تحدت العدوان وصعوبة الخيام.. الباحثة ريم الجزار صاحبة أول رسالة ماجستير من غزة خلال الحرب فى حوار مع "اليوم السابع": نزحت 11 مرة وفقدت أشقائى.. أسير مسافات طويلة للحصول على الكهرباء لشحن اللاب توب ولم استسلم

السبت، 04 أكتوبر 2025 01:00 م
تحدت العدوان وصعوبة الخيام.. الباحثة ريم الجزار صاحبة أول رسالة ماجستير من غزة خلال الحرب فى حوار مع "اليوم السابع": نزحت 11 مرة وفقدت أشقائى.. أسير مسافات طويلة للحصول على الكهرباء لشحن اللاب توب ولم استسلم الباحثة ريم الجزار

حوار / أحمد عرفة

 

<< والدتي أصرت أن أفرغ نفسي تماما لكتابة الرسالة وترك أعباء الخيمة كليا لها

<< أصابعي كانت ترتجف أثناء كتابة أحرف الرسالة خلال فصل الشتاء وعدم وجود تدفئة بالخيام ومع كل رجفة كنت أخطئ في كتابة الحروف

<< لم أكن استطيع التركيز في توليد الأفكار أو صياغتها بسبب الجو العام للحياة في الخيام

<< اعتمدت بشكل كامل خلال كتابة الرسالة ليلا على إضاءة كيبورد اللابتوب لعدم توافر أي مصدر للإضاءة

<< هاتفي تعرض لعطل بسبب المطر بعدما اعتمد عليه في بحث الكثير من النقاط واستعنت بهواتف أفراد أسرتي

<< استشهاد أفراد عائلتى وبعض أصدقائي كان يضعف معنوياتي في كتابة الرسالة

<< شقيقي الكفيف ساعدني في إعداد الرسالة وترك بصمته في بناء التصور المقترح لتطوير الخدمات لذوي الإعاقة

<< كنت أكتب في ذهني ما أريد كتابته بالرسالة وعندما أشحن اللاب توب أفرغ ذلك

<< تواصلت مع زميلتي من الضفة الغربية لكي تساندني في عدة نقاط تحتاج إلى إنترنت

 

الحصول على درجة الماجستير يظل حلما للعديد من خريجي الجامعات، مرحلة تحتاج إلى شغف وإرادة وطموح ودراسة معمقة وذهب صافي، وتوافر الأكاديميين المشرفين على الرسالة، لكن هناك نقطة في العالم لا يمكن أن تتحدث فيها عن أمان أو هدوء أو عصف ذهني، بل الحديث دائما عن قتل وتشريد وجوع وعطش وصواريخ وأصوات الزنانة، كلها أجواء لا تجعل أي دارس يحلم فقط بأن يخطو تلك الخطوة، خاصة بعد الإحصائيات التي كشف عنها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بأن هناك 382 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية دمرها الاحتلال جزئيا، و173 عالماً وأكاديميا وباحثا قتلتهم إسرائيل خلال الحرب.

اقرأ أيضا:

الاحتلال يقضى على أحلام "نبال الهسى".. قذيفة تستهدف خيمتها وتتسبب فى بتر يديها وتحرمها من احتضان ابنتها الرضيعة.. زوجها ينفصل عنها ويتركها مشردة مع والديها المسنين.. والأطباء يعجزون عن توفير أطراف صناعية لها

 
إعداد رسالة الماجستير هي خطوة أشبه بالمستحيلة لأي مواطن في غزة يعيش حياة النزوح المتكرر والقصف المتواصل، والجوع الشديد والتفكير فقط في توفير الطعام ومياه الشرب وقضاء الحاجات، ولكن هناك أناس إراداتهم صلبة مثل الحديد، لم يجعلوا مشاهد القتل والتشريد عائقا أمام إتمام رحلتهم العلمية، خططوا قبل الحرب اتخاذ هذه الخطوة، وجاء العدوان ولكن ظل الحلم مستمرا معهم رغم الألم والوجع وفقدان الأحبة، والانقطاع المتواصل للكهرباء والإنترنت.

