في الأوساط العامة المتابعة للقضية الفلسطينية، وكذلك في مساحات المعنيين، والمتداخلين مع ملف قطاع غزة، وفى كثير من المناسبات العامة والخاصة، هناك سؤالا مباشرا يقال بصيغة واحدة، حتى لو تغيرت الكلمات، وهو ماذا فعلت مصر لفلسطين وغزة؟!، ولذلك قررنا وضع نموذج استرشادى حول ماقامت به مصر للقطاع وللقضية، يمكن من خلال هذا التقرير الصحفى، الوقوف حول طبيعة الإجابة في اطارها العام، وإن كانت كل نقطة تحتاج لأهلها والباحثين لتقديمها بصورة مفصلة وقتما استدعت الحاجة.
وهذا بعض مما يمكن رصده ، وفي تلك السطور نحاول تجديد التذكير بما قامت به مصر، والشعب المصرى، دعما للقضية الفلسطينية، ورغبة في تحديد إطار للنموذج المصرى للإجابة على ذلك التساؤل، لعله يجد طريقه للحياة العامة، ويعرفه كل من يتحدث في شأن القضية الفلسطينية.
فلسفة عامة..حلم وواقع وإجراءات
اعتمدت مصر في دعمها للقضية الفلسطينية على مدرسة يمكن تسميتها بمدرسة الواقعية الإجرائية، وفيها تقوم مصر بتفعيل الإجراءات للتعامل مع الواقع، تماشيا مع أي مسار يمكن الوصول به لحل سريع وعاجل، وهو ماقامت به مصر كليا منذ اللحظة الأولى، فقد ساعدت مصر على صناعة خطاب سياسى رسمي وشعبى، دعما للقضية الفلسطينية، ورافضا لكل انتهاكات الاحتلال الاسرائيلى، ولا يستطيع أي فرد فى أي اتجاه، أن ينكر طبيعة الخطاب المصرى الرسمي والشعبى الداعم للقضية الفلسطينية، والرافض لكل الممارسات التي تجرى في القطاع، أو أي من جبهات القتال التي ذهبت إليها إسرائيل، وفى الفلسفة العامة حشدت مصر كل قوتها الخشنة والناعمة، الظاهرة والمخفية، في سبيل تحقيق الغاية النهائية، وتلك الغاية شقين، هما وقف المخطط الإسرائيلي في مجمله، وفتح مسار لاحياء القضية الفلسطينية باعتباره الحل العملى.

الرأي العام.. وعى قومى متجدد
في العامين الماضيين، تكون لدى المصريين مزاجا شعبيا عاما، ذلك المزاج الشعبى يعرف يقينا من هي إسرائيل، ويعرف مفهوم المواجهة معها، كما يدرك أن الشعب الفلسطيني تعرض لحربا غير متكافئة، ولابد من دعمه، ولذلك حافظ المزاج الشعبى المصرى على أركان الدولة المصرية، وبالتالي كان الخطاب الرسمى قويا، ويستمد قوته من قوة الشعب، بل وانطلقت مؤسسات الدولة المصرية من الاطار العام لتوجيهات الرئيس السيسى، وكذلك من مناخ عام قام به المصريين، لتحقق كافة التوجيهات.
تكون المزاج العام، أو الوعي القومى، بناء على المتابعة من كافة أطياف الشعب المصرى، وهذا الوعى القومى المتطور، كان ظاهرا، ويمكن رصده في كافة التفاصيل، ولو أن الدولة ترغب في اتجاه آخر لقامت بتهيئة هذا الاتجاه، لكن الدولة المصرية قررت أن يكون هنا وعيا سليما وحقيقيا للمصريين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
شعب مصر.. شعب حي يفتدى القضية
استطاع الشعب المصرى أن يبرهن على مدى حيويته، وتفاعله، وأنه " شعب حي" مهما تداعت عليه الظروف، فهو شعب يرفض العيش في ذل، ويرفض أن يتغاضى عن الخطأ، لذلك كان المصريون هم الأساس في التفاعل مع القضية الفلسطينية، ولن تجد جلسة في مصر إلا وكانت القضية الفلسطينية حاضرة، وكذلك لا تجد مناقشة على السوشيال إلا وتعرض فيها المصريين للأوضاع في غزة، واستطاع المصريون أن يجعلوا القضية الفلسطينية حية بمعنى الكلمة، حتى أنك قد تسأل نفسك " هل هناك شعوبا أخرى تقوم بما نفعله دعما للقضية الفلسطينية، أو متابعتها حتى لو بالتعاطف الانسانى"، ومؤكد أن هناك تعاطفا دوليا، لكن أن يتفاعل شعبا بأكمله، فهذا قد يكون نادرا.
