في شهر أكتوبر، تعود إلينا ذكرى النصر، لا كحدث مضى، بل كحكاية حيّة تسكن الذاكرة والوجدان، نستلهم من لحظاته روحًا ما زالت تنبض بالإرادة والصمود، روحًا علّمتنا أن لا مستحيل أمام من يؤمن بوطنه، ويضحي من أجله.
لقد عبرنا في أكتوبر خطًا لم يكن مجرد مانع مائي، بل كان حاجزًا نفسيًا وتاريخيًا، حطّمه جنود بسطاء آمنوا بأن الأرض لا تُسترد إلا بالعزيمة.
واليوم، وبعد مرور أعوام، نجد أنفسنا أمام عبور جديد، عبور لا يقل أهمية عن عبور القناة، إنه عبور إلى العمل، إلى الإبداع، إلى الإنتاج، عبور نحو الحلم الذي ينتظر من يحوّله إلى واقع.
لدينا معركة لا تُخاض بالبندقية، بل تُخاض بالإرادة، بالصبر، وبالجهد اليومي في كل موقع ومجال.
الوطن لا يزال ينتظر منّا الكثير، ينتظر سواعد تبني، وعقول تبتكر، وقلوب مخلصة لا تتراجع أمام الصعاب، في زمن تنهض فيه الأمم بسواعد أبنائها، لا مجال للتكاسل أو التراخي، ما أحوجنا اليوم إلى جيل بروح أكتوبر، جيل لا يعرف الوهن، ولا يتقن إلا لغة العطاء.
إن عبور المستقبل يبدأ من كل مواطن يرى في عمله رسالة، وفي جهده وسيلة لتحقيق حلم أكبر من ذاته، كل مزارع في أرضه، كل عامل في مصنعه، كل معلم في فصله، كل طبيب في مستشفاه، هم جنود هذا العبور.
قد لا تُرفع الرايات هذه المرة على الضفة الأخرى من القناة، لكنها سترتفع في وجدان كل من ينتصر على التحديات، ويصنع الفرق في حياته وفي حياة وطنه.
في ذكرى أكتوبر، لا نكتفي بالاحتفال، بل نستلهم الدرس، فكما كان النصر ممكنًا رغم كل التحديات، كذلك المستقبل ممكن، ومشرق، إذا اخترنا أن نعبر إليه، بإيمان، وعمل، وإصرار لا يلين.