داخل خيمة صغيرة في خان يونس، نزحت نصف عائلة ريم الجزار من شمال غزة إلى جنوبها، بينما بقي النصف الأخر في الشمال مشردين بعدما دمر الاحتلال منزلهم، مخيمات النزوح تعني لا كهرباء ولا انترنت متوافر بشكل مستمر، طقس حارق في الصيف وقارس في الشتاء وغزارة الأمطار، لا ورق أو أقلام، كل هذا لم يمنع تلك الفتاة العشرينية من إتمام رسالتها التي حملت عنوان "فعالية الخدمات المقدمة إلى الأشخاص ذوي الإعاقة بوزارة التنمية الاجتماعية في فلسطين، وبناء تصور مقترح لتطويرها"، لتكون أحد أوائل من يحصلون على درجة الماجستير في الحرب.

حوارنا الدكتورة ريم الجزار، للحديث عن رحلة إعدادها الماجستير خلال الحرب، وحجم المعاناة التي لاقتها خلال تحقيقها هذا الإنجاز، خاصة صعوبة الحياة داخل الخيام وتكرار النزوح منذ بداية الحرب، وتأثير استشهاد جزء كبير من عائلتها على معنوياتها خلال كتابة الرسالة، وتشجيع أسرتها لها، وكيف تحدت التحديات التي تسببت فيها الحرب من انقطاع متكرر للكهرباء والإنترنت وأهدافها في المستقبل وغيرها من القضايا والموضوعات في الحوار التالي..

الباحثة ريم الجزار
الباحثة ريم الجزار

في البداية حدثينا عن نفسك؟

أنا ريم الجزار ولدت في مدينة غزة، حيث إننى أخت لأربعة أولاد، وثلاث بنات، وكنت قبل الحرب أعيش مع أهلى في حي الرمال الشمالي في مدينة غزة.

ماذا حدث لعائلتك خلال الحرب؟

تلقينا مثل باقي سكان الشمال تهديدات وأوامر بالنزوح، واضطر جزء من عائلتى للفرار إلى الجنوب، بينما بقي ثلاثة أشقاء لي وزوجة وأبناء أحد أخوتي في الشمال.

كم مرة نزحت عائلتك خلال الحرب؟

فقد نزحنا 11 مرة من بداية الحرب الراهنة الدامية حتى هذه اللحظة، حيث نزحت من غزة إلى مركز إيواء تابع للأونروا في مدينة البريج، وكان مدرسة في السابق، ثم نزحت مرة ثانية من البريج إلى مركز إيواء تابع لمدرسة للأونروا في مدينة رفح، والنزوح الثالث كان إلى مواصي ثم إلى رفح حيث عشنا في خيمة، وأخيرا نزحت إلى مدينة المواصي بخان يونس، وهو النزوح الحالي، فقد كنت مع جزء من عائلتي والتي استطعنا النزوح إلى جنوب القطاع، أما أفراد عائلتي ممن لم يتمكنوا من النزوح إلى جنوب القطاع، وحوصروا وبقوا في الشمال فقد نزحوا عن ما يزيد عن 20 مرة هذا قبل ارتقاءهم بقصف منزل العائلة رحمة الله عليهم.

حدثينا عن حياة النزوح الصعبة التي تعيشينها؟

حياة النزوح صعبة وقاسية فعلى سبيل المثال عندما نضطر للنزوح إلى أرض فارغة، تكون هذه الأرض عبارة عن أرض  يجب تنظيفها من الحجارة وبعض مخلفات الدواب وأيضا الرمال غير مستوية وهناك مخاطر من وجود مخلفات عسكرية فتجدنا ينتابنا الحذر مع السرعة والتعب والتوتر الشديدين، ونعاني كسائر النازحين من انعدام أو شُح اساسيات ومقومات الحياة اليومية وصعوبات بالغة في محاولات ايجاد ما هو متوفر منها كتعبئة المياه الصالحة للشرب، فالنزوح الأول كان في فصل في إحدى المدارس، والفصل يعيش فيه حوالي 60 شخصا بين صغير وكبير، بينما في النزوح الثاني والثالث، عشنا في خيمة يدوية الصنع، تتكون من بطانيات أغطية النوم الشتوية ومن قطع النايلون، والحياة في الخيام بها أعباء كثيرة.

ما أبرز تلك الأعباء؟

هناك أعباء الحياة اليومية في الخيام ثقيلة وغير اعتيادية، كوقد النار للطهي بدلا من غاز الطهي وكغسل الملابس يدويا بدلا من الغسالة الأوتوماتيك ومتابعة وتعبئة المياه الصالحة للشرب ونقلها يدويا، وكذلك الحفاظ على نظافة الخيمة وكل شيء مختلف ومهلك ونحن غير معتادون على ذلك.

