حدث كبير، ليس فى مصر، ولكن فى العالم كله، لا يتكرر كثيرا، ولا توجد دولة قادرة على إقامة متحف بهذا الحجم والتنوع.. نقصد المتحف المصرى الكبير، الذى يفتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى، أول نوفمبر، فى حضور واسع من رؤساء وملوك ووزراء من كل قارات العالم، المتحف يضم عصورا من الآثار المصرية القديمة التى تعبر عن حضارة مصرية تمتد آلاف السنين، وتحمل الكثير من التفاصيل وتسجل الجدران والمعابد وتمثل أكبر مساحة من التوثيق لحضارة غير مسبوقة، ليست فقط فى المبانى، ولكن فيما قدمته هذه الحضارة للعالم، من أفكار وقوانين وما يسميه هنرى برستيد «فجر الضمير»، وكيفية قيام حضارة يبنيها البشر بثقافة وآداب وفنون وعلوم لا تزال تمثل لغزا فى عالم اليوم، ولا توجد دولة فى العالم تدرس حضارتها غير علم «المصريات»، ومن حسن الحظ أن المتحف المصرى الكبير يضم معهدا لدراسات المصريات، من أجل الباحثين فى مصر والعالم فى العالم لهذا العلم.
وحسب الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذى لهيئة المتحف المصرى الكبير، فإن المتحف هو الأكبر فى العالم، من حيث المساحة، ويمتد على مساحة 500 ألف متر مربع، بما يعادل 117 فدانًا، أى ضعف مساحة متحف اللوفر، ومرتين ونصف المتر من مساحة المتحف البريطانى، والواقع أن من زار المتحف البريطانى أو اللوفر يعرف أن هذه المتاحف تتباهى بالجناح المصرى الذى تعرض فيه آثار مسروقة أو منتزعة فى عهود الاستعمار، يضم المتحف المصرى الكبير أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، «تقدر فى بعض الإحصاءات بـ175 ألف قطعة» تغطى 7000 عام من التاريخ المصرى، ويتضمن مجموعة كنوز الملك توت عنخ آمون الكاملة التى تُعرض لأول مرة مجتمعة، بالإضافة إلى قطع أثرية أخرى تمثل عصورًا مختلفة، مثل ما قبل الأسرات والدولة القديمة والوسطى والحديثة والعصرين اليونانى والرومانى، وبالتالى نحن أمام عمل غير مسبوق، وهو بدء التفكير فى المتحف المصرى الكبير منذ بداية الألفية، من قبل فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، وتم بالفعل الاتفاق مع اليابان لكنه تعثر وبدا أنه توقف، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسى قرر البدء فيه ضمن عملية تطوير الحضارة والسياحة ومنح الآثار المصرية ما تستحقه من قيمة وتقدير.
وحسب الدكتور أحمد غنيم، فإن التكلفة الإجمالية لإنشاء المتحف حوالى 1.2 مليار دولار، ما بين قروض من اليابان بشروط ميسرة، والباقى تمويل من المجلس الأعلى للآثار، والجزء الباقى من التكاليف من تبرعات وصناديق دولية، مع الأخذ فى الاعتبار أن مجرد الإعلان عن انتهاء العمل فى المتحف 2021 تضاعف عدد السياح إلى مصر بنسبة كبيرة، وهناك تقديرات من هيئات عالمية تشير إلى أن المتحف بمفرده قادر على جذب بين 5 إلى 8 ملايين سائح سنويًا، بما يترجم إلى دخل يقارب 125 مليون دولار من تذاكر الدخول، وهو رقم ضخم يساهم فى سداد المستحقات، فضلا عن كونه قادرا على جذب رعايات دولية من اليونسكو والمنظمات الأممية.
يعتبر المتحف الكبير ومتحف الحضارات من الهيئات الاقتصادية الخاصة تدار بشكل مشترك من شركات فنية، وهو ما يجعل المتحف الكبير من أهم الخطوات الاقتصادية والثقافية فى تاريخ مصر الحديث، لأنه ليس مشروعا سياحيا بل استثمارى تنموى ضخم، سيعيد رسم خريطة السياحة فى مصر بالكامل.
يتوقع خبير فى اقتصاد السياحة أن تتجاوز العوائد الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، خلال العام الأول من الافتتاح، حاجز 2.5 مليار دولار، تشمل الإيرادات السياحية، والإنفاق المحلى، والنشاط التجارى المرتبط بالمتحف والمناطق المحيطة به، وهو ما يجعل التكلفة أقل كثيرا مقارنة بعوائد تتدفق بشكل مستمر، فيتضاعف تدفق السياحة إلى مصر بشكل غير مسبوق.
كل هذه التفاصيل تجعل من المتحف المصرى الكبير أحد أعظم المشروعات الإنشائية وأكبر متحف مفتوح فى العالم، يتميز بتصميم هندسى فريد من نوعه، وقاعات عرض حديثة، ومعامل ترميم تعدّ من أكبر المعامل على مستوى العالم، وهو مصمّم لاستقبال آلاف السيّاح يوميا، وقد تم اختيار التصميم الفريد بعد تنظيم مسابقة كبرى شارك فيها 1583 مشروعا من العالم، فاز بها مكتب هندسى من أيرلندا، لأنه ربط المتحف بالأهرامات.
حصل المتحف على 8 شهادات «آيزو» فى مجالات الطاقة والصحة والسلامة المهنية والبيئية والجودة، فضلا عن جائزة أفضل مشروع فى مجال البناء الأخضر.
نحن أمام عمل ضخم وغير مسبوق لا يوجد مثله فى العالم، قادر على جذب السياح من كل دول العالم، فيغطى تكلفته بشكل سريع، بجانب كونه بدأ بالفعل فى مضاعفة أعداد السياح بمجرد الإعلان عن افتتاحه، لكونه عنصر جذب وفخرا، فضلا عن أنه يمثل نقلة إضافية توظف شبكات الطرق والتحولات الضخمة فى البناء والإعمار بالشكل الذى يضع العالم أمام حدث غير مسبوق، وهو هدية مصرية حضارية للعالم وليس فقط للمصريين.
سبق وقامت مصر، خلال السنوات الماضية، بافتتاح طريق الكباش، وقبله موكب المومياوات الملكية، التى كانت من الأعمال الضخمة التى تفرض الحضارة المصرية على كل شاشات العالم، ثم جاء الافتتاح بعد تأجيلات لأسباب الحرب على غزة، التى توقفت بمساع مصرية وشهدت تقاطعا مصريا بمواجهة الإبادة والتهجير، والآن يأتى افتتاح المتحف فى ظل حضور غير مسبوق من ملوك ورؤساء ورؤساء وزراء، هو ليس فقط عنصر فخر لكل مصرى، لكنه سياحيا وتجاريا واقتصاديا يوفر فرص عمل ويضاعف من إشغالات الفنادق، مما يحقق مكاسب مباشرة وغير مباشرة تفوق أضعاف ما أنفق على هذا المشروع، الذى دعمه الرئيس السيسى، ومنحه قوته بجانب دعوة عدد كبير من الزعماء، فيأتى تنظيم هذا الحدث بعد أيام من جمع زعماء فى قمة شرم الشيخ، مما يضاعف من قيمة الحدث وصورة مصر، فضلا عن عوائد ضخمة.