وقدم المصريون معدنهم بشكل واضح في كل مناسبة، واستطاعوا أن يحدثوا الفارق بدعمهم للقضية الفلسطينية، ودعما لما يتم، وأخرج المصريون من " قوتهم" للقضية، أضعاف ما قدمه العالم، ومازال هناك الكثير ليقدمونه مستقبلا.

القوة الناعمة..فلسطين حاضرة دوليا
تكون لدى مصر في السنتين الأخيرتين منذ 7 أكتوبر وعيا جديدا لدى النخبة المصرية، وأعادت حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، تعريف إسرائيل من جديد للنخبة المصرية، وهى النخبة المؤثرة ثقافيا ومعنويا في الشعب المصرى، ولذلك قامت تلك القوة الناعمة المصرية بترديد اسم فلسطين في كل محفل تتواجد فيه، وقامت أعمالا درامية ووثائقية، وكثير من اللقاءات على المستوى الاقليمى والعالمى، من عناصر تمثل القوة الناعمة المصرية، وتلك العناصر كانت أكثر تفاعلا من غيرها من الجنسيات الأخرى، واستطاعت صياغة العبارات والكلمات بشكل دقيق، يدعم القضية الفلسطينية في مجملها، ويرفض الممارسات والانتهاكات التي تتم لحظيا من جيش الاحتلال وقادته.
وقدمت القوة الناعمة المصرية كثير من اللقاءات التلفلزيونية، والمشاركة في الطرح الدولى في القنوات الدولية، وكذلك المهرجانات والمسابقات الرياضية والفنية وغيرها، واستطاعت أن تجعل فلسطين موجودة بقوة في أي محفل تتواجد فيه.
الرئيس السيسى.. قائد بحجم مصر
على المستوى السياسى، قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بدوره العظيم في دعم القضية الفلسطينية، جعلت الشعب الفلسطيني يرفع صورته في القطاع، ويردد اسمه طلبا للمزيد، بناء على الخطوات والخطابات التي ظهر فيها الرئيس السيسى دعما للقضية الفلسطينية، وهو الرئيس الوحيد تقريبا في العالم الذى لا يكاد يمر يوما رئاسيا إلا وكان هناك اسم فلسطين والقطاع يتردد على لسانه.
وقد أعلن الرئيس السيسى في كل مناسبة معايير التعامل مع القضية الفلسطينية، والرفض الحاسم لما يقوم به الجانب الآخر، وفى كل مناسبة تقوم مصر بتذكير العالم برؤيتها، بل وتدعو العالم بأسره للاجتماع في مصر، والوصول لصيغ توافقية، على أساسها يمكن الحل، وهو ما يتم حاليا في تلك الفترة.
و الخطاب الرئاسي المصرى، خطابا واضحا، محدد المعالم، واضح الإجراءات، دون غيره من أي خطابات مناظرة، وذلك الخطاب الرئاسي قوامه وجوهره مصلحة فلسطين المحتلة، ومصلحة المنطقة العربية، وعمل الرئيس السيسى على المرور بمصر والمنطقة لمساحة آمنة نسبيا، في ظل رغبة جامحة من الطرف الآخر لتوسعة رقعة الصراع الإقليمى.
ويعد الرئيس السيسى هو الإجابة الأمثل للسؤال ماذا فعلت مصر للقطاع؟!، فقد فعل الرئيس السيسى لفلسطين أكثر مما فعل غيره، وبالتحليل والرصد الموضوعى، الذى نذكر بعضا منه في هذا التقرير.

الدبلوماسية المصرية..وسام فخر في مرحلة شائكة
في مسار الدعم الدبلوماسي للقضية الفلسطينية، يجب أن نقف على الدور الرائد والمتصاعد للخارجية المصرية، وسفاراتها بالخارج، والتي حاول البعض التشويش عليها، ببعض الممارسات غير السوية، بهدف جعلها تبعد عن المسار السليم والحقيقى، إلا أن الخارجية وأبطالها كشفوا تلك المخططات، وكان رجال الخارجية على كافة المستويات أبطالا عظام يدافعون عن سفارات بلدهم بالخارج، وكان الخطاب الدبلوماسي المصرى المعلن، يتوافق مع خطوات واضحة للدولة المصرية.
تلك الخطوات كانت تطالب دوما بوقف الحرب نهائيا، ووقف الممارسات الخسيسة من الاحتلال الإسرائيلي، واستطاع الخطاب المصرى الدبلوماسي، أن يحقق الرؤية العامة للسياسة المصرية، في رفض كل محاولات التشويش، وكذلك رفض كل أشكال انتهاك السيادة للدول المتداخلة في الملف الفلسطيني، ومنهم الأشقاء في قطر، وكذلك ما تم من تصريحات إسرائيلية مستفزة ضد المملكة العربية السعودية.
واستطاعت الخارجية المصرية، وكذلك كل الجهات ذات الصلة العاملة في الملف الخارجي، أن تواجه الرواية الإسرائيلية المدعومة من أطراف وجهات كبرى في المجتمع الدولى، وذلك المسار ليس مسارا سهلا يمكن المرور عليه في كلمات، فالعمل المركب في الخارجية المصرية، كان يقصد تمرير الرواية المصرية، وكذلك مجابهة الرواية الإسرائيلية، وبذلك يكون العمل على اتجاهين في نفس التوقيت، وهو ما حقق لها نجاحات متتالية، تحسب للسفير بدر عبد العاطى، وزير الخارجية الحالي، كثير من تلك القفزات في النجاح.
البرلمان المصرى.. جلسات طارئة وخطوات جادة
في الوقت الذى كان الاحتلال الإسرائيلي يمارس الإبادة الجماعية ضد أهلنا في قطاع غزة، كان مجلس النواب المصرى، وكذلك مجلس الشيوخ، بأعضائهما في مواجهة حقيقية مع تلك الأوضاع، حيث عقد عدة جلسات تحدث فيها نواب مصر عن الوضع في غزة، وضد ما يتم من ممارسات للاحتلال الإسرائيلي، وكانت التصريحات اليومية للنواب في كافة الوسائل الإعلامية تعمل في نفس الاطار، كما قام عدد كبير من النواب في المحافل الدولية، بتقديم رؤية مصر الواضحة، وواجه بعض منهم أطرافا في حكم الإسرائيليين، وقاموا بمواجهتهم بكل قوة، وبخطاب برلماني واضح.
واستطاع البرلمان المصرى وأعضاءه، في تنظيم عدد من الوقفات كلا في نطاقه، دعما للقضية الفلسطينية، وكذلك شارك بعض منهم في الوقفات أمام معبر رفح البرى، وغيرها من الوقفات، التي كانت تعزز رؤية القيادة السياسية، وترفض كل ما يحدث في الإقليم.
كما كانت هناك اللقاءات الثنائية بين النواب ولجانه وبين البرلمانات المناظرة، سواء كان ذلك مصر أو خارجها، واستطاعت تلك اللقاءات تعزيز الرؤية الوطنية المصرية، الداعمة للقضية الفلسطينية، وقدمت خطابا جادا في التواصل مع البرلمانات واللجان المناظرة حول العالم.

رجال الأعمال المصريين..ومؤسسات المجتمع المدنى
في العامين الماضيين قدم مجتمع رجال الأعمال، وأبطال منظمات وجمعيات المجتمع المدنى، الكثير والكثير في سبيل دعم قطاع غزة والقضية الفلسطينية، وحقق أبطال المجتمع المدنى ورجال الأعمال بطولات كبيرة في سبيل حشد الموارد، وضبط وحوكمة المساعدات، ومتابعة التنسيق والأجراءات في سبيل تكويد المساعدات، وفرزها، والعمل على إيصال مساعدات آدمية، صالحة للاستخدام، خاصة في ظل فترات غلق معبر رفح من جهة الاحتلال الإسرائيلي.
واستطاع المجتمع المدنى المصرى، في احداث التوازن بين العمل على برامج الداخل المصرى، وكذلك توفير مساعدات حقيقية، وصلت في وقت من الأوقات أن قدمت مصر ما يزيد عن 70 % من المساعدات للقطاع، مقابل كل منظمات العالم ودوله الكبرى، وكان ذلك الدعم المقدم من المصريين عبر منظمات المجتمع المدنى، والتحالف الوطنى للعمل الأهلى، وبيت الزكاة، وغيرهم من المؤسسات الوطنية المصرية، هو المعبر عن فكرة الإجراءات الحقيقية التي يجب اتخاذها دعما للقضية الفلسطينية.
أبطال المساعدات الإنسانية
مساحة استقبال المساعدات وايصالها للقطاع، هي مساحة ضخمة للغاية في المجهود والتنظيم، وربما لا يلقى البعض اهتماما كبيرا بها، فالمساعدات لا تصل لغزة عبر "زرار" أو " ورقة" يتم امضائها، بل تلك المساعدات يتم تفريغها من الطائرات، ومراجعتها، وإعادة ترتيبها، وتعبئتها مرة أخرى، كما تجرى أعمال متابعة لما يحتاجه القطاع في المقابل، وكل تلك الخدمات اللوجيستية وغيرها، قام بها مصريين، من أجل قطاع غزة، بل صارت " الفيستات" الصفراء والحمراء عنوان للخير في تلك المساعدات.
واتخذت المساعدات الإنسانية شكلا آخر، فهناك المساعدات التي كان يتم اسقاطها عبر طائرات القوات المسلحة المصرية، سواء بمفردها، أو بالتنسيق مع دولا آخرى، وهذا مجهود أيضا ضخم في التنسيق والترتيب، وكذلك التحميل والتفريغ، في ظل أجواء مضطربة بطبيعتها، ولذلك تلك المساحة من العمل، هي مساحة قدمتها لمصر لقطاع غزة.
إعلام وطنى شارك في المعركة
في الخطاب الإعلامى المصري، يمكنك بسهولة الوقوف على ما نقوم به كإعلاميين في المواجهة، فكل الإعلام المصرى تقريبا " مرئى ومسموع ومقروء" يقدم متابعة لحظية للقضية الفلسطينية، وتشغل فلسطين حيزا ضخما في المتابعات الإعلامية، ويقدم الصحفيون والإعلاميون يوميا مئات التقارير والأخبار التي تتوافق مع رؤية مصر الوطنية، وتفضح كل ما تقوم به إسرائيل من جرائم في القطاع، وفى غيره من الجبهات المفتوحة.
واستطاع الإعلام المصرى أن يشكل عقل جمعى وطنى، استطاع الفرز الحقيقى، وقدم المفاهيم بشكلها السليم والمنضبط، واستطاعت كاميرات ومواقع واذاعات مصر، أن تحدث الاصطفاف الوطنى المصرى، والذى يستوعب ما يحدث، ويتفاعل مع كل خطوة تتم، ومع الإعلام التقليدي كانت هناك صفحات السوشيال ميديا، وكذلك صفحات المشاهير، وبرامج البودكاست وغيرها، واحتلت القضية الفلسطينية مساحة غير قليلة في الطرح.
وشارك كثير من مشاهير السوشيال ميديا في الوقفات التي تدعم القطاع، كما تفاعل المصريون مع صفحات الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها وسيلة لرفض كل ما يحدث من جرائم، وكان المصريون هم متقدمى الصفوف في السوشيال ميديا، وعلى كافة الصحفات التي يعرفونها من صفحات الاحتلال، وكذلك داعمين للقضية الفلسطينية، وهذا معروف للكافة، ولا يمكن نكرانه.
كما كان مراسلين القنوات الوطنية المصرية متواجدين في القطاع والضفة، وكذلك في أي مكان يتم مناقشة فيه القضية الفلسطينية، فكان جزءا هاما من الدعم الوطنى المصرى للقضية الفلسطينية، بلغة خطاب منحازة لفلسطين، وترفض ما يفعله مجرمى الحرب في تل أبيب.

التهجير ..مصر تجابه الصهيونية
في ملف التهجير، فعلت مصر في سنتين ما فعلته في تاريخها كافة، فهذا السيناريو والمخطط المدعوم من دولا وأطرافا قوية على مستوى العالم، كانت تسعى فيه تلك الأطراف، لتحقيق حلم الصهيونية بتفريغ القضية الفلسطينية من شعب على أرض، وجعل الأرض سهلة للاستيطان، وقد أدركت مصر مبكرا السعي الإسرائيلي لتحقيق حلم التهجير على حساب القضية الفلسطينية، والأمن القومى المصرى، وواجهت ذلك المخطط بكل الأدوات المتاحة.
واستخدمت مصر كل المناورات التي تعبر عن القدرة الحقيقية للدولة ومؤسساتها، وانتصرت مصر في ذلك الملف، ليس فقط انتصارا يحسب لمصر وشعبها، ولكنه انتصارا يحسب لقطاع غزة، وأهله، فالتهجير هو دعم للقضية الفلسطينية، ورفضا علنيا لكل مخطط معلن ومخفى في ذلك الاطار، بل ساهمت مصر في فضح ذلك المخطط، عبر التنبيه به في كافة المحافل واللقاءات العامة والثنائية.
وواجهت مصر مخطط التهجير، رغم الظواهر التي تؤكد انها تعمل بمفردها في تلك المواجهات، إلا أن القرار المصرى كان مستقلا، ويرفض المساومة، ويعلن الرفض العلنى غير المشوش، وهو رفضا أعاد ترتيب الأوراق لدى الأطراف الأخرى، وجعلها تخضع في النهاية، وتصرف النظر ولو مؤقتا عن ملف التهجير.
الصحة والتعليم.. فلسطين في القلب
في الملف الصحى، قام أطباء وممرضي وإداري المستشفيات المتعاملة مع الملف الفلسطيني في مصر، بجهد لا يمكن انكاره، فقد استقبلت المستشفيات المصرية آلاف الحالات التي كانت في مرحلة الموت تقريبا، وأنقذت مستشفيات مصر الكثير من أبناء فلسطين، ومصابى الحرب ضد القطاع، واستطاعت المستشفيات المصرية، وكل من يعمل فيها، على وضع أفضل الطواقم والمعدات حتى تستطيع انقاذ ما يمكن إنقاذه.
وفى وقت من الأوقات أنقذت مصر _ بفضل الله_ مئات الأطفال، ووفرت احتياجات طبية كان يحتاجها القطاع، كما كان للهلال الأحمر دور عظيم في دعم القطاع، وهو دور مقدر، ويجب توثيقه من أهل الاختصاص في الهلال الأحمر، وغيره من المؤسسات العاملة والمتداخلة مع ملف فلسطين.
كما استوعبت مدارس وجامعات مصر كثير من الطلاب الفلسطنيين، مثل غيرهم من ضيوف مصر، وحظى هؤلاء بمنح وبتخفيضات، بل وباهتمام كبير من أعضاء هيئة التدريس والعمداء، ورؤساء الجامعات، وكان التعليم من الملفات التي قدمت فيها مصر دعما مباشرا لأهلنا في قطاع غزة.
دعم بالمليارات مباشر وغير مباشر للقضية الفلسطينية
لا يمكن دحض فرضية أن مصر دعمت القضية الفلسطينية في كل مراحلها بشكل اقتصادى، وكانت مصر حاضرة في ملف الاعمار، وكذلك المساعدات الإنسانية فهى تمثل بعد اقتصادى هام في الدعم، وكذلك الدعم اللوجيستى الذى يمثل دعما اقتصاديا مباشرا، غير المؤتمرات العامة والخاصة، التي استضافتها مصر، وكلها تمثل وسائل دعم اقتصادى لوجيستى للقضية الفلسطينية، وتنظيمها وإعدادها كان يقع على عاتق مصر، فكل الحاضرين لتلك المؤتمرات، تمت استضافتهم وتوفير وسائل الإعاشة على مدار أيام الحضور، وكل تلك سياقات اقتصادية قد لايراها البعض.