ماذا حدث لنصف عائلتك التي لم تستطيع النزوح إلى جنوب قطاع غزة وحُصرت في شمال قطاع غزة؟

الاحتلال قصف المنزل واستشهد جميع من يقطنون في البيت عدا شقيقي محمد هو الناجي الوحيد وخرج مصابا.

الباحثة ريم خميس الجزار
الباحثة ريم خميس الجزار

كيف تلقيت خبر استشهاد أفراد أسرتك؟

تلقيت خبر قصف منزلنا، وأنا على علم بأن باقي أفراد أسرتي يقطنون فيه ممن لم يتمكنوا من النزوح معنا، ومع مرور بضعة أيام، وفي أثناء محاولة استخراج العالقين تحت ركام البيت، تبين أن أشقائي استشهدوا، حيث استشهد شقيقي الصغير عبد الرحمن وأخي الكفيف يوسف وزوجة أخي محمد وأبنائه ميرا وعلي، وكذلك استشهدت عائلة عمي الممتدة جميعها، بينما خرج محمد مصابا، بعد التيقن من الخبر، قمتُ وسجدت لله سجود حمد على هذا المصاب ويلهمنا الصبر الجميل والثبات، وأذكر أنني شعرتُ بجفاف سريع وشديد فحاولت شرب الماء من الكأس لكنني لم استطيع لأنني لم استطع حمل كأس الماء آنذاك؛ لشعوري بثقل الكأس وكأنني كأنني أحاول حمل شيئاً لا يمكن رفعه من ثقل وزنه !!

كيف كان شعورك في هذه اللحظة؟

شعرت بهم وهم تحت ركام المنزل ولا يستطيع أحد استخراج جثتهم، وما زلت حتى الآن لا استطيع تجاوز الصدمة النفسية لفقدانهم، فعندما استشهد أفراد من أسرتي ممن لم يستطيعوا النزوح خارج مدينة غزة بسبب القصف الشديد والمتواصل، انصدمت بشدة ليس لأنني غير متوقعة حدوث ذلك، بل للأسف كان أمرا متوقعا لكل فرد في غزة، ولكن أصبت بالصدمة لأن من استشهدوا عشت معهم طفولتي، فهم سندي وسبب ضحكتي لقد فقدتهم بظروف غير إنسانية وبعد أن حال الاحتلال بين لم شملنا .

حدثينا عن رسالة الماجستير التي أعديتها خلال الحرب؟

رسالتى ناقشت الخدمات المقدمة إلى الأشخاص ذوي الإعاقة بوزارة التنمية الاجتماعية في فلسطين، وبناء تصور مقترح لتطويرها، وكانت تحت إشراف الدكتورة إباء اخريوش من جنين، والمناقش الداخلي الدكتور فخري مصطفى دويكات من نابلس، والمناقش الخارجي الدكتور جميل الصمادي من الأردن، حيث تمت مناقشة الرسالة في 10 يوليو 2024 عبر الإنترنت.

غلاف رسالة ماجستير عن ذوي الإعاقة الفلسطينيين
غلاف رسالة ماجستير عن ذوي الإعاقة الفلسطينيين

ما هو تخصص دراستك؟

حصلت على البكالوريوس في جامعة القدس المفتوحة بفرع غزة، والماجستير في الجامعة ذاتها، واختصاص التربية الخاصة في فرع رام الله، وبحمد الله حصلت على ترتيب الأولى على الدفعة على مستوى فلسطين بتقدير 92,4 %،  والدراسة في الجامعة إلكترونية، لذا فإن رسالتي والمراجع في اللابتوب، لذلك عندما نزحت مع عائلتى جهاز اللاب توب أول شيء أدخلته في حقيبة الطوارئ .

متى بدأت فكرة إعداد الماجستير؟

بدأت الفكرة قبل الحرب، حيث أنجزت جميع متطلبات برنامج الماجستير في التربية الخاصة عدا الأطروحة، كنت قد طبقت أداة الدراسة على محافظات قطاع غزة الخمسة، وبدأت في كتابة أطروحة الماجستير، وهي أخر الخطوات قبل تسليمها لمناقشتها، وتوقفت عن كتابتها مع بداية الحرب بسبب النزوح وعدم الاستقرار التام آنذاك، حيث أنني استطعت استكمالها والمناقشة بعد ذلك.

لماذا صممت على استكمال خطوات إعداد الماجستير رغم الحرب؟

الماجستير حلمي منذ زمن طويل، واستغرقت سنوات عديدة في عملية التقديم لمنح خارجية تغطي ماليا نفقة دراسة درجة الماجستير في التربية الخاصة ولأن البرنامج في التربية الخاصة غير مفتوح في فلسطين كنت أقدم للدراسة في الخارج، ففتح هذا التخصص في جامعة القدس المفتوحة فرع رام الله وفورا قدمت للدراسة عن بعد لأنني من سكان غزة ومن غير الممكن الذهاب وجاهيا لرام الله بسبب الحصار وإغلاق المعابر وسياسة المحتل في عرقلة السفر إلى الضفة من سكان القطاع.

متى بدأت التفكير في استكمال خطوات الماجستير بعد اندلاع الحرب؟

في بداية حرب 7 أكتوبر 2023 على غزة توقفت عن كتابة رسالة الماجستير لأني كنت قد نزحت من مكان سكني إلى مدينة أخرى في مدرسة إيواء للنازحين تابعة للأونروا في مدينة رفح، لكن مرور عدة أشهر قليلة تحدثت والدتي معي بأهمية الرجوع باستكمال كتابة الرسالة.

كيف شجعتك والدتك على بدء الإعداد برسالة الماجستير؟

والدتي أصرت كثيرا أن أفرغ نفسي تماما لكتابة الرسالة وترك أعباء الخيمة كليا، وكانت تقوم بأعمال الخيمة وكنت أرغب بتقليل الثقل عنها لكنها كانت ترد علي في كل مرة أن مساعدتي الحقيقية هي كتابة رسالة الماجستير وأنها أعظم هدية استطيع تقديمها لأمي وكانت تحثني وتلهمني كثيرا، وكنت أحمل على كاهلي مهمة إدخال السرور على قلبها؛ لأنني ادرك تماماً ماذا يعني لوالدتي نجاحي في إتمام دراستي، حيث أمي تحثنا من نعومة أظافرنا على طلب العلم، وكذلك كنت أعلم أن نجاحي سيدخل الفرحة لقلب امي بعد أحداث استشهاد أفراد من الأسرة.

كيف ساهم تشجيع والدتك لك في اتخاذ خطوات فعلية نحو كتابة الرسالة؟

والدتى تحملت ما لم يتحمله أحد وعلى الرغم من الأعمال الكثيرة للخيمة، وأمي غير معتادة ومجهدة، فقد كنا في حينها نطهو على النار لعدم توفر غاز الطهي، ونغسل ملابسنا على أيدينا، لكن رغم ذلك تفرغت لهذا كله ولم تطلب منى مساعدتها، خاصة أن أبسط الأفعال في الخيمة متعبة بتفاصيلها كافة، وتجميع أدواتها، وبالقيام بها حتى إتمامها، وكل هذا يحول الحياة لشاقة للغاية، وخارج خيال الإنسان الذي تعوّد على أن يعيش في منزل لكنها تحملت وكان هذا بمثابة دافع قوي لى كي أنجح في مهمتي.

هل والدتك فقط هي من ساعدتك على بدء كتابة رسالة الماجستير؟

أسرتي بشكل عام تدعم المتعلم حتى يبلغ منتهى المرحلة التعليمية، وبتفوق، خاصة التعليم من أولوياتنا في البيت.

ماذا عن دور والدك في دعمك بتلك الخطوة؟

والدي حفظه الله كان تشجيعه لي مستمرا فقد كان في محكات الوكبات، يثبتني بأقوال وحكم وقصص مُلهمة، لن أنسى فضل أبي لي فقد صنع لي في المنزل قبل أن يتدمر غرفة يطلق عليها غرفة الدراسة، أبي جهزها جيدا بمتطلبات الدراسة، ولكون الكهرباء غير مستقرة في غزة، وبسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي لا مفر منه، فقد جهز أبي لهذه الغرفة خط كهرباء عادي، وآخر من مولد، وآخر من بطارية كي لا اتعطل عن الدراسة بسبب انقطاع التيار الكهربائي أو الإنترنت.

هل كان لأشقائك دورا في دعمك لاستكمال الدراسات العليا؟

يوسُف رحمه الله إنه أخي الكفيف الذي ترك بصمته في بناء التصور المقترح لتطوير الخدمات التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين، وجميع أفراد أسرتي شجعوني لكن والدتي فرغتني لتلك المهمة خلال الحرب.

