فى مايو الماضى، كنت مع زملاء أعزاء فى زيارة للمتحف المصرى الكبير، وجلسنا ساعتين نستمع ونتحدث مع وزير السياحة وقيادات المتحف عن المتحف وحال السياحة، وكيف أن مع مجرد إعلان انتهاء العمل فى المتحف الكبير، تدفقت أفواج سياحية من كل دول العالم، وأن مصر تطمح للوصول إلى 30 مليون سائح فى العام، وهو رقم متواضع أمام ما تمتلكه مصر من كنوز غير موجودة فى أى مكان بالعالم، بجانب طقس معتدل طوال العام، وشواطئ ممتدة شرقا وغربا، الأمر الذى يجعل مصر مكانا نادرا بهذه الإمكانات.
وبالمناسبة فقد وصلت أعداد السياح إلى نصف الرقم المأمول، وهناك توقعات بزيادة بين 20 و35% لأجل المتحف الكبير وحده، وهو ما قد يعنى تسديد التمويل خلال سنوات قليلة، وربما لا يعرف كثيرون أن مصر بالفعل سددت نصف القروض التى حصلت عليها قبل سنوات، بجانب أن التكلفة هى أقل كثيرا من تقديرات دولية، وأيضا أقل مما يمثله المتحف المصرى الكبير بفكرته التى تعتبر إنجازا فى حد ذاتها، ولا تنسى مصر فضل أبنائها، ومنهم صاحب الفكرة وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، الذى تثبت الأيام أنه أحد أهم وأعظم وزراء الثقافة فى تاريخ مصر، ويستحق كل إنصاف، والواقع أن الفكرة كادت تختفى، لولا الشجاعة والدعم، والقرار الذى اتخذه الرئيس عبدالفتاح السيسى لاستكمال العمل فى هذا الصراح العالمى.
المتحف الكبير يرد على منصات اعتادت الكذب والتدليس، تتحدث عن تفاصيل هم جهلاء بها، فى محاولة للتقليل من قيمة حدث ربما لن يتكرر على مدى عقود مقبلة، وهو حدث أيضا غير مسبوق، ومن هنا فإن بعض المدعين - المستأجرين والمتمولين من الحافظين غير الفاهمين - ينتجون إفرازاتهم على مواقع التواصل، ليكشفوا عن حالة من الهيستريا، التى أصابتهم طوال شهور وهم يشاهدون كل ما أنتجوه من جهل وأكاذيب وشائعات، اختفى كزبد، وكانت الردود على كل ادعاءاتهم عملية، بعمل وبناء، فقد كانت كلمات الرئيس السيسى دائما «كل ما يهاجمونا نشتغل أكتر».
لهذا خلال شهر أكتوبر، أظهرت مصر انتصارات وصعودا، وقد ظلت تحمل طوال الوقت مسؤولية كبرى، وتجمع بين مواجهة التحديات والسعى للبناء والتنمية، ومنجزات كأن الأرض تنشق عنها، وتشير إلى بلد يبنى كل هذا فى ظل تحديات وجودية على مدى 11 عاما.
فقد واجهت مصر إرهابا فكك دولا من حولنا، كانت هذه المنصات تصفق للإرهاب، وتدعم الإرهابيين، ثم تشكك فى كل خطوة لإصلاح الاقتصاد، وسط أزمات اقتصادية عالمية وإقليمية، ومحاولات تلاعب وحصار، ومع هذا يجد المصريون الوقت للبناء بكل ما يستطيعون، ويواجهون بوعى كل هذا ويخرجون إلى العالم أقوياء قادرين على العمل فى كل اتجاه، مسالمين أقوياء قادرين على صناعة التوازن والردع والثقافة والحضارة فى آن واحد.
خلال عامين تصدت مصر لحرب إبادة شنتها إسرائيل ضد غزة وأهلها، ورفضت مصر أى مخططات للتهجير، وخلال أكتوبر كانت مصر تشهد التوقيع على اتفاق نهاية الحرب فى شرم الشيخ، التى استضافت قمة حضرها أكبر زعماء العالم ومنهم الرئيس الأمريكى، وتواصل مساعيها لمساندة الدولة الفلسطينية، وردت مصر على كل المزاعم والادعاءات، وأثبتت أنها الأكثر دعما ومساندة للقضية الفلسطينية، التى شهدت أكبر قدر من التقاطعات والمزايدات، واصلت مصر العمل بكل قوة وصمت، ظاهرا وخلف كل الخطوط، لتواجه مخططات هى الأخطر فى تاريخ القضية، وأجلت مصر افتتاح المتحف الكبير بسبب الحرب، ثم أعلنت عن الافتتاح الذى يحضره أكبر عدد من زعماء العالم ويمثل بالفعل عملا غير مسبوق، زارته العام الماضى 106 من جنسيات العالم، وأصبحت المطارات كلها مشغولة لدرجة تحويل رحلات الشارتر إلى مطارات برج العرب ومطروح، وهناك طلبات من روسيا وأذربيجان ودول أوروبا، وهو ما عرفناه فى حديث مع الوزير مايو الماضى، وتضاعفت الأرقام خلال الشهور التالية ولا تزال التدفقات والحجوزات تتوالى لتضحك على آراء «عبيطة» تغسلها النتائج.
فالمتحف يفتح مجالات لتدفقات بالملايين تنتج فرص عمل بعشرات الآلاف، للقطاع الخاص الذى يضع البرامج ويبنى الفنادق ويسوّق ويبيع.
المتحف الكبير أصبح حديث العالم، تستعد منصات وقنوات وصحف عالمية لبث الافتتاح لمتحف من 3 أجزاء، جزء خاص بتوت عنخ آمون ثم جزء مراكب الشمس التى تم نقلها من خلف الهرم، وعملية نقلها نفسها هندسيا وعمليا أمر مهم ومذهل، والثالث مجال لدراسات المصريات «إيجيبتولوجى»، والتى تجد اهتماما كبيرا فى كل دول وجامعات العالم، يأتى إليها الدارسون من كل دول العالم لاستكمال دراساتهم، وكما قال الوزير هناك تعاون مع الجايكا اليابانية، ومن المهم أن تكون مصر فى دائرة الدول التى تحتضن دراسات المصريات، وهو ما نراه فى اهتمام العالم بالبرديات أو المقتنيات المصرية، وهو ما يجعل المتحف الكبير، سرا من أسرار مصر، وربما تكشف علوم المصريات عن المزيد من أسرار الطب والتحنيط، وتفاصيل قد تقود لفك ألغاز العالم القديم، والحضارات.