غير أن هناك دعما "غير مباشر" لا يقف الكثيرون عنده، وهو ملف قناة السويس والبحر الأحمر، فكل الخسائر التي خسرتها مصر والتي تعدت 7 أو 8 مليار دولار في قناة السويس، تعد خسائر غير مباشرة، مقرر لها دخول الاقتصاد المصرى، إلا أن ما تم هو خسارة مباشرة ومستمرة، ولم تتعامل مصر معها بمنطق المكسب والخسارة، بل تعاملت مع ذلك الملف باعتباره مرتبطا بالقضية الفلسطينية، ويجب السير فيه بحذر.
كما تعد مصر حاليا مؤتمر التعافى المبكر لقطاع غزة، والمقرر له في النصف الثانى من شهر نوفمبر، وهذا المؤتمر سيكون النواة الأساسية لتوفير الأموال اللازمة لتعمير القطاع، وإعادة تهيئته للسكن والحياة في غضون شهور، وبمراحل متدرجة.

الأجهزة الأمنية.. أمن وأمان لضيوف مصر
في المسار الأمني، قامت مصر عبر أجهزتها الأمنية المعنية في تأمين نطاق شمال سيناء، والعمل على رصد ومتابعة كل ما يتم، وكذلك قامت الأجهزة الأمنية المصرية في تأمين زيارات ضيوف مصر لشمال سيناء، واستطاعت الأجهزة الأمنية، وأجهزة المعلومات أن تقوم بذلك الدور على النطاق المحلى، بالإضافة لتأمين وفود التفاوض، وهى مهمة ليست هينة، في ظل شره للطرف الآخر، الذى تجاوز الأمر في دولة قطر في وقت من الأوقات.
واستطاعت الأجهزة الأمنية المصرية، أن تقوم بتأمين الأمور الداخلية بدقة واهتمام شديد، بل وبمرونة ناتجة عن خبرة متراكمة، وبالتالي قامت الأجهزة الأمنية المصرية، وأجهزة المعلومات في التعامل مع ذلك المسار، وهو مسار مهم دعما من مصر للقضية الفلسطينية، وحفاظا على أن تكون المرحلة آمنة، وهناك دولة تمثل وجهة آمنة لكل من يقصدها.
كما لا يدرك البعض أن تأمين قمة شرم الشيخ للسلام، وغيرها من المؤتمرات العامة، تمثل جهدا أمنيا غير عادى، وهو ما يحسب للقائمين على أمور منظومة الأمن، ويعد جزءا رئيسيا في الإجابة عن السؤال، ماذا قدمت مصر لغزة؟!
كما أن للقوات المسلحة المصرية دورا رائدا وعظيما في تهيئة الوطن ككل، دعما للقضية الفلسطينية، كما كانت القوات المسلحة وأبطالها مشاركين في ملفات المساعدات، والتأمين، والتوعية، بالإضافة لكافة الالتزامات التي نظمها الجيش المصرى، وتضمنت قدرا كبيرا من تشكيل الوعى الوطنى نحو القضية الفلسطينية.
فريق التفاوض.. خبرات متراكمة ونتيجة جيدة
من بين السياقات الهامة التي دعمت بها مصر القضية الفلسطينية، أو ماذا فعلت مصر لغزة؟، هو فريق التفاوض المصرى، والذى يضم صفوة من الخبراء والمتخصصين، والفرق الفنية، والقيادات الاستخبارية رفيعة المستوى، واستطاع فريق التفاوض المصرى من تفعيل الهدن المختلفة، وكذلك ضمان استمرار الهدنة الحالية، ورغم غياب المعرفة الكاملة _لدينا_ بما يقوم به الفريق المصرى، إلا أن النتيجة على الأرض تؤكد ان هناك خطة قائمة، وهناك رعاية مصرية قطرية أمريكية لما يتم.
كما أن فريق التفاوض بكل من فيه، يشارك في عملية تبادل قوائم الأسرى والمحتجزين من الجانبين، ولابد له من مرونة كبيرة لتحقيق النتيجة المطلوبة، وهو الأمر الذى حقق نجاحات كبيرة حتى هذه اللحظة، كما أن فريق التفاوض عليه مهمة كبيرة في فك العثرات والمعوقات التي يمكن أن تنشأ مستقبلا، كما يجب عليه أن يتفهم العقلية الفلسطينية والإسرائيلية معا، وكل تلك النقاط يبدو أن الفريق المصرى هضمها رغم صعوبتها، ويحقق حاليا بعض المواءمات، التي تذلل الطريق للنتيجة المرضية للكافة.
وفريق التفاوض جزء من المعادلة الرئيسية، بل كتلة صلبة رئيسية في الإجابة عن السؤال، لأن مصر تقدم خطابا سياسيا، وتحركا دبلوماسيا، ودورا شعبيا، ومع كل ذلك هناك فريقا يتفاوض من أجل حل الإشكاليات، وتمرير الاختيارات، مع أطراف كلا منهما يتمسك برؤيته، ويراوغ بمنظوره، مع وسائل ضغط قد تكون ناجحة في وقت، وغير ناجحة في وقت آخر.
سيناء..أرض السلام
مع المجهود المبذول من الدولة المصرية بأكملها، إلا أن هناك نطاقات بعينها قامت بجهدا كبيرا في سبيل دعم القضية الفلسطينية، فكل محافظة من محافظات الجمهورية، قامت بجهد في ذلك السياق، غير أن محافظات ومدن القناة، كان لديهم نصيب الأسد، في عمليات استقبال الجرحى والمصابين، وكذلك مرور المساعدات الإنسانية، ومن بين المحافظات الرئيسية التي استضافت كل هؤلاء، محافظة شمال سيناء.
قدمت محافظة شمال سيناء، دورا رائدا في العمل على تهيئة المناطق اللوجيستية، وكذلك استضافة المتطوعين، والمساعدات الإنسانية، وتنظيم حضور الوفود وانصرافهم، وكذلك التأمين العام، بالتشارك مع القوات المسلحة والشرطة المدنية، وأجهزة الدولة المصرية، كما قامت المحافظة بالتفاعل مع كافة التفاصيل الخاصة بقطاع غزة، وشاركت القيادات الشعبية والتنفيذية في محافظة شمال سيناء، في تلك العملية، وهو جزء من كل يمثل دعما رئيسيا للقضية الفلسطينية.
مصر وترامب والقضية الفلسطينية
تعد مشاركة مصر في خطة الرئيس الأمريكي ترامب، إحدى الوسائل التي دعمت بها مصر القضية الفلسطينية، فقد كانت مصر جزءا هاما من ذلك التحرك، ودعمت ذلك المسار بكل قوة، وهو المسار الذى يتم العمل فيه حاليا، وقد وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى خطابا للرأي العام العالمى وقتها، كما وجه كلمة للرئيس الأمريكي ترامب، قال فيها "علينا أن نتوقف عند مشاهد الارتياح والسعادة التي عمت، سواء في شوارع غزة، أو الشارع الإسرائيلي أو في العالم كله على حد سواء، عقب التوصل لاتفاق إنهاء الحرب، بفضل مبادرتكم الحكيمة، فهي دليل آخر؛ على أن الخيار المشترك للشعوب...هو السلام".
كما قال الرئيس السيسى أن مصر ستعمل مع الولايات المتحدة، وبالتنسيق مع كافة الشركاء، على وضع الأسس المشتركة، للمضي قدمًا في إعادة إعمار قطاع غزة دون إبطاء، كما تعتزم مصر في هذا السياق؛ استضافة مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية، والذي يبنى على خطة إنهاء الحرب في غزة، وذلك في سبيل توفير سبل الحياة للفلسطينيين على أرضهم ومنحهم الأمل.