جانب من رسالة الماجستير
جانب من رسالة الماجستير

هل هناك أشخاص آخرين شجعوك على كتابة الرسالة؟

نعم.. أستاذتي المشرفة على رسالة الماجستير الدكتورة إباء اخريوش، والتي شجعتنى كثيرا على إتمام الرسالة رغم ظروف الحرب والصعوبات التي واجهتها.

متى بدأت استكمال رسالتك خلال فترة النزوح؟

بدأت خلال نزوحى لمدرسة تابعة لوكالة الأونروا، حيث لا أنسى تلك اللحظة حين تحدثت إلى مدير مركز الإيواء، وذكرت له أنني أدرس الماجستير من رام الله، وأتممت جميع المواد، وتبقت لي الرسالة، وأرغب في استكمال كتابتها، حيث ساعدني في الحصول على إنترنت من الوكالة خاص بجهازي، وتوفير شحن كهرباء لأطول فترة ممكنة .

رسالك الماجستير تتحدث عن ذوي الإعاقة وتحدثت أن شقيقك الشهيد كان كفيفا.. هل استعنت به خلال إعدادك رسالة الماجستير؟

يوسف أخي الكفيف كان موسوعة عالمية ومثقف في كافة المجالات، وخلال كتابة الرسالة استخدمت فرضية معينة وكانت تحتاج إلى الاستعانة بشخص من ذوي الإعاقة يتحقق به عدة شروطا، كانتسابه ضمن مستفيدي الأشخاص ذوي الإعاقة من الخدمات التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية، فاستعنت بشقيقي، خاصة أن الفرضية تعتمد على الخيال الواقعي، وعند تطبيقها نجحت وأعطتنى نتائج واقعية واستخدمتها في رسالة الماجستير .

رسالة ماجستير الباحثة ريم الجزار
رسالة ماجستير الباحثة ريم الجزار

كيف كنت تتواصلين مع شقيقك في ظل الحرب؟

التواصل معه خلال النزوح بصعوبة بالغة، حيث كان أخي في غزة وأنا في الجنوب، استعانتي به خلال الحرب كانت عن طريق الاتصال فقط، فكنت انتهز فرصة وجود شبكات اتصال، وأتوقف تماما عن التواصل معه وتطبيق الفرضية عند انقطاع إمكانية التواصل معه بسبب انقطاع سبل التواصل كاتصالات والانترنت، وحاولت أعطيه الفرضية حرفيا ليطبقها ويعطيني نتائج واقعية لتطبيقها وكتبت شكر لأخي في بداية الرسالة.

ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك خلال كتابة الرسالة؟

كنت أسير مسافات طويلة لكي أحصل على الكهرباء لشحن اللاب توب ولم استسلم، ولم أكن استطيع شحن اللاب أو الحصول على إنترنت لانقطاعهما فترات عن جميع انحاء القطاع، وتعقدت الظروف أكثر حيث لا كهرباء إلا في النقاط الطبية الميدانية وغير مسموح للمراجعين أو الأشخاص بشحن أجهزتهم، أيضا لم أتمكن من الحصول على بيانات الأشخاص ذوي الإعاقة والخدمات المُقدمة لهم من موقع وزارة التنمية ذلك بسبب إيقاف سيرفرات الموقع من قِبل الاحتلال، فلجأت لإجراء عدة لقاءات مباشرة مع مدير دائرة إدراج الأشخاص ذوي الإعاقة في ذات الوزارة غسان فلفل، وبرغم مخاطر الحرب المحيطة إلا أننا تمكنا من اللقاء المباشر عدة مرات وحصولي منه كمصدر معلوماتي أولي بديل عن موقع الوزارة على كافة البيانات المطلوبة لاستكمال إعداد الرسالة.

كيف تغلبتِ على أزمة صعوبات الحصول على مصدر كهربائي وخدمة الإنترنت في ذلك الوقت؟

لصعوبة الحصول على الإنترنت والكهرباء لجأت كثيرا إلى الكتابة الذهنية بمعني أنني كنت أكتب في ذهني ما أريد أن اكتبه في الرسالة وعندما استطيع شحن اللاب توب كنت أفرغ ذلك واستكمل الكتابة، وفي إحدى المرات تواصلت مع زميلتي من الضفة الغربية عبر الهاتف لكي تساندني في عدة نقاط تحتاج إلى انترنت، حيث بحثت عن بعض النقاط المستعجلة لرسالتي، وكانت تزودني بها، فحينها كان الاحتلال قد أوقف خدمة الإنترنت عن القطاع.

الكتابة الذهنية تحتاج إلى هدوء واستقرار وأمان نفسي وهذه أمور لا توفرها أجزاء الحرب.. هل واجهت في إحدى المرات نسيان ما تريدين كتابته في الرسالة لعدم قدرتها على كتابته ذهنيا ؟

لقد واجهت ضعفا شديدا في العصف الذهني، وفي التعبير الكتابي، وفي التركيز على ربط الأفكار وصوغها، وهو ما أحتاج إليه في كتابة الرسالة، كما أن تردد أخبار استشهاد أفراد عائلتى وبعض أصدقائي، كان يضعف معنوياتي في بعض الأوقات، ويشجعني للاستمرار أوقات، خاصة أنني فقدت العديد من أفراد عائلتي، وفقدت العديد من صديقاتي وأساتذتي.

حياة الخيام صعبة للغاية .. كيف استطعت التغلب على كافة معوقات تلك الحياة خلال كتابة رسالة الماجستير؟

بالفعل الحياة صعبة بالخيام، ففي الشتاء كان الجو باردا داخل الخيمة وخارجها، وليس لدينا أي مصدر للتدفئة، فكانت أصابعي ترتجف أثناء كتابة أحرف الرسالة، ومع كل رجفة في أصابعي، كنت أخطئ في الحرف الذي أريده، فأضغط على الحرف الذي بجانبه، أو الذي يعلوه، وكثيرا ما كنت لا استطيع التركيز في توليد الأفكار أو صياغتها بسبب الجو العام للحياة في الخيام، فبالنسبة لي كنت سابقا أكتب في غرفة مستقلة تماما ومجهزة للدراسة وللبحوث.

ماذا عن أزمة الانقطاع المتكرر للكهرباء وانعدام الإضاءة هل مثلت عائق لديك؟

كنت اعتمد بشكل كامل خلال كتابة الرسالة ليلا على إضاءة كيبورد اللابتوب وشاشته، وذلك لعدم توافر أي مصدر للإضاءة، فإضاءة الشاشة كانت تضيئ لي الورق عندما أقربها لها لأتمكن من رؤيتها وإضاءة الكيبورد كانت تتيح لي رؤية الحروف عند الطباعة باللمس، خلال إعداد رسالة الماجستير،  وواجهت أزمة أخرى خلال إعداد الماجستير وهو العطل الذي واجه هاتفي الذي كنت اعتمد عليه كثيرا في بحث الكثير من النقاط، ففي إحدى الليالي الشتوية استيقظنا على غزارة المطر علينا ونحن نيام داخل الخيمة وكان هاتفي قد وصله المطر وتعطل إثر ذلك، ولم اتمكن حتى اليوم من إصلاحه بسبب عدم وجود قطع غيار بديلة في القطاع، ولم أتمكن من شراء هاتف بديل بسبب التكلفة العالية للهواتف المستعملة وعدم إدخال هواتف جديدة بسبب حصار الاحتلال وغلقه للمعابر، لذلك استعنت بهواتف أفراد أسرتي.

تخطيت صعوبات عديدة منها إمكانية الموت خلال بحثك عن كهرباء لشحن جهاز اللاب توب ورغم كل المعوقات كانت لديك إرادة بضرورة الانتهاء من الماجستير خلال الحرب.. ما هي الرسالة التي أرديها من هذه الخطوة؟

أردت التأكيد على صمود هذا الشعب والهمة العالية التي يتسم بها الفلسطينيين، فالأمال والأحلام لن تنتهى أو تفنى عند شعبنا، وما فعلته يمثل نقطة أمل لكل فرد بأن الأحلام لم تنته رغم الآلام التي أنهكتنا الصعوبات استثنائية التي نواجهها، وأردت حث كل طالب على أن بناء الإنسان بالعلم يأتي أولاً ثم تباعاً يأتي اعادة بناء البنيان.

هل اتخذت خطوات لبدء كتابة الدكتوراه؟

بالفعل أطمح في الحصول على منحة لدراسة الدكتوراه، رغم استمرار الحرب، واعتبر أن تخطيته من صعوبات يعد ضرب من الجنون قد لا يصدقه البعض عندما بدأت كتابة الرسالة، وكيف انهيتها، لكنه تحول الى حقيقة، والأن أنا أبحث عن فرصة لاستكمال حلمي في دراسة الدكتوراة، حيثُ أعمل جاهدة على تذليل الصعاب أمام الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين.



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب


الموضوعات المتعلقة