة للتنمية المستدامة؛ فهي تجمع بين التخطيط العلمي، والبعد البيئي، والعائد الاقتصادي والاجتماعي.
وبذلك تتحقق معادلة التنمية المتوازنة:

مدن نظيفة وهادئة، وورش منظمة منتجة، وفرص عمل دائمة، وحياة حضارية آمنة.

نحو استراتيجية وطنية شاملة :

إن تبنّي فكرة "مدينة حرفيين لكل مدينة مصرية" ليس ترفًا عمرانيًا، بل ضرورة وطنية في زمنٍ تتزايد فيه الحاجة إلى التنمية المتكاملة.
فكل مدينة حرفيين تُقام اليوم هي خطوة حقيقية نحو تنمية عادلة ومستدامة، تُعيد للمدن المصرية وجهها المشرق، وللحرفيين مكانتهم، وللوطن توازنه العمراني والاقتصادي. ..والله ولى التوفيق



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